على بُعد ضعفين إلى ثلاثة أضعاف المسافة بين الأرض والشمس، تحديدًا في حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري، يدور سايكي 16. يُعد هذا الكويكب المعدني العملاق أحد أضخم الأجسام في حزام الكويكبات ، ويُصنف كوكبًا صغيرًا.
يعتقد علماء الفلك أن سايكي 16 نواة مكشوفة لكوكب لم يرَ النور، أي أنه نواة لكوكب لم يستكمل مراحل تشكُّله نتيجةً لعوامل كالاصطدامات وغيرها. سترسل وكالة ناسا مسبارًا لدراسته في غضون سنوات، حتى موعد الإطلاق، يعمل العلماء على استخلاص المعلومات الممكنة من الأرض.
الآن وللمرة الأولى، أجريت دراسات على سايكي 16 في الأطوال الموجية فوق البنفسجية باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، وكشفت حسب المتوقع أن هذا الكويكب معدني، عالي الكثافة بدرجة لافتة للنظر.
قالت عالمة الكواكب تريسي بيكر من مؤسسة ساوث وست: «رصدنا نيازك معظمها من المعدن، لكن سايكي 16 فريد من نوعه، إذ يتكون بالكامل من الحديد والنيكل. إن للأرض نواة معدنية ووشاح وقشرة، من المرجح أن الكوكب سايكي في بدايات تكوّنه، اصطدم بجسم آخر في نظامنا الشمسي ففقد وشاحه وقشرته».
يُعد سايكي 16 قطعةً فريدة من الصخور، يبلغ عرضها قرابة 226 كيلومترًا، وتقل كثافتها عن كثافة الأرض قليلًا. يبدو أن تركيبه معدني بنسبة 30-60%، والباقي سيليكات منخفضة الحديد.
إن كان سايكي 16 نواة كوكب أولية، فيُحتمل أن عدة عوامل جردته من مواده المتراكمة. يُعتقد أن الكواكب تتكون عندما تكون نجومها يافعة وتحيط بها سحابة كثيفة من الغبار والغاز، تبدأ المواد الموجودة في هذه السحابة بالتجمع، كهروستاتيكيًا أولًا، ثم جذبويًا مع زيادة كتلة الجسم.
مع نمو هذه الأجسام، تصبح ساخنة وذائبة بعض الشيء، ما يسمح للمواد بالحركة. في عملية تعرف باسم تمايز النواة، تهبط المادة الأكثف للداخل تجاه نواة الجسم، في حين ترتفع المادة الأقل كثافة إلى الخارج. كي يعد سايكي 16 نواةً متمايزة، كان يجب أن يكون الكوكب الأولي في مرحلة ما أكبر كثيرًا مما هو عليه الآن.
لا يزال السؤال حول متى وكيف جُرد من وشاحه الخارجي بالضبط غامضًا، لكن قد يكون بحث فريق بيكر حجر الأساس للإجابة عن هذه الأسئلة.
قالت بيكر: «تمكنّا لأول مرة من تحديد ما نعتقد أنه نطاق امتصاص فوق بنفسجي لأكسيد الحديد على كويكب ما، هذا مؤشر على حدوث الأكسدة على الكويكب، التي ربما تكون نتيجةً للرياح الشمسية التي تضرب السطح».
بمعنى آخر، يتعرض سايكي 16 للصدأ، وسنتمكن من تحديد عمر سطحه بناءً على درجة الأكسدة الحادثة، ما سيمدنا بجدولٍ زمني يشير إلى وقت تجريد الكويكب من مواده الخارجية.
تشير الانعكاسية العالية للكويكب في الأطوال الموجية فوق البنفسجية إلى مضي وقت طويل على أكسدته. عادةً يرتبط سطوع الأشعة فوق البنفسجية بالتجوية الفضائية، أي الظروف القاسية التي يتعرض لها أي جرم بسبب البيئة الفضائية القاسية، لكننا لن نتيقن من ذلك حتى يبلغ مسبار سايكي التابع لوكالة ناسا الكويكب سنة 2026.
يحرص العلماء أيضًا على فحص تكوين سايكي 16 من كثب. يوجد نطاق واسع من المعدن بين 30 و60%، ما صعّب تعقب القطع الأصغر من الصخور التي قد تكون شظايا من وشاح سايكي 16.
اعتُقد سابقًا أن النيازك المعدنية القريبة هي بقايا من سايكي 16، لكن الأبحاث الجديدة لا ترجح الارتباط بينها.
كشفت بيكر وفريقها عن طيف يتوافق مع الحديد النقي، لكن قد يكون ذلك مضللًا، إذ قد يسيطر 10% من الحديد على السطح على نتائج الطيف فوق البنفسجي. يوجد أيضًا عدد قليل جدًا من القياسات المماثلة لأسطح الكواكب في الأشعة فوق البنفسجية لمقارنتها بالقياسات الجديدة لسايكي 16.
لذلك، يجب علينا الذهاب والتحقق من ذلك باستخدام مسبار مداري، ما سيبين مدى نجاحنا في محاولة فهم هذا الجسم الغريب على بعد مئات الملايين من الكيلومترات. مهما كانت النتيجة، سيكون الأمر مثل النظر إلى كبسولة زمنية للنظام الشمسي.
قالت بيكر: «ما يجعل سايكي 16 والكويكبات الأخرى مثيرة للاهتمام هو أنها تعد اللبنات الأساسية للنظام الشمسي. أن نفهم مكونات الكوكب وما بداخله أمر رائع، فور الوصول إلى سايكي، سنعرف هل كان الأمر مثلما توقعنا أم لا؟ وإن لم يكن كذلك، فستحمل لنا المفاجآت المزيد من الإثارة».
اقرأ أيضًا:
كل ما عليك معرفته عن الكويكبات
رجمة: حمزة البدارنة
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين
