من المعروف أن كوكب المريخ احتوى محيطات في الأزمنة الغابرة، ويعود ذلك جزئيًا إلى وجود مجال مغناطيسي واق شبيه بالمجال الأرضي.
لكن ذلك المجال اختفى، ويبدو أن الباحثين عرفوا سبب اختفائه.
هيأ الباحثون ظروفًا مشابهة لتلك التي يظنون أنها وُجدت على المريخ قبل مليارات السنين، ووجدوا أن سلوك المعدن المنصهر الذي وُجد حينها أطلق مجالًا مغناطيسيًّا استمر فترةً وجيزة قبل أن يتلاشى.
أسر المريخ خيال الإنسان قرونًا، بسبب أفلام الخيال العلمي، ولإمكانية رؤيته من كوكبنا بالعين المجردة. وكونه أحد أقرب الكواكب إلينا، فقد خضع للدراسة بشتى الوسائل العلمية التي حملتها المسابير الفضائية غير المأهولة التي تجوبه وتستكشفه.
مع هذا، تبقى بعض الأسئلة الجوهرية عن المريخ دون إجابة. ولما كانت الأرض والمريخ والكواكب القريبة ناشئة من المواد الكونية عينها، فقد تعطينا تلك الأسئلة فكرةً عن ماضي الأرض ومستقبلها.
لدينا الآن بعض الإجابات المهمة، إذ نعرف أن العديد من الخواص المرئية للمريخ تدل على احتوائه محيطات ومجالًا مغناطيسيًّا في الماضي. لكن سؤالًا ظل يؤرق البروفيسور كاي هايروز من قسم علوم الأرض والكواكب في جامعة طوكيو: من المؤكد أن حقلًا مغناطيسيًّا قد وُجد حول المريخ، فلماذا وُجد أساسًا؟ ولماذا اختفى بعد فترة وجيزة؟
للإجابة عن هذا السؤال، استخدم فريق الباحثين بقيادة طالب الدكتوراه شونبي يوكو طريقةً مبتكرة لاختبار شيء بعيد عنّا في المكان والزمان.
يقول هايروز: «تحفز المعادن المصهورة في نواة الأرض تيارات الحمل الحراري الهائلة، التي تحرض المجال المغناطيسي الأرضي. ونظن أن المجالات المغناطيسية للكواكب الأخرى نشأت بالطريقة ذاتها. مع أن التركيبة الداخلية للمريخ غير معروفة حتى الآن، تدل الشواهد النيزكية على أنها مكونة من الحديد المصهور الغني بالكبريت. وتخبرنا القراءات الزلزالية لمسبار «إنسايت» أن نواة المريخ أكبر وأقل كثافة مما اعتقدنا. تدل هذه المعطيات على وجود عناصر أخف، مثل الهيدروجين. استنادًا إلى هذه التفاصيل، يمكننا إعداد سبائك تماثل تركيب النواة، لنخضعها للتجارب».
تضمنت التجارب الألماس والليزر، إضافةً إلى عينة من مادة تحتوي خليطًا من الحديد والكبريت والهيدروجين، وهي المواد التي يتوقع الفريق أنها كونت نواة المريخ. ثم وضعوا هذه العينة بين ألماستين، وطبقوا عليها ضغطًا مع تسخينها بليزر الأشعة تحت الحمراء، لمحاكاة الضغط والحرارة في نواة المريخ تقريبيًا. سمحت مراقبة العينة بالأشعة السينية وحزم الإلكترون بتصوير ما كان يحدث في أثناء الصهر تحت الضغط، ومتابعة التغيرات الحاصلة.
يقول هايروز: «لاحظنا سلوكًا مفاجئًا قد يفسر الكثير. فالخليط الذي كان متجانسًا في البداية، انفصل إلى سائلين متمايزين بدرجة من التعقيد لم تسبق رؤيتها تحت ضغط مماثل. كان أحد السائلين غنيًّا بالكبريت، في حين كان الآخر غنيًّا بالهيدروجين، ما قد يمثل مفتاحًا لتفسير نشوء المجال المغناطيسي حول المريخ، وزواله لاحقًا».
طفا الحديد المصهور الغني بالهيدروجين فوق الآخر الغني بالكبريت، كون الأول أقل كثافة، ما سبب تيارات حمل حراري مشابهة لتلك الموجودة في الأرض. حرضت هذه التيارات مجالًا مغناطيسيًّا احتفظ بالهيدروجين في الغلاف الجوي للمريخ، ما سمح بتشكل الماء السائل.
لكن ذلك لم يدُم طويلًا. فعلى عكس تيارات الحمل الحراري الأرضية المستمرة، ما إن انفصل السائلان المريخيان تمامًا، تلاشت التيارات المحرضة للمجال المغناطيسي، فعصفت الرياح الشمسية بالهيدروجين الموجود في الغلاف الجوي للمريخ، ما سبب تحطم جزيئات بخار الماء، وتبخر المحيطات المريخية في النهاية. حدث ذلك قبل أربعة مليارات سنة.
قال هايروز: «نأمل أن تؤكد الدراسات الزلزالية القادمة للمريخ أن النواة تتكون من طبقات متمايزة كما نتوقع. سيساعدنا ذلك على استكمال تفسير كيفية نشوء الكواكب الصخرية ومنها الأرض، وفهم تركيبها. ربما قد تفكرون أن الأرض قد تفقد مجالها المغناطيسي أيضًا، لكن لا داعي للقلق، فلن يحدث هذا قبل مليار عام».
اقرأ أيضًا:
الميكروبات قد تساعدنا في صنع وقود الصواريخ على سطح المريخ
مسبار ناسا على سطح المريخ يعثر على جزيئات عضوية غير معروفة سابقًا
ترجمة: إيهاب عيسى
تدقيق: أحمد فواز