تستمر الدلائل على أن الجنس الذكري أكثر عرضة للإصابة الشديدة بمرض كوفيد-19 والوفاة منه، وقد لوحظت زيادة نسبة وفيات الذكور بكوفيد-19 تقريبًا في جميع البلدان التي تتوفر فيها بيانات مصنفة حسب الجنس، وكان خطر وفاة المرضى الذكور أعلى بنحو 1.7 مرة من المرضى الإناث.
ترتبط الشيخوخة ارتباطًا وثيقًا بارتفاع مخاطر الوفاة بهذا المرض عند الذكور والإناث، ولكن خطر الوفاة عند الذكور في الأعمار فوق الـ 30 عامًا أعلى بكثير، ما يجعلهم الفئة الأضعف.
ترتبط الفروق بين الجنسين بالاختلافات في أدوار الجنسين الاجتماعية والعوامل السلوكية التي تؤثر أيضًا في احتمالية الإصابة بكوفيد-19 وحالة المريض بعد الإصابة، ويُحتمل أن تكون هنالك آلية بيولوجية تؤثر في إصابة الذكور بكوفيد-19، خصوصًا فيما يتعلق بالاستجابة المناعية.
تتجاوز الاختلافات بين الجنسين الأعضاء التناسلية وتمتد إلى الأنظمة البيولوجية متضمنة جهاز المناعة، إذ تؤدي الإصابة بالأمراض إلى استجابات مناعية متباينة ونتائج مرضية مختلفة، وغالبًا ما تكون الاستجابات المناعية عند الذكور -سواءً لدى البشر أو الحيوانات- أقل، وفرص إصابتهم بالعدوى أعلى.
وبينما تكون الحمولات الفيروسية لدى الذكور أعلى في التهاب الكبد B ونقص المناعة، تستجيب أجسام الإناث استجابة مناعية أقوى للقاحات.
تبدأ الاستجابة الفيزيولوجية للعدوى بالفيروس عندما يكشف الجسم عن تكاثر الفيروس من طريق مستقبلات التعرف على الأنماط، ويؤدي هذا إلى استجابة الخلايا المصابة بآليتين مختلفتين:
الأولى، هي آليات الدفاع الخلوية المضادة للفيروسات، والوسيط فيها هو النوع الأول والنوع الثالث من الإنترفيرونات (IFNs)، للتقليل من تكاثر الفيروس وانتشاره. والثانية، هي إنتاج السيتوكينات والكيموكينات لتنشيط الخلايا المناعية وتنظيمها مثل كريات الدم البيضاء الوحيدات والعدلات، التي تستطيع البلعمة وقتل الخلايا المصابة.
يتميز كوفيد-19 باستجابات مناعية (سيتوكينات وكيموكينات) خلوية فطرية قوية، رغم الدفاع الضعيف غير المتناسب للإنترفيرونات ضد الفيروسات.
تظهر لدى المصابين بكوفيد-19 الذين يعانون أعراضًا شديدة تراكيز عالية من السيتوكينات والكيموكينات الالتهابية في المصل، وخصوصًا تراكيز عالية من إنترلوكين-6 (IL-6) والسيتوكينات المرتبطة بالالتهاب (IL-1β) و(IL-18).
يرتبط الالتهاب الجهازي المتفاقم بالإصابة بأمراض رئوية واسعة النطاق، ويشمل تسلل أعداد هائلة من الحيدات والعدلات. ترتبط زيادة العدلات بالحالة السريرية السيئة للمريض، وقد يكون التنشيط القوي لهذه السيتوكينات والخلايا الالتهابية استجابة تعويضية لقدرة الفيروس التاجي للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2 (سارس- كوف-2) على التهرب من استجابات الإنترفيرون، ما يتطلب مشاركة آليات الدفاع المستقلة عن الإنترفيرونات.
تزداد تراكيز العديد من السيتوكينات والكيموكينات المناعية الفطرية في البلازما، مثل (IL-8) و (IL-18)، عند الذكور مقارنة بالإناث في الطور الباكر من كوفيد-19، وعلى النقيض تكون تراكيز الإنترفيرونات من النوع الأول (IFNα) أعلى في البلازما عند الإناث في أثناء المرض. تجدر الإشارة إلى أنه أُبلغ عن وجود الأضداد الذاتية التي تمنع إشارات الإنترفيرونات من النوع الأول في مجموعة فرعية من المرضى المصابين بأمراض خطيرة، معظمهم (94%) من الذكور الأكبر سنًا. في المقابل، تتنشط الخلايا التائية في الطور الباكر من عدوى السارس-كوف-2 حتى لدى المرضى الإناث الأكبر سنًا، في حين ينخفض عدد هذه الخلايا انخفاضًا كبيرًا لدى المرضى الذكور مع التقدم في العمر، وتكون نتائج الإصابة بالمرض عند هؤلاء (الذكور ممن لديهم عدد قليل من الخلايا تائية في الطور الأول من المرض) أسوأ بكثير من الإناث.
ما هي الآليات المحتملة لهذا الازدواج الجنسي؟
أحد العوامل المسؤولة هي الصبغيات الجنسية، إذ تُرمز أعداد كبيرة من المورثات الهامة ذات الصلة بالمناعة على الصبغي X. ومع أنه عادة ما تُعطَّل إحدى النسختين منه جينيًا لدى الإناث [تعطيل الصبغي X((XCI]، فإن بعض المورثات المعينة المرتبطة بالمناعة -متضمنةً الخلايا التغصنية البلازمية والمستقبلات الشبيهة بالتول 7 [TLR7]- تستطيع الهروب من XCI (بنسبة معينة من الخلايا)، إذ ينشط استشعار الحمض النووي الريبي الفيروسي إنتاج إنترفيرونات قوية من النوع الأول في منتجها الرئيسي، ويؤدي هذا إلى ارتفاع التعبير الإجمالي لبعض المورثات المرتبطة بالمناعة لدى الإناث.
وأفيد أن الخلايا التغصنية البلازمية البشرية لدى الإناث لديها تعبير أعلى للعامل الإنترفيروني التنظيمي الخامس (IRF5)، ما يؤدي إلى استجابات أقوى من النوع الأول من الإنترفيرونات.
يؤثر نوع الجنس تأثيرًا كبيرًا في نسخ الخلية المناعية، إذ تتأثر الخلايا المناعية وحتى الجهاز المناعي بالعمر على نحو متفاوت بين الجنسين، وتؤدي الشيخوخة إلى انخفاض في نسبة الخلايا التائية الأولية، الأمر الذي يظهر أكثر لدى الذكور. وتنخفض الخلايا البائية بعد سن الـ 65 عامًا عند الذكور فقط وتُلاحَظ أيضًا تغييرات مفاجئة وجذرية في المشهد فوق الجيني لخلاياهم المناعية لمن عمرهم بين 62 و64 سنة.
بعد ذلك يُظهر الذكور نمطًا ظاهريًا متسارعًا للتطور المناعي يتميز بتعبير جيني فطري التهابي معزز وتعبير جيني أقل يرتبطان بالمناعة التكيفية، التي قد تجعل الذكور الأكبر سنًا أكثر عرضة لفرط الالتهاب وضعف الاستجابات المناعية التكيفية. على النقيض، تحدث تغيرات كبيرة في المشهد فوق الجيني للخلايا المناعية لدى الإناث بعد 5 إلى 6 سنوات من حدوثها عند الذكور.
من الملاحَظ أيضًا أن الإناث عمومًا تستجيب على نحو أكثر وضوحًا للسيتوكينات في حالات العدوى الفيروسية، مع أن هذا ليس هو الحال مع مرض كوفيد-19.
أما تراكيز السيتوكينات الفطرية المسببة للالتهاب في البلازما عند الذكور مثل (IL-8) و(IL-18) تكون أعلى، وقد يكون هذا هو السبب في أن المرضى الذين يعانون أمراضًا شديدة هم أكبر سنًا في العموم. تظهر الخلفية الانتساخية وفوق الجينية للخلايا المناعية لدى هؤلاء الأفراد الأكبر سنًا على نحو أكثر وضوحًا في سياق عدوى السارس- كوفيد-2.
من العوامل البيولوجية الهامة الأخرى:
الهرمونات الجنسية، إذ لوحظ في نموذج للفئران المصابة بالسارس-كوف-2 ارتفاع معدل الوفيات عند ذكور الفئران، ويعزى ذلك إلى الأدوار الوقائية لهرمون الإستروجين الجنسي الأنثوي. وقد أظهرت الدراسات التي تستخدم أنواعًا مختلفة من الخلايا والنماذج الحيوانية أن التأثير هو التعبير عن الإنزيم المحول للأنجيوتنسين2 (ACE2)، إذ تُعدَّل مستقبلات دخول الخلية المضيفة للسارس- كوف2- بواسطة هرمون الإستروجين، ويحدث هذا على الأرجح عبر تنظيم النسخ عبر إشارات على مستقبلات هرمون الإستروجين، هذا مع أن الآليات الجزيئية التفصيلية لم تحدَّد بعد وقد تشمل عواقب تعديل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 نوع الخلية وسياقها. إذ تعبِّر عدة أنواع من الخلايا عن مستقبلات هرمون الإستروجين على نطاق واسع، مثل الخلايا المناعية، ويُعد الإستروجين منظمًا حاسمًا للتعبير الجيني والوظائف في الخلايا المناعية الفطرية، متضمنةً وحيدات النوى والبلاعم والخلايا التغصنية، وكذلك في الخلايا الليمفاوية مثل الخلايا البائية.
قد ثبت أن أحد الأشكال الرئيسية للإستروجين والإستراديول يقلل من إنتاج السيتوكينات الالتهابية الفطرية المفرطة من طريق وحيدات النوى والبلاعم.
انقطاع الطمث هو عامل خطر مستقل للمريضات الإناث، إذ ترتبط تراكيز هرمون إستراديول والهرمون المضاد للمولريان الذي تنتجه الخلايا في تطوير البويضات عكسيًا مع كوفيد-19. بينما أُبلغ عن نجاح علاج تثبيط الأندروجين لسرطان البروستات في تقليل خطر الإصابة بالسارس-كوف-2. وكما في مستقبلات هرمون الإستروجين، يُعبَّر عن مستقبلات الأندروجين على نطاق واسع بين الخلايا المناعية، وتنظيم نسخ الجينات المختلفة، وقد ثبت أن نتيجة إشاراتها مثبطة للمناعة عمومًا.
رغم الفهم الناشئ عن اختلافات الجنس في الاستجابات المناعية في مرض كوفيد-19، فإنه لا تزال هناك العديد من الأسئلة، إذ إن الجنس ليس ثنائيًا على نحو كامل وواضح، ولا نعرف الكثير عما يتعلق بالاستجابات المناعية للعدوى الفيروسية -متضمنةً كوفيد-19- لدى الأفراد الذين يعانون اضطرابات تطوير الجنس (DSD) أو الأفراد المتحولين جنسيًا، إذ لا يُعرف الكثير عن الاستجابات المناعية لدى هؤلاء الأفراد الذين يخضع بعضهم لعلاجات هرمونية لتغيير الجنس. وقد يختلف تطور العدوى الفيروسية عمومًا ومنها -كوفيد-19- لدى أفراد تطوير الجنس والأفراد المتحولين.
تؤثر اختلافات المناعة بين الجنسين في الاستجابة للقاح سارس-كوف-2 أو الإصابة به مرة أخرى، وقد أظهر تحليل البلازما بعد النقاهة ارتباط الجنس الذكر وكبر السن ومرضى المستشفيات بزيادة عيار الأضداد لسارس-كوف-2.
قد يكون هذا مرتبطًا بزيادة شدة المرض في هذه المجموعة السكانية من المرضى وزيادة الحمل الفيروسي الذي يقود تنشيط الخلايا البائية وإنتاج الأضداد بدلًا من ذلك. قد تكون الكميات الكبيرة من الأضداد الفيروسية ناتجة عن الزيادات التعويضية في إنتاج الأضداد بسبب الصفات غير المثالية للأجسام المضادة المتولدة عند الذكور الأكبر سنًا، التي لا تملك القدرة على تحييد الفيروس على نحو فعال. بينما تمتلك الأضداد -التي تتمتع بالتحييد الأمثل- القدرة على تعزيز الغزو الفيروسي للخلايا المضيفة مثل الخلايا البالعة [تسمى بالتعزيز المعتمد على الأضداد (ADE)].
مع ذلك، لا يوجد دليل واضح على وجود تعزيز معتمد على الأضداد في حالة كوفيد-19، وبالنسبة إلى حالات العدوى الفيروسية الأخرى، فقد ارتبطت الأمراض القاتلة -مثل حمى الضنك النزفية- بهذا التعزيز.
عند الإصابة الثانوية بفيروس ذي نمط مصلي مختلف عن العدوى الأولية، شوهدت الوفيات الناجمة عن هذه الأمراض الشديدة لدى الإناث البالغات في المقام الأول، رغم انتشار حمى الضنك النزفية لدى الذكور أكثر.
تبقى الآلية غير معروفة، ولكنها قد تكون عائدة إلى الالتهاب المتزايد لدى الإناث، ما يؤدي إلى زيادة نفوذية الشعيرات الدموية.
من المهم أن تُبلغ الدراسات التي أجريت على مرضى كوفيد-19 عن النتائج بطريقة مصنفة حسب الجنس، لنتمكن من فهم المرض، ولنطور علاجات له واستراتيجيات وقائية منه.
اقرأ أيضًا:
ما احتمالية أن يكون لقاح كوفيد-19 علاجًا جينيًا؟
منظمة الصحة العالمية تحدد متحورًا جديدًا من فيروس كوفيد مثيرًا للاهتمام
ترجمة: يمام نضال دالي
تدقيق: حسين جرود
مراجعة: نغم رابي