يُعد كوكب (GJ 1132 b) أحد أكثر الكواكب الخارجية -أي الواقعة خارج نظامنا الشمسي- إثارة في درب التبانة، وبعد خمس سنوات من اكتشافه أصبح أكثر إثارة، إذ يبدو أنه فقد غلافه الجوي ثم صنع واحدًا جديدًا!
للمرة الأولى نتعرف على كوكب خارجي نجح نجاحًا ملحوظًا في إصلاح غلافه الجوي بواسطة النشاط البركاني.
سمح هذا للعلماء بدراسة التكوين الصهاري للكوكب بدراسة غلافه الجوي، وأظهر ذلك إمكانية وجود عدة كواكب خارجية من هذا النوع، الذي يمتلك أغلفة جوية قد نتمكن من استكشافها.
قالت عالمة الفلك ريسا إستريلا من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا في باسادينا، كاليفورنيا: «إنه أمر مثير جدًا، لأننا نعتقد أن الغلاف الجوي الذي نراه الآن قد تجدد، لذلك قد يكون غلافًا جويًا ثانويًا. ظننا في البداية أن هذه الكواكب المشعة قد تكون مملة للغاية لأنها تفقد غلافها الجوي، لكن بالنظر إلى الملاحظات الحالية لهذا الكوكب بواسطة هابل، تبين وجود غلاف جوي».
شكّل (GJ 1132 b) لغزًا للعلماء، إذ سبّب الإعلان عن اكتشافه في 2015 الكثير من الضجة، فهو كوكب صخري، تبلغ كتلته 1.66 ضعف كتلة الأرض، ويبلغ حجمه 1.16 ضعف حجم الأرض، ويبعد 41 سنة ضوئية فقط. افترض العلماء أن دراسته قد تساعدنا على فهم الكواكب الصخرية في نظامنا الشمسي -كالأرض والزهرة والمريخ- بطريقة أفضل.
لكن لهذا الكوكب اختلافات مهمة، فهو يدور حول نفسه أسرع 1.6 ضعف من اليوم الأرضي، ويدور حول نجمه المضيف (GJ 1132)، وهو قزم أحمر أبرد من الشمس وأعتم منها، لكن حرارته لا تزال مرتفعة إذ تبلغ 257 درجة مئوية، ويؤثر بإشعاعه النجمي في الكوكب (GJ 1132 b) بنحو 19 ضعف الإشعاع النجمي الذي تتلقاه الأرض من الشمس.
يبدو أن (GJ 1132 b) بدأ بطريقة مختلفة جدًا عن الأرض والمريخ والزهرة، إذ بدأ مثل نبتون صغير -أصغر من نبتون لكن أكبر من الأرض- وبقي لبه الصخري بعد تبخر غلافه الجوي الأصلي من الهيدروجين، بسبب الإشعاع النجمي، فتسرب بعيدًا خلال بضع مئات الملايين من السنين، من أصل 5 مليارات سنة هي عمره.
استخدم علماء الفلك التلسكوب (MPG/ESO) في تشيلي لمراقبة هذا الكوكب وهو يمر بيننا وبين نجمه. يسبب هذا العبور عادةً انخفاضا خافتًا في ضوء النجم، وإذا كان للكوكب غلاف جوي، فقد تُمتَص أو تنبعث بعض الأطوال الموجية للضوء من ذرات الغلاف الجوي، ما يكشف وجود عناصر مختلفة.
وفقًا لبيانات التلسكوب، يمتلك (GJ 1132 b) بالفعل غلافًا جويًا، ويبدو أنه غني بالهيدروجين، وهو ما يتفق مع سيناريو نبتون الصغير. أما الآن، فإن النظر من كثب باستخدام تلسكوب هابل الفضائي قد غير هذه الفكرة تمامًا.
كشفت بيانات هابل أن الغلاف الجوي للكوكب لا يتكون من الهيدروجين ببساطة، بل هو مزيج معقد من الهيدروجين وسيانيد الهيدروجين والميثان والأمونيا، مع ضباب هيدروكربوني سميك يشبه الضباب الدخاني الأرضي.
يشبه الضغط الجوي على سطح الكوكب الضغط الجوي للأرض، وهذا غريب لأن هذا الغلاف الجوي لا يزال يتسرب إلى الفضاء.
لجأ الفريق إلى النمذجة الحاسوبية لمعرفة ما يجري، والتفسير الأكثر احتمالًا أن الصهارة التي غطت الكوكب امتصت غلافه الجوي الهيدروجيني الأصلي عندما كان لا يزال شابًا.
مع أن سطح الكوكب قد برد الآن، فإن داخله ما زال دافئًا ونشطًا، بفعل تفاعلات الجاذبية مع النجم، فيطلق النشاط البركاني الهيدروجين وعناصر أخرى تشكل غلافًا جويًا جديدًا. وبينما يتسرب الغلاف الجوي، يتجدد بالهيدروجين المُخزن في طبقة الوشاح.
يفسر ذلك وجود كواكب كثيرة مثل نبتون صغير، ويعني أن الحياة قد تبدأ بكوكب مثل نبتون صغير قبل أن تنشأ عوالم مثل الأرض والزهرة والمريخ، أي امتلاك صخور ونشاط بركاني -على الأقل في فترة معينة- وغلاف جوي.
قال الباحث الرئيس الفلكي مارك سوين: «كم عدد الكواكب الشبيهة بالأرض التي تبدأ بصورة مختلفة؟ بعضها قد يبدأ مثل نبتون صغير، وتصبح شبيهة بالأرض بواسطة آلية تعمل على تبخير الغلاف الجوي الأولي، وتنجح هذه العملية في وقت مبكر من حياة الكوكب، إذ يكون النجم أسخن، ثم يبرد النجم، في حين يمتلك الكوكب آلية تمكّنه من تشكيل غلاف جوي خلال 100 مليون سنة، ثم تستقر الأمور، وإذا أمكن تجديد الغلاف الجوي، ربما يمكن الحفاظ عليه».
هذه الاكتشافات مثيرة للاهتمام بذاتها، لأنه مع محدودية الملاحظات التي تمكّنا من الحصول عليها، يكشف تكوين الغلاف الجوي لكوكب (GJ 1132 b) العمليات الجيولوجية في المناطق الداخلية من كوكب خارجي يبعد 41 سنة ضوئية، وهو أمر غريب، لكنه يشير إلى أننا قد نتمكن من تعلم المزيد عندما تنطلق أجهزة الجيل القادم مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
قال الفلكي بول ريمر من جامعة كامبريدج: «يأتي الغلاف الجوي الثاني من سطح الكوكب وباطنه، وهو بذلك نافذة على جيولوجيا عالم آخر. أمامنا الكثير من العمل لنتمكن من اكتشاف المزيد من الأسرار، لكن هذا الاكتشاف ذاته بالغ الأهمية».
اقرأ أيضًا:
تلسكوبات ناسا تكتشف الغلاف الجوي الغريب لكوكب خارج المجموعة الشمسية
اكتشاف بخار ماء في الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية
ترجمة: محمد أيمن زيدان
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين