من المعروف أن هناك كمية هائلة من الصخور والمواد الأخرى حول نظامنا الشمسي كالكويكبات والمذنبات التي تندفع نحو كوكب الأرض مهددة أمنه، فإذا صُدف وأن جاء أحد هذه الكويكبات نحونا، فهل يمكن منع الاصطدام بين هذا الكويكب وكوكب الأرض؟ في أغلب الأحيان نعم، ولكن يوجد نوع واحد من الكويكبات التي يصعب تدميرها، وقد تُشكل خطرًا على كوكب الأرض.
تُعرف الكويكبات بأنها قطع من الحطام الصخري أو بقايا من صخور كبيرة انفجرت في نظامنا الشمسي، وتُعد دراسة هذه الكويكبات وخصائصها الفيزيائية أمرًا مهمًا للعلماء والفلكيين، إذ تقدم أدلة ومعلومات بشأن التاريخ القديم للنظام الشمسي، ويمكن أيضًا تحديد حجم التهديدات التي تشكلها هذه الكويكبات على كوكب الأرض.
اكتُشف مؤخرًا نوع جديد من الكويكبات ذو مقاومة عالية للغاية، ويصعب تدميره بالتصادم مثل بقية أنواع الكويكبات. وعامةً فإن الكويكبات تنقسم إلى نوعين رئيسين:
النوع الأول هو الكويكبات الأحادية، وهي كتل أحادية مصنوعة من قطعة صلبة واحدة من الصخور، ويُرجح أن يكون عمر الكويكبات التي يبلغ قطرها نحو كيلومتر واحد ملايين السنين، وهذا ليس عمرًا طويلًا على الإطلاق مقارنةً بعمر نظامنا الشمسي.
النوع الثاني مجموعة من الكويكبات (ثنائية أو أكثر)، وهي كويكبات تتألف من مجموعة كبيرة من الشظايا الناتجة عن التدمير الكامل أو الجزئي لكويكبات متجانسة كانت موجودة سابقًا.
عام 2022، قامت بعثة DART التابعة لوكالة ناسا الأمريكية باختبار إعادة توجيه كويكب مزدوج، وكان الهدف من المهمة هو اختبار: هل يمكن حرف كويكب عن مساره بالاصطدام بمركبة فضائية صغيرة أو لا؟ وبالفعل تم الاصطدام وانحرف الكويكب وقد كان ذلك نجاحًا كبيرًا للبعثة.
أظهرت جميع الصور القريبة التي التقطتها البعثات التي قامت بها كلٌ من وكالة ناسا الأميركية ووكالة جاكسا اليابانية أن جميع الكويكبات مجرد مجموعة أو كومة من الحطام.
أظهرت هذه البعثات أيضًا أن لهذه الكويكبات كثافة منخفضة بسبب تركيبها المسامي، وأكدت هذه البعثات أن عدد هذه الكويكبات كبير للغاية، ولأنها أجزاء محطمة من كويكبات أخرى متجانسة فهي صغيرةٌ نسيبًا، فيصعب رصدها من كوكب الأرض، ولهذا فإن هذه الكويكبات الصغيرة تُشكل تهديدًا كبيرًا للأرض، وهذا ما يحفز العلماء والباحثين لدراستها وفهمها على نحو أفضل.
في عام 2010، عادت المركبة الفضائية هايابوسا من كويكب إيتوكاوا الذي يشبه الفول السوداني، ويبلغ طول هذا الكويكب 535 مترًا، وقد جمع المسبار أكثر من ألف عينة من الصخور، كلٌ منها أصغر من حبة الرمل.
خلال رحلة هايابوسا إلى كويكب إيتوكاوا، التُقطت العديد من الصور في أثناء الدوران حول الكويكب، وأظهرت الصور لاحقًا وجود مجموعة كبيرة من أنقاض الكويكبات التي تحوم في الفضاء الخارجي.
أظهرت النتائج الأولية التي توصل إليها الفريق العلمي في وكالة جاكسا اليابانية، الذي حلّل العينات التي عادت بها مركبة هايابوسا إلى الأرض، أن كويكب إيتوكاوا تشكّل بعد التدمير الكامل لكويكب أصلي لا يقل طول قطره عن 20 كيلومترًا.
حُللت هذه الجسيمات العائدة من كويكب إيتوكاوا باستخدام تقنيتين، التقنية الأولى التي تطلق شعاع إلكترون على الجسيم وتكتشف الإلكترونات التي تنتشر مرة أخرى. وهي تقنية تخبرنا: هل الكويكب قد صدمه نيزك أم لا؟
أما التقنية الثانية، فتسمى تأريخ أرجون-أرجون التي تستخدم شعاع ليزر لقياس كمية الاضمحلال الإشعاعي الذي حدث في البلورة. وهي تقنية تخبرنا عن عمر اصطدام النيزك بهذه الصخور.
بينت نتيجة هذه التقنيتين أن دمار الكويكب الأم للكويكب إيتوكاوا ثم تشكّل كويكب إيتوكاوا حدث من 4.2 مليار سنة تقريبًا، وهو تقريبًا بعمر النظام الشمسي.
كانت النتيجة الأخيرة غير متوقعة أبدًا؛ لأنه من النادر جدًا أن يصمد كويكب صغير طوال هذه المدة دون أن يتحطم، ويعود سبب هذه الفترة الطويلة جدًا إلى طبيعة الكويكب الممتصة للصدمات، وذلك بسبب تركيبه المسامي، إذ تُشكل المسامات (الفراغات) 40% من بنية كويكب إيتوكاوا.
تساعد هذه الفراغات في بنية الكويكب على بقائه صامدًا، إذ إن الاصطدامات التي يتلقاها الكويكب سوف تسحق الفراغات بدلًا من تدمير البنية الصخرية نفسها. ولهذا يُطلق على كويكب إيتوكاوا الوسادة الفضائية العملاقة.
تُعد هذه الدراسات والمعلومات مهمة للغاية لمنع أي اصطدام محتمل للكويكبات بالأرض، وهذا ما توصلت إليه بعثة DART التي نجحت في حرف الكويكب عن مساره باصطدامه بمركبة فضائية صغيرة، أي أن الطاقة الحركية بين المركبة والكويكب ضئيلة جدًا، ويدل ذلك على أن الكويكب قابل للانهيار عند اصطدامه بقوة كبيرة للغاية.
تُشكل الكويكبات تهديدًا محتملًا للأرض وسكانها، وستواجه الكويكبات مقاومة قوية في حال اقترابها نحو الأرض، فمثلًا، قد نحتاج إلى استخدام موجة الصدمة الناتجة عن الانفجار النووي في الفضاء؛ لأن الانفجارات الكبيرة ستكون قادرة على نقل طاقة حركية أكبر بكثير إلى الكويكب، ومن ثمّ دفعه بعيدًا عن كوكب الأرض.
اقرأ أيضًا:
باحثون رصدوا ثقوبًا سوداء تتغذى على السحابات الغازية المنتشرة في المجرات
ناسا تكتشف كوكبًا خارجيًا صخريًا شبيهًا بالأرض موجودًا في المنطقة الصالحة للحياة الخاصة بنجمه
ترجمة: يزن دريوس
تدقيق: هادية أحمد زكي