في هذا المقال، سنعرض لكم طريقة تصنيع معالجات الكمبيوتر الدقيقة والدوائر المتكاملة ابتداءً بكتلة من السليكون وانتهاءً بجهاز يحتوي على ملايين من الترانزستورات، والتي تعتبر حاليًا أساس معظم الأجهزة التي نتعامل معها في حياتنا.
مراحل صناعة المعالجات
صناعة الرقاقة
المعالجات تُصنع غالبًا من عنصر يدعى السليكون. السليكون غزير في القشرة الأرضية كما أنه أحد أهم أشباه الموصلات.
والذي يعني أنه على حسب ما تضيف إليه من مواد، فإنه يمكن أن يوصل الكهرباء إذا تمّ تطبيق فرق جهد بين طرفيه.
إنّ السليكون هو المفتاح الكهربي الأساسي الذي يشغّل المعالج، فالمعالجات الحديثة تحتوى حرفيًا على ملايين الترانزستورات.
أوّل خطوة في تصنيع المعالجات هي تصنيع الرقاقات التي يتمّ بناؤها عليهم.
تبدأ هذه العملية بصهر البولي سليكون مع كميّات صغيرة من عناصر نشطة كهربيًا مثل الزرنيخ أو البورون أو الفوسفور أو الأنتيمون في بوتقة من المرو الكوارتز والتي لن تنصهر عن درجات الحرارة العالية.
حالما يبلغ المزيج المنصهر درجة الحرارة المرادة، يتمّ إضافة بلورة من السليكون ويطلق عليها «البذرة» للمزيج المنصهر.
يتمّ تبريد المزيج ببطء ليصل لدرجة الحرارة المطلوبة، والتي يبدأ عندها النمو البلوري حول البذرة.
بينما يستمر النمو، يتمّ استخراج البلورة الأولى من المزيج، ثم يتمّ تدوير الصبّة ببطء أثناء استخراجها لتسوية أيّ تغيرات في درجة حرارة المزيج.
تتحكّم درجة حرارة المزيج وسرعة استخراجه في قطر السبيكة، بينما يتحكّم تركيز العنصر النشط كهربيًا في الخصائص الكهربية لرقاقات السليكون التي يتمّ تصنيعها من السبيكة. تحتاج هذه العملية المعقدة لكثير من خصائص التحكم في العدة المصنوعة من البلورات النامية.
تميل البلورات تلقائيًا لشكل دائري بحكم طبيعة البلورة نفسها وتوتّر السطح للسائل.
يجب أن تكون السبيكة نقيّة جدًا لتكون مفيدة.
تحتوي الحواف والأطراف على معظم الشوائب بسبب التلدين، لذا فإنّ الأطراف تقطع، والحواف تُبشَر حتى يصبح قطر السبيكة هو القطر المناسب.
تقطع الرقاقات بعد ذلك من السبيكة -ويكون سمك الرقاقة حوالي 1-2 ميللي متر- بمنشار سريع.
يتمّ تنعيم حواف الرقاقات بعد ذلك لمنع حدوث تصدّع عند الأطراف.
تصقل الرقاقات بعد ذلك كيميائيًا وميكانيكيًا لإنتاج سطح مسطح جدًا ويشبه المرايا.
يتمّ تسخين الرقاقات بعد ذلك للمساعدة في التخلص من أيّ عيوب، ويتمّ فحص الرقاقات بعد ذلك بالليزر للتأكد من عدم وجود أي عيوب، ويتمّ إضافة طبقة أحادية البلورة لسطح الرقاقة والذي بدوره يعدها للتنميش.
التنميش
- الأكسيد: تطلى طبقة من الأكسيد على الرقاقة، والذي يتمّ غالبًا بتعريض الرقاقة للبخار في درجات حرارة عالية.
- مقاوم الضوء: تطلى طبقة من مقاوم الضوء العضوي والتي تمثّل الفيلم في الكاميرا.
- التغطية: يتمّ وضع القناع، ثم يتمّ إسقاط أشعة فوق بنفسجيّة من خلال الفتحات به، وتستخدم الأشعة فوق البنفسجية بسبب قصر طولها الموجي؛ قصر الطول الموجي يعني أنها يمكن أن تمر خلال قناع أصغر، وتثّبت الأشعة فوق البنفسجية مقاوم الضوء.
- التنظيف: تتمّ إزالة القناع بمذيب عضوي.
- التنميش: يستخدم حمض الهيدروفلوريك لإزالة أكسيد السليكون. لا يؤثّر حمض الهيدروفلوريك على مقاوم الضوء لأنه غير عضوي.
- التنظيف: تتمّ إزالة مقاوم الضوء. الرقاقة حاليًا معدّة للتطعيم بنوع آخر من السليكون ولإضافة اللمسات الأخيرة.
صنع الترانزستور
- رقاقة من شبه الموصل الموجب (سليكون مشوّب ببورون) فوقه طبقة من شبه الموصل السالب (سليكون مشوّب بالفسفور أو الزرنيخ).
- يستخدم قناع لوضع ثاني أكسيد السليكون للعازل.
- تنتشر الذرات المتقبلة مثل البورون في الصمام في ثاني أكسيد السليكون.
- يوضع المزيد من ثاني أكسيد السليكون باستخدام قناع إضافي. وتزرع الذرات المانحة، ذرات مثل الزرنيخ والتي بها إلكترونات إضافية.
- يستخدم قناع إضافي ويوضع المزيد من ثاني أكسيد السليكون، ثم يستخدم قناع آخر لزرع الألمنيوم المتبخر أو النحاس لتعمل كموصلات.
هذا هو الترانزستور ثنائي القطبية.
الترانزستور ذو الشبكة المعزولة
تُستخدَم تلك الترانزستورات في معالِجات الكمبيوتر الدقيقة والذاكرة، كما أنهم يستهلكون طاقة أقل من الترانزستورات ثنائية القطبية ولكنهم يصنَعون بنفس الطريقة بالضبط.
يتمّ كل هذا العمل في غرف نظيفة لأنّ أقلّ حبة من الغبار قد تفسد الرقاقة بالكامل.
يرتدي العمال ملابس خاصة لمنع الأتربة وجزئيات الجلد من الخروج للهواء.
حاليًا يتم تصنيع المعالجات أوتوماتيكيًا حيث يقوم العمّال فقط بمتابعة تلك الماكينات المتطورة.
يحتاج المعمل الكثير من المعدات في البنية التحتيّة للتعامل مع الكيماويات ودرجات الحرارة العالية والضغط. الكثير من الرقاقات قد توضع على شريحة واحدة من 300 ميللي متر.
حينما تمتلئ الشريحة بالرقاقات تختبر كل رقاقة على الشريحة.
إذا وجدت رقاقة فاسدة تحدد كي لا تستخدم. معظم الرقاقات الفاسدة توجد حول أطراف الشريحة.
أفضل الرقاقات توجد في المنتصف ويتمّ اختيارهم أحيانًا لاختبارات حراريّة ممتدة للاستخدامات العسكريّة أو الصناعيّة.
تقطَّع الشريحة إذًا إلى رقاقات منفصلة. ترتبط تلك الشرائح بالحزمة الموجودة في حاسوبك.
يتمّ هذا الربط غالبًا في الدول ذات العمالة الرخيصة. للقيام بذلك قد تكون المنشآت كبيرة إلى حدٍ ما.
المنتج النهائي قد يحتاج ثلاثة شهور ليتمّ إنهاؤه. معالج به أكثر من 25 مليون ترانزستور هو مذهل بكل المقاييس!
تقنيات حديثة في صناعة المعالجات
سليكون على عازل:
يتمّ وضع طبقة عازلة من الأكسيد تتوسط شريحة السليكون وبالتالي تزيل الطبقة العليا من السليكون، حيث سيتمّ تصنيع الترانزستورات النشطة عن باقي كتلة شريحة السليكون.
تعمل طبقة الأكسيد المدفونة كحائل لتقليل التسريب الكهربي من الترانزستورات، وبالتالي نحصل على أجهزة تتميّز بسرعة أكبر وكفاءة أعلى من حيث استهلاك الطاقة.
تلك الخصائص تجعل من هذه التقنية قيّمة لصنّاع الشرائح الذين ينتجون دوائر متكاملة للتطبيقات ذات الأداء العالي مثل السيرفرات ومحطات العمل، أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة، أجهزة الاتصال اللاسلكي، المكونات البصرية المتكاملة، وإلكترونيات السيارات. كما أنّ تلك الشرائح أقل عرضة لأخطاء الإشعاع.
هذه الطريقة لا تعتبر جديدة بالفعل، فلقد تمّ استخدامها في تصنيع المعالج آر سي إيه 1802 المعروف باسم كوزماك (RCA COSMAC 1802) عام 1976، استخدمت الشريحة الياقوت (أكسيد الألمنيوم – Al2O3) كعازل، وعملت على سرعة 6.4 ميغاهرتز وقد كانت سرعة كبيرة جدًا في ذلك الوقت، كما تمتّعت الشرائح المستخدمة لتلك التكنولوجيا بمقاومة للإشعاع وهو ما جعلها مناسبة تمامًا لتعمل على المركبات الفضائية الشهيرة مثل بايونير وفوياجر وغاليليو.
النحت بالغمر:
تعمل هذه التقنية على تطوير الإسقاط عن طريق وضع سائل بين العدسة والشريحة.
الحيود الإضافي للضوء المار خلال السائل يؤدي إلى تحسين تأثير الضوء الساقط.
تعتقد شركة آي بي إم (IBM) أنّ هذه العملية قد تسمح لأدوات أبعادها قد تصل إلى 193 نانومتر لإنتاج دوائر سليكون أبعادها قد تصل إلى 45 نانومتر، وربما حتى أبعاد أصغر.
هذا بعد ما أعلنت شركة إنتل (intel) أنها تستطيع استخدام أدوات بأبعاد تصل إلى 193 نانومتر لإنتاج شرائح أبعادها تصل إلى 65 نانومتر قائمة على الترانزستورات.
النحاس:
تستخدم هذه التكنولوجيا حاليًا على نطاق واسع حيث يستعمل النحاس في الروابط البينيّة بدلًا من الألمنيوم.
بما أنّ له مقاومة كهربية أقل فإنّ سرعته تكون أعلى ويكون أقل استهلاكًا للطاقة.
العازل الكهربائي ذو الثابت المنخفض:
تستخدم العوازل الكهربائية لتكوين حوائل بين الوصلات البينيّة في الدوائر المتكاملة.
يتناسب ثابت العازل عكسيًا مع قدرته على عزل الكهرباء.
العازل المثالي هو الهواء، والذي قيمته ثابتة هي 1، ولكن لا توجد قابلية لاستخدام الهواء فقط بين الوصلات في الدوائر المتكاملة المعقدة، وتُعرف تلك التقنية باسم «سليكون على لا شيء».
ولذلك يبحث العلماء عن عوازل كهربية مسامية إلى أكبر حد -لزيادة كمية الهواء- ولكنّها يجب أن تكون قوية إلى حدٍ ما كي تتحمل عملية التصنيع الصارمة.
طرحت شركة نوفلاس (Novellus) مادة ذات ثابت عازل قيمته تساوي 1.7، والذي يعتبر بقدر كبير أفضل من العازل الكهربائي الموظّف حاليًا.
معظم العوازل الكهربية توضع في الشرائح بالتدوير أو بترسيب البخار الكيميائي.
كلما كان العازل الكهربائي أفضل كلما قلت المسافة بين الأسلاك، والذي يعني مكوّنات أصغر وأسرع.
الجرمانيوم الملتوي:
يستخدم الجرمانيوم بجرعات قليلة في شركات كثيرة، منها أي بي إم، في تقنية حاليّة للصناعة تدعى «السليكون الملتوي».
يستخدم في هذه التقنية مزيج من الجرمانيوم والسليكون بالإضافة إلى طبقة من السليكون النقي، والذي يسبب تمدد جزيئات السليكون لتحاذي نفسها مع ذرات السليكون والجرمانيوم، ويؤدي ذلك إلى فتح طريق أوسع والذي يسمح بمرور الإلكترونات خلال الدائرة.
عرف الباحثون منذ زمن أن الجرمانيوم أفضل في توصيل الكهرباء من السليكون، ولكنهم لم يعرفوا كيفية تصنيع تركيزات أكبر من الجرمانيوم على الشرائح بإستخدام التقنيات العادية.
حققت أي بي إم ذلك ووجدت طريقة للوي طبقة الجرمانيوم لتحسين الأداء.
الجرمانيوم -المستخرج كمنتج جانبي من عملية استخراج معدن الزنك- هو عنصر قوي وله نفس التكوين البلوري مثل الماس. استخدام الجرمانيوم شبه الموصِّل كان مفتاح تطوير إلكترونيات الحالة الصلبة.
الأشعة فوق البنفسجية القصوى:
لهذه الموجات أطوال موجية أقصر والذي يسمح باستخدام أقنعة لصناعة مكونات أصغر، وتلك مرحلة انتقالية إلى النقش بالأشعة السينيّة والتي لها أطوال موجية أصغر.
الفصل بغرس الأكسجين:
تعمل هذه الطريقة بإنشاء طبقة من أكسيد السليكون بسمك 15 مايكرون والتي تتميز بانعدام الشوائب مع احتفاظها بمعدل الإنتاج العالي.
تعمل هذه الطريقة بالحقن المباشر للأكسجين النقي في شريحة سليكون عند درجات حرارة عالية.
عند انخفاض درجة الحرارة يرتبط الأكسجين بالسليكون مكونًا طبقات رقيقة من أكسيد السليكون.
يسمح أكسيد السليكون هذا بالارتباط المباشر مع بلورة السليكون النقيّة.
- ترجمة: هشام محمد منير.
- تدقيق: صهيب الأغبري.
- تحرير: سهى يازجي.
- المصدر