تنشأ الإشعاعات طبيعيًا في كل مكان حولنا وقد تصل إلى أجسامنا بعدة طرق. قد يظن بعضنا، خاصةً هواة كتب الخيال العلمي وأفلام هوليوود الرائجة، أن الإشعاع شيء نادر وخطير يحول الناس إما إلى أبطال خارقين وإما إلى وحوش مشوهة. واقعيًا، الإشعاع موجود في كل مكان حولنا، طوال الوقت، حتى داخل أجسامنا.
لكن ما هو الإشعاع بالضبط؟ وكم مقداره في أجسامنا؟
ينطوي الإشعاع على العديد من العمليات، تبدو جميعها مختلفةً بالنسبة لنا، لكنه ينشأ في المقام الأول عندما يصدر جسم مثل الشمس طاقةً على شكل جسيمات أو أمواج. لكن عندما يشير الكثير منا إلى “الإشعاع”، فإننا نشير إلى موجات عالية الطاقة تحديدًا، مثل أشعة جاما، والجسيمات عالية الطاقة المنبعثة من الذرات المشعة، مثل ذرات اليورانيوم. تشكل الموجات والجسيمات عالية الطاقة خطرًا على الكائنات الحية وقد تلحق الضرر بالخلايا المُعرَّضة لها.
فضلًا عن ذلك، لجميع العناصر الموجودة في الجدول الدوري نظائر، أو بكلمات أوضح – أشكال من نفس العنصر الكيميائي تحتوي على عدد مختلف من النيوترونات في نواتها. بعض هذه النظائر مستقرة، لكن البعض الآخر غير مستقر، ما يعني أنها مشعة وتطلق موجات أو جزيئات عالية الطاقة. علاوةً على ذلك، توجد بعض العناصر -مثل اليورانيوم- فقط بشكل غير مستقر.
توجد العديد من النظائر والعناصر المشعة طبيعيًا في البيئة، حيث تتفاعل مع النباتات والمياه. لذلك في كل مرة يأكل فيها شخص ما طعامًا أو يشرب ماءً، قد يكتسب كميات صغيرة من النظائر المشعة. قال مايك شورت، أستاذ مشارك في العلوم والهندسة النووية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن أكبر مصادر الإشعاع في أجسامنا هي كميات ضئيلة من الكربون 14 والبوتاسيوم 40. مع أن هذه النظائر تشكّل معظم إشعاع أجسامنا، فإننا لا نتناول سوى 0.39 ملليغرام من البوتاسيوم 40 و1.8 نانو غرام من الكربون 14 يوميًا. أضاف شورت أن كمية النشاط الإشعاعي التي تسببها النظائر داخل جسم الإنسان يمكن مقارنتها بنسبة 1٪ من جرعة الإشعاع التي سيتعرض لها الأشخاص المسافرون في رحلة من بوسطن إلى طوكيو.
صرّح شورت لـموقع لايف ساينس: «تشق معظم هذه النظائر المشعة طريقها إلى أجسامنا عبر الطعام الذي نأكله والماء الذي نشربه والهواء الذي نتنفسه». تحتوي بعض الأطعمة على تركيزات أعلى من النظائر المشعة، مثل الموز الذي يحتوي على كمية صغيرة من البوتاسيوم 40، والجوز البرازيلي الذي يحتوي على الراديوم. بطبيعة الحال، فإن كميات هذه الأطعمة التي يستهلكها الشخص العادي لا تزيد كثيرًا من المخاطر الصحية المتعلقة بالإشعاع، وفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية.
قد تؤدي بعض العوامل البيئية إلى زيادة النشاط الإشعاعي لجسم الإنسان. حسب شورت، تحتوي أجسام الأشخاص الذين يعيشون في أقبية غير مُهوّاة ومُحاطة بكميات كبيرة من الجرانيت مثلًا على الكثير من الراديوم، وتمتص قدرًا أكبر من الرادون والنظائر المرتبطة به (الرادون هو غاز مشع عديم الرائحة يوجد طبيعيًا في البيئة)، أضف إلى ذلك الإشعاعات الناتجة عندما تتحلل ذرة غير مستقرة.
حادثة واتراس -The Watras Incident :
عام 1984 أطلق ستانلي واتراس، مهندس بناء في محطة الطاقة النووية في ولاية بنسلفانيا، فجأةً جهاز إنذار لاشتباهه في تعرض العمال للإشعاع. ذُهل موظفو السلامة لهذه الحادثة الغريبة لأن المحطة كانت لا تزال في طور البناء، ولم تُعبّأ بعد بالوقود النووي، إضافة إلى أن واتراس لم يكن يحمل معه أي مصدر إشعاعي. لاحقًا اكتشفوا أن مصدر الإشعاع لم يكن المحطة، بل جسم واتراس الذي امتص كميات كبيرة من غاز الرادون الذي تسرب إلى قبو منزله.
قال شورت إن النظائر المشعة التي تجد طريقها إلى أجسامنا، تنشأ من عمليات مختلفة. البوتاسيوم 40، مثلًا هو «نوكليد بدائي»، بمعنى أنه كان موجودًا في شكله الحالي قبل نشأة الأرض. تستغرق النوكليدات البدائية وقتًا طويلًا حتى تتفكك أو تتحلل، لدرجة أنها ما زالت اليوم على نفس حالتها عندما صُنعت في النجوم أو في الانفجار العظيم.
أضاف شورت: «يحتوي عنصر البوتاسيوم الموجود في الطبيعة على 0.011٪ من بوتاسيوم 40، لذا فهذا النظير موجود في كل مكان حولنا ولا يمكن تفاديه، لقد تطورنا في بيئة مشعة، حيث يوجد البوتاسيوم 40 في كل مكان منذ نشأة النظام الشمسي».
النظائر المشعة كالكربون 14 ونظير الهيدروجين المعروف باسم «التريتيوم» هي نتاج تحلل عناصر أثقل. عندما تتفكك الأنوية الذرية الأثقل وغير المستقرة مثل ذرات اليورانيوم فإن الأجزاء المكونة لها غالبًا ما تكّون نظائر أخرى.
تجدر الإشارة إلى أن النظائر المستقرة مرتبطة ببعضها عبر القوة الشديدة، وهي قوة أساسية تربط البروتونات والنيوترونات معًا. لكن عندما تكبر النواة، قد تفقد القوة الشديدة سيطرتها بسبب القوى التي تدفع البروتونات والنيوترونات بعيدًا – مثل القوة الكهروستاتيكية بين البروتونات. عندما تتحلل الأنوية الذرية إلى أنوية أصغر، تنبعث منها جزيئات عالية الطاقة أو موجات عالية الطاقة ومن ثم ينشأ الإشعاع.
بعض النظائر الكيميائية التي يمتصها الناس قد تكون من البيئة بسبب الأنشطة البشرية. قال شورت في هذا الخصوص أن اختبارات الأسلحة النووية في الغلاف الجوي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أنتجت كميات صغيرة من السترونشيوم 90، وأطلقت كارثة فوكوشيما وتشرنوبيل بعض السيزيوم 137 والسيزيوم 134، إلا أن معظم المادة الأخيرة قد تلاشى واختفى بالفعل من غلافنا الجوي.
اقرأ أيضًا:
معلومات وحقائق عن عنصر الرادون
الذكاء الصناعي: في حال حدوث كارثة نووية، هذه هي الأماكن التي ستنتشر فيها الإشعاعات
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: نغم رابي