لجسيم هيغز الشهير وظيفة مهمة ومعقدة، فهو يمنح جميع الجسيمات الأولية الأخرى كتلتها. دون هذه الكتلة ستندفع الجسيمات -ونحن أيضًا- عشوائيًا بسرعة الضوء، وستكون مُفككةً للغاية فلا تستطيع تشكيل الذرات. إذن ما دور جسيم هيغز ؟
بعيدًا عن المعادلات، يميل الفيزيائيون إلى تبسيط الفكرة باستخدام مثال الرياضة والشراب.
يكتسب كل من الجسيمات الأولية خصائصه الفريدة نتيجةً للتفاعل مع كيانات غير مرئية تُسمى المجالات، ومثل ملاعب كرة القدم، فهذه المجالات هي منصات كبيرة يندفع فيها الأفراد (الإلكترونات أو اللاعبين) في مسارات، ويتصادمون أحيانًا، لكن على عكس الملاعب، فإن مجالات الفيزياء ثلاثية الأبعاد، وتمتد في جميع الاتجاهات إلى ما لا نهاية.
أحد هذه المجالات هو المجال الكهرومغناطيسي، وهو ما تشعر به قرب أقطاب المغناطيس، لكنه في الواقع موجود في كل مكان طوال الوقت. يتفاعل كل جسيم مع المجال الكهرومغناطيسي بطريقة معينة وفقًا لشحنته. فتميل الإلكترونات سالبة الشحنة إلى التحرك عبر المجال تجاه القطب الموجب، لتصبح قريبةً من البروتونات موجبة الشحنة.
وكما يتوافق كل ملعب مع نمط معين من الرياضات، فإن لكل مجال فيزيائي جسيمات متوافقة معه. فمثلًا يتوافق المجال الكهرومغناطيسي مع الفوتونات أو جسيمات الضوء. يظهر هذا التوافق في أمرين، أولًا عندما يكون المجال الكهرومغناطيسي (مُثارًا) أو مضطربًا، ما يعني أن طاقته متأججة في بقعة معينة، هذا التأجج -فعليًا- هو فوتون.
ثانيًا، عندما تتفاعل الجسيمات مع المجال الكهرومغناطيسي، مثلًا عندما تنجذب نحو طرف المغناطيس المشحون بشحنة معاكسة، فإنها تتأثر بالمجال من طريق امتصاص تدفق مستمر من (الفوتونات الافتراضية) وإصداره، وهي الفوتونات التي تظهر وتختفي من الوجود لحظيًا، فقط بغرض التوسط في تفاعل (جسيم-مجال).
وكذلك يوجد مجال هيغز، الذي يعطي الجسيمات كتلتها.
أوضح جيمس أوفردين، الفيزيائي بجامعة توسون في ماريلاند: «باستثناء الفوتونات والغلونات عديمة الكتلة، تحصل جميع الجسيمات الأولية على كتلها بتفاعلها مع مجال هيغز، ويمكن تشبيه ذلك بأنها (تبطؤ) في أثناء مرورها عبر شراب سميك».
تواجه بعض الجسيمات صعوبةً أكبر في المرور عبر مجال هيغز السميك مقارنةً بسواها من الجسيمات، ونتيجةً لذلك تصبح أثقل، ومع ذلك ما زلنا لا نعرف السبب في أن بعض الجسيمات الثقيلة -كالكواركات العلوية- يعوق مجال هيغز حركتها بمقدار آلاف الأضعاف مقارنةً بالجسيمات الخفيفة كالإلكترونات والنيوترينوات.
قال جون غونيون مؤلف كتاب (دليل صائدي هيغز)، أستاذ الفيزياء بجامعة كاليفورنيا- دافيس: «بحث العلماء عن طريقة لتوقع كتل الجسيمات من المبادئ الأولى، لكن لم تظهر حتى الآن نظرية مقنعة».
هنا يأتي دور جسيم هيغز. كما يمثل الفوتون وسيطًا في التفاعلات مع المجال الكهرومغناطيسي، ويُعَد إثارةً أو اضطرابًا فيه (أي في المجال الكهرومغناطيسي)، يمثل جسيم هيغز وسيطًا في التفاعل مع مجال هيغز، ويُعَد إثارةً أو اضطرابًا فيه.
تتغلغل الجسيمات عبر مجال هيغز وتتبادل معه جسيمات هيغز الافتراضية، ويظهر جسيم هيغز حقيقي عندما يصبح المجال مُثارًا، مثل تموج ضمن الشراب. إن ملاحظة التموج (الجسيم) يُمكِّن الفيزيائيين من تأكيد وجود الشراب (المجال).
وقال كريغ بلوكر، الفيزيائي بجامعة برانديز: «عليك الحصول على ما يكفي من الطاقة لإثارة المجال، ليظهر الجسيم، وإلا فلن نعلم بوجود المجال».
لكن نظرًا إلى أن جسيم هيغز عالي الطاقة للغاية (أو ثقيل جدًا)، تصعب إثارة مجال هيغز بما يكفي لتشكيل الجسيم، وهنا يأتي دور (مصادم هادرون الكبير)، لتحفيز تصادم البروتونات عالية السرعة، فيتولد ما يكفي من الطاقة لتشكيل تموجات في مجال هيغز، ما يؤدي إلى تكون بوزونات هيغز.
اقرأ أيضًا:
تجربة في القطب الجنوبي تكشف عن جسيمات شبحية غريبة لا يستطيع الفيزيائيون تفسيرها
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: رزوق النجار
مراجعة: أكرم محيي الدين