حين يقدم نجم ما على الاقتراب من ثقب أسود، فإننا على معرفة تامة بما سيحدث. قوى مد وجزر الثقوب السوداء تُمزّق النجم إربًا في حدثٍ يُسمى اضطراب المد والجزر ، ما يطلق العنان أمام دفعة أخيرة من الضوء قبل أن يصل حطام النجم إلى نقطة اللا عودة وراء أفق الحدث.
يصعُب تحديد التفاصيل الدقيقة لحدث الابتلاع هذا. نظريًا، يجب أن يتحد الحطام ويدور في قرص تراكمي فيتهاوى إلى الثقب الأسود، لكن معظم أحداث اضطراب المد والجزر التي رُصدت لا تظهر أي دليل على انبعاث الأشعة السينية التي قد تثبت وجود هذا القرص التراكمي.
قالت عالمة الفلك تيارا هانغ من جامعة كاليفورنيا سانتا كروز: «في النموذج الكلاسيكي، يستمد التوهج الصادر عن اضطراب المد والجزر طاقته من الدوران في قرص تراكمي، مطلقًا أشعة سينية من المناطق الداخلية، حيث يتدفق فيها الغاز الساخن نحو الثقب الأسود».
لكن بالعودة إلى معظم أحداث اضطراب المد والجزر، فإننا لا نشهد انبعاثًا للأشعة السينية (تظهر الأشعة السينية في الأطوال الموجية فوق البنفسجية والبصرية)، لذا قُدِّم نموذج يقترح أنه عوضًا عن رصدنا لقرص دوار تراكمي، نحن نشهد انبعاثات من تصادم تيارات الحطام النجمي».
قادت تلك الاقتراحات علماء الفلك إلى الاعتقاد بأن حدث اضطراب المد والجزر النجمي قصير جدًا، لذا لا يتشكل قرص دوار. لكن بحثًا جديدًا يظهر عكس ذلك، وجد علماء الفلك باستعمال أرصاد بأطوال موجية بصرية وفوق بنفسجية لحدث اضطراب المد والجزر أدلةً تشير إلى ضوء متحرك يُعتقد أنه ناجم عن قرص دوار تراكمي.
قال عالم الفيزياء الفلكية إنريكو راميريز رويز من جامعة كاليفورنيا سانتا كروز: «هذا هو الدليل القاطع الأول على تشكل الأقراص الدوارة التراكمية ضمن هذا الحدث، مع أننا لا نشهد انبعاثًا للأشعة السينية».
وقع حدث الاضطراب هذا في مركز مجرة تسمى 2MASS J10065085+0141342، تقع على بعد 624 مليون سنة ضوئية.
مع قرب نهاية عام 2018، اكتشف علماء الفلك التوهج الذي يشير إلى أن الثقب الأسود الهائل كان يلتهم نجمًا، وبدأ الباحثون بمراقبة تطور الضوء بأطوال موجية متعددة، أطلقوا على حدث اضطراب المد والجزر هذا اسم AT 2018hyz.
تمكّن العلماء لاحقًا من التوصل إلى حسابات تشير إلى أن ثقبًا أسود فائق الكتلة تزيد كتلته عن كتلة الشمس بعدة ملايين المرات قد تسبب في اضطراب النجم. ولكن ظهر شيء آخر في القياسات الطيفية أيضًا، تكرر الوصول إلى الذروة مرتين فيما يُعرف باسم انبعاث متسلسلة بالمر، تنشأ هذه الظاهرة عندما تنتقل الإلكترونات في ذرات الهيدروجين إلى مستوى طاقة أقل.
قال عالم الفيزياء الفلكية الذي رصد الظاهرة الغريبة رايان فولي من جامعة كاليفورنيا سانتا كروز: »أُصبت بالذهول، وعرفت على الفور أن هذا سيكون مثيرًا للاهتمام«، وأضاف: »ما برز هو خط الهيدروجين (طيف الانبعاث من غاز الهيدروجين)، وكان له شكل مزدوج الذروة لم يكن له مثيل في أي حدث اضطراب مد وجزر آخر«.
يفسر العلماء حالة الذروة المزدوجة لانبعاث متسلسلة بالمر في نواة مجرية نشطة بكونها دليل تشكُّل قرص تراكمي، إذ قد تظهر هذه الخطوط في الطيف دليلًا على الحركة في انزياح دوبلر.
تقصر موجات الضوء الصادرة عن جسم ما يتحرك مقتربًا من الأرض وتنزاح نحو اللون الأزرق من الطيف، في ظاهرة انزياح نحو الأزرق، بينما تطول موجات الضوء الصادرة عن جسم يبتعد عن الأرض وتنزاح نحو اللون الأحمر، في ظاهرة انزياح نحو الأحمر، يمكنك رؤية أمثلة على كليهما في الرسم التخطيطي أدناه:
حين ترصد قرصًا دوارًا من زاوية الرصد المناسبة، ستشهد مزيجًا من الانزياحين، انزياح أزرق من الجهة التي تدور مقتربةً منك، وانزياح أحمر من الجهة التي تدور مبتعدةً عنك. يمكن اعتبار وجود الانزياحين دليلًا على الدوران، ويمكن الاستفادة من ذلك لحساب سرعة الدوران.
قال راميريز رويز، الذي شارك عام 2018 في تأليف ورقة بحثية تقدم نموذجًا موحدًا لأحداث اضطراب المد والجزر: «أعتقد أن الحظ قد حالفنا».
وأضاف: «تظهر عمليات المحاكاة التي أجريناها أن ما نرصده حساس للغاية لزاوية الميل، هنالك زاوية ميل لرؤية ميزات الذروة المزدوجة، وزاوية ميل مختلفة لرؤية انبعاثات الأشعة السينية».
مع استمرار AT 2018hyz في التطور على مدار عدة أشهر، استمر الفريق في أخذ ملاحظات متعددة ورصد الأطوال الموجية ومقارنتها بأحداث اضطراب مد وجزر أخرى، بالإضافة إلى إجراء عمليات محاكاة ووضع النماذج.
استنتج الفريق أن كتلة القرص الدوار تتكون من 5% من كتلة النجم الأساسية، وأن القرص تشكّل في وقت قياسي مذهل، إذ تكوّن في غضون شهر واحد فقط.
لا يقف تفسير الفريق أصل القرص على الذروة المزدوجة لانبعاث متسلسلة بالمر فحسب. بشكل مستقل، توصل فريق دولي من الباحثين بقيادة عالم الفلك فيل شورت من جامعة إدنبرة في اسكتلندا إلى النتيجة نفسها.
قُدّمت ورقة بحثية غير خاضعة لمراجعة الأقران إلى الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية، لاحظ شورت وفريقه أن AT 2018hyz هو أول حدث اضطراب مد وجزر يحتوي على خطوط انبعاث ثنائية الذروة واضحة توفر دليلًا قويًا على أن أقراص التراكم تتشكل في بعض أحداث اضطراب المد والجزر على الأقل، وأنها عنصر أساسي للسطوع المرصود.
ومع ذلك لا تزال توجد ألغاز يتعين حلها. لاحظ شورت وفريقه أن حالة الذروة المزدوجة لم تظهر إلا لفترة وجيزة قبل أن تتلاشى، لأسباب مجهولة. وبالإضافة إلى ذلك، لفتت هونغ وفريقها الانتباه إلى عدم وجود حالات من الذروة المزدوجة في الملاحظات المرصودة لأحداث اضطراب المد والجزر الأخرى.
يعتقد كلا الفريقين بأهمية رصد ودراسة أحداث اضطراب المد والجزر مستقبلًا.
اقرأ أيضًا:
هذا ما يحدث عندما يبتلع ثقب أسود نجمًا
وفقًا لعلماء هارفرد قد تخلق إشعاعات من الثقب الأسود حياة! (النواة المجرية النشطة)
ترجمة: حمزة البدارنة
تدقيق: مصطفى شحاتة
مراجعة: آية فحماوي