من البراكين على المريخ إلى الصدوع على عطارد ، كيف تحصل الأماكن في العوالم الأخرى على أسمائها ؟ تمكنت مركبة الفضاء نيوهورايزن في عام 2015، من التحليق فوق بلوتو بنجاح وأكملت طيرانها في 1 يناير 2019 حول أولتيما ثولUltima Thule ؛ وهو جسم في حزام كويبر من الأجسام التي تقع وراء نبتون. يشير اسم أولتيما ثول إلى مكان بعيد غير معروف، ولكنه حاليًا مجرد اسم مستعار. وستخصص في نهاية المطاف الأسماء الرسمية للجسم والسمات الموجودة على سطحه، قد يستغرق ذلك عدة سنوات وذلك من قِبل الاتحاد الفلكي الدولي IAU، الذي يحتفل بمرور مئة عام في عام 2019.
تتضمن إنجازات الاتحاد الفلكي الدولي خلال عقوده القليلة الأولى تمكنه من حل مجموعة متناقضة من الأسماء المعطاة لملامح سطح القمر والمريخ من قبل الفلكيين خلال القرون القليلة الماضية. بعد ذلك، كانت مهمة مجموعة عمل التسميات في الاتحاد قد انتهت إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن عصر الفضاء لم يكن قد بزغ بعد، فقد مهّد هذا الطريق فيما بعد سامحًا للمجسات الفضائية أن ترسل صورًا تكشف عن تفاصيل المناظر الطبيعية المدهشة على الكواكب وأقمارها.
يجد علماء الكواكب الحياة صعبة دون أسماء، على الأقل تلك الأسماء التي تُطلق على السمات البارزة الأكثر وضوحًا على الجسم. إذا لم تكن هناك أسماء، فإن الطريقة الوحيدة للتأكد من أن الباحثين الآخرين يمكنهم تحديد موقع نفس الميزة ستكون من خلال ترقيمها أو تحديد إحداثيات الخريطة. وهذا خيار مرهق وغير معقول.
القواعد
بناءً على بعض أسماء القمر والمريخ الراسخة بالفعل، فرض الاتحاد الفلكي الدولي أمرًا بوضع محاور أساسية على أسماء السمات على كل جسم. على سبيل المثال، سُميت الفوهات الضخمة على المريخ بأسماء علماء وكتاب متوفين مرتبطين بالمريخ، مثل أسيموف «Asimov»، ودا فينشي «Da Vinci»، أما الفوهات الأقل منها والتي تقع على علو أقل من (60 كم) سُميت على أسماء المدن والقرى على الأرض، مثل بوردو «Bordeaux» وكاديز «Cadiz».
وبصرف النظر عن الحفر، فإن معظم الأسماء مكونة من جزأين، مصطلح واصف descriptor من أصل لاتيني يضاف للإشارة إلى نوع الميزة التي تُسمّى. فعلى المريخ، نجد الوديان المتجاورة تسمى أريس فاليس Ares Vallis، وتيو فاليس Tiu Vallis، وسايمد فاليس Simud Vallis، المصطلح الواصف فاليس Vallis هو الجزء اللاتيني من اسم الوادي. وتسبقه كلمة ترتبط بالمريخ ولكن بلغة مختلفة، في هذه الأمثلة كانت المصطلحات الواصفة يونانية، وإنجليزية قديمة، جرمانية، وسومرية على التتالي. من بين مصطلحات الوصف الأخرى تشازما Chasma؛ والتي تعني اكتئابًا عميقًا وطويلًا، ومونز Mons أي الجبل، وبلانيشا Planitia أي السهل المنخفض، وبلانوم Planum أي سهل مرتفع أو هضبة.
يُختار الوصف لتجنب الإشارة إلى أننا نعرف كيف تشكلت ميزة معينة. على سبيل المثال، هناك العديد من الصدوع على سطح عطارد التي فسرت حاليًا على أنها صدوع دسرية thrust fault، إذ تندفع منطقة من سطح الكوكب فوق الأخرى. ومع ذلك، المصطلح الواصف محايد (في هذه الحالة استُخدم مصطلح روبس Rupes وهو الصدع أو المنحدر باللاتينية، لذا لن يكون من الضروري إعادة تسميتها إذا أدركنا أننا كنا نسيء تفسيرها. وبالمثل، فإن الجبال العملاقة على سطح المريخ والتي يكاد يؤكَّد أنها براكين، لديها وصف البركان كجزء أساسي من اسمها.
تزامن رصد أكبر بركان على سطح المريخ، أوليمبوس مونس Olympus Mons مع ظهور بقعة ساطعة سريعة الزوال يمكن تمييزها في بعض الأحيان من خلال التلسكوبات. ورغم أنه أطلق عليها في البداية اسم نيكس أوليمبيك بمعنى ثلوج أوليمبوس من قبل المراقب في القرن التاسع عشر جيوفاني شياباريللي، فقد أظهرت مجسات الفضاء أن ذلك السطوع المؤقت لم يكن ثلجًا بل غيومًا تتجمع أحيانًا حول القمة. قرر الاتحاد الفلكي الدولي الاحتفاظ بالجزء أوليمبوس من الاسم، واعتبار كلمة مونس Mons أكثر ملاءمة فهي تعني الجبل في اللاتينية.
على القمر، احتفظ الاتحاد الفلكي الدولي بالتسمية ماري Mare والتي تعني البحر في اللاتينية كمصطلح وصف للبقع المظلمة، على الرغم من أنه من الواضح أنها لم تكن مملوءة بالماء كما اعتقد أحدهم من قبل. ومع ذلك، فإن اسم ماري لانغرينيانم Mare Langrenianum الذي أطلقه مايكل فان لانغرين، بشكل غير لائق على اسمه في خريطته 1655، أصبح الآن ماري فيكونديتاتس Mare Fecunditatis.
التوازن الثقافي
تولي وحدة المراجعة الداخلية في الاتحاد الفلكي الدولي اهتمامًا كبيرًا لكل ما يمكن أن يحقق التوازن الثقافي والجنسي عند اختيار الأسماء. فأسماء الفوهات القمرية التي ورّثها الاتحاد الفلكي الدولي والتي تخلد ذكرى علماء مشهورين، ترجح لأسباب تاريخيه كفة الذكور والغربيين.
وبغرض التعويض الجزئي عن هذا الاختلال، قرر الاتحاد الفلكي الدولي أن تُسمّى جميع السمات الموجودة على كوكب الزهرة -والذي كان سطحه غير معروف تقريبًا بسبب الغطاء السحابي الشامل حتى وصلت إلى مداره مركبة السبر الراداري- بأسماء إناث تُوفّين أو شخصيات أسطورية. على سبيل المثال، نايتينجيل كورونا Nightingale Corona، منطقة على شكل بيضوي كبير تحمل اسم الممرضة الإنجليزية فلورنس نايتينجيل Florence Nightingale. الاستثناءات الوحيدة التي أخذت أسماء غير الإناث هي ثلاث سمات على سطح الزهرة سُميت قبيل اكتشافها بواسطة الرادار الأرضي.
قبل أن تصل أول الصور المفصلة لأقمار المشتري من قبل مسبار الفضاء فوياجر1 في عام 1979، خطط الاتحاد الفلكي الدولي لاستخدام أسماء من أساطير الشعوب في المنطقة الاستوائية للأرض على قمر المشتري آيو. وأسماء أسطورية من المنطقة المعتدلة الأوروبية على القمر أوروبا، وأسماء من الأساطير شبه الشرقية على القمر غانيميد، وأسماء من الثقافات الشمالية البعيدة على القمر كاليستو.
لقد تمسكوا بالثلاثة الأخيرة، وهكذا أصبح على سطح أوروبا منطقة باسم أنو ريجيو؛ وهي كلمة باللغة الويلزيه البريطانية تعني العالم الآخر أو المنطقة الأخرى، ولدى جانيميد وكاليستو فوهات باسم أنوبيس الذي يشير إلى إله مصري برأس ابن آوى، وفالهالا؛ وترمز إلى قاعة عيد المحاربين الإسكندنافية.
ومع ذلك، ولأن آيو كشف عن ثورانات بركانية مستمرة، فقد اعتُبر موضوع التسمية الأصلي غير مناسب واستعيض عنه بأسماء النار، والشمس، والرعد والبرق، والبراكين والآلهة من مختلف الثقافات في العالم. على سبيل المثال، تأتي أسماء أه بيكو، وكاماكستلي، وإيماكونغ، وماوي، وشامشو، وتاوكي، وتيان مو والتي تظهر على الخريطة أعلاه، من أساطير النار أو الرعد أو الشمس من المايا والأزتيك وبريطانيا الجديدة وهاواي والعربية والماورية والصينية على التوالي.
كابتن كوك والماوريون
كافح الاتحاد الفلكي الدولي لتحقيق التوازن الثقافي لبعض الميزات. على سبيل المثال، دلّ اسم روبيز على عطارد على أسماء سفن الاكتشاف أو البعثات العلمية. ووفقًا لطبيعة تاريخ العالم، فإنه هناك رجحان لأسماء السفن الغربية. على سبيل المثال، نجد أدفنجر، دسكفري، إنديفور، ريزوليوشن، وجميع السفن الأربع من رحلات الكابتن كوك إلى المحيط الجنوبي والمحيط الهادئ في القرن الثامن عشر.
أنا شخصيًا، أعتقد أن هذه الرحلات كانت في الأساس استكشافات علمية أكثر من كونها بهدف الغزو أو الاستعمار. لاحظ كوك في رحلته الأولى مرورًا نادرًا لكوكب الزهرة، أما رحلته الثانية فقد وصلت إلى الجنوب أكثر من أي وقت مضى.
وهكذا، سيكون من الجميل تصحيح التوازن، فيما يتعلق بمشروع رسم خرائط كوكبي أوروبي، فإن أحد طلابي في مرحلة الدكتوراه وأنا أيضًا نتمنى أن نحصل على منطقة واحدة على الأقل من عطارد لم يُطلق عليها اسم روبيز بعد اسم لقارب كان يستقله الماوريون عند وصولهم إلى نيوزيلندا.
في نهاية المطاف، استكشاف الفضاء هو لصالح البشرية جمعاء.
اقرأ أيضًا:
- حقائق ومعلومات عن قمة جبل إفرست .. أعلى قمة على الأرض
- هذه الأماكن على سطح القمر يمكن أن تأوي البشر
- عُلماء يدحضون فكرة تواجدك في عددٍ غير محدودٍ من الأماكن
- حقائق مدهشة عن إنسيلادوس ، أحد أقمار زحل
ترجمة: إسلام جميل
تدقيق: سلام طالب