منذُ ما يقارب 15 ألف سنة على الأقل، أصبحت الكلاب أفضل أصدقاء للبشر؛ بينما بدأنا نخرج للتنزه بصحبتهم منذ ما يقارب نصف هذه المدة.
والآن لدينا فكرة أفضل حول ما يدور داخل رؤوسهم اللطيفة والغامضة.
أظهرت دراسة جديدة لفاعلية جينات الغدة النخامية للثعالب أنَّ مستويات (هرمون التوتر-Stress Hormon) المعروف أقل عند الكلاب من أقاربهم البرية، مما يجعلهم أقل برودةً واسترخاءً.
«أظهرت دراسة أخرى العلاقة بين الترويض وردود الفعل المتوتِّرة للحيوانات».
تقول الكاتبة الأساسية لهذه الدراسة جيسيكا هيكمان الحائزة على الدكتوراه من جامعة إلينوي: «يرتبط الانخفاض المميز في خوف الحيوانات المستأنسة ارتباطًا وثيقًا بانخفاض مستوى الهرمون الموجه لقشر الكظر (ACTH)، وهو هرمون تطلقه النخامة الأمامية ويحفز الاستجابة للتوتر وأمور أخرى».
لم يقم الباحثون بتخطيط تغيرات نشاط السبيل الرابط للغدة النخامية مع المهاد والغدة الكظرية لأن هذا الأمر واضح جليًا.
ولفهم أوضح حول ما يجري على المستوى الجيني، قامت هيكمان وفريقها بدراسة قريب الكلب (الثعلب) وأبحاث وراثية حول جذوره تعود للحقبة السوفيتية.
لأكثر من نصف قرن قام معهد علم الخلايا والوراثة في نوفوسيبيرسك، روسيا بتربية الثعالب لمعرفة كيف تصبح هذه الحيوانات البرية أليفة.
أصل هذا المشروع يعود إلى عالم روسي يدعى ديميتري بيلييف والذي سعى لشرح تأثير الوراثة في تطور الكلاب الحديثة.
ترك بيلييف وراءه إرث من أبحاث حول المنك (ثعلب الماء) والقاقوم (من فصيلة بني عرس) والجرذان.
والتي تم اختيارها بشكل مصطنع لتجسيد تطورها.
وقامت هيكمان ومشرفتها في علوم الحيوان آنا كوكيكوفا أيضًا بمقارنة نشاط الجينات في الغدة النخامية لست ثعالب مُروضة مع ست ثعالب برية عدوانية.
أظهرت دراسة سابقة أنه بينما يقل مستوى هرومون ACTH في دم الثعالب المروضة بالمقارنة مع أبناء عمِّها الأقل أُلفة؛ فإنّه لا توجد فروقات بمستوى هذا الهرمون في الغدة النخامية.
وهذا يعني بحسب كوكيكوفا «أن اختلاف التعبير الوراثي للجين المرمز لهرمون ACTH قد لا يسبب فروقات في مستوى الهرمون في دم هذه الثعالب؛ بل تتدخّل بعض الآليات الأخرى في تقليل مستوى الهرمون في دم الثعالب المروضة».
ما حدث فعلًا أنّ اختلاف التعبير الجيني يتحكم بأشكال خلايا هذه الغدة.
بمعنى آخر، بينما لا يوجد فرق بإنتاج ACTH بحد ذاته في كلا سلسلتي (فصيلتي) الثعالب، لكن خلايا الطرق الناقلة في غددهم النخامية هي من يحدد تحرير هذا الهرمون.
تقول هيكمان: «ربما تنتج غددهم النخامية نفس كمية هرمون التوتر لكن إفراز هذا الهرمون في تيار الدم عند البعض أقل فاعليّة».
لنكن واضحين، لم تُحوِّل سمة واحدة فقط أسلاف الكلاب الحديثة من حيوانات مفترسة خطِرة إلى أصدقاء محبوبين.
فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة حديثة أخرى عن تغير كروموزومي ساهم في جعل الكلاب ودودة أكثر، وهو تَحول يقابل اضطراب وراثي عند البشر يتمثل في الإفراط في الحياة الاجتماعية أو مخالطة الناس.
لهذا؛ فقد حَوَّلت مجموعة كبيرة من التغيُّرات الصغيرة على مدى آلاف السنين هذه الذئاب المعروفة إلى مجموعات واسعة من الكلاب اللطيفة ذات الأنوف الصغيرة والآذان المتدلية؛ نستمتع بملاطفتهم طوال اليوم.
باعتراف الجميع، لم تكن هذه التغيرات انتصارات كبيرة للكلاب، حيث أظهرت الأبحاث أن الكلاب ضَّحت بذكائها في مرحلة التهجين هذه.
لكن التعاون مع البشر يستحق هذه الرحلة الطويلة، لذلك فإن خسارة عدد قليل من نقاط الذكاء بجانب القدرة على التخلص من التوتر لا يعتبر خسارة كبيرة.
- ترجمة: محمد يحيى حسين.
- تدقيق: حسام التهامي.
- تحرير: سهى يازجي.
- المصدر