مع كون الأرض كروية الشكل وهائلة الحجم، يتسبب الضغط الهائل المتزايد بالانتقال نحو مركزها بتشكل عدة طبقات مختلفة مع خواص ومكونات ودرجات حرارة مختلفة. هذه الطبقات تدعى طبقات الأرض ونحن نعيش على الطبقة الأعلى بينها بالطبع.
ما هي طبقات الأرض؟
بشكل عام، طبقات الأرض أربعة وهي: القشرة الصلبة في الخارج، الوشاح و النواة- مع وجود صدع بين النواة الخارجية و النواة الداخلية.
القشرة الأرضية
هي كل ما يمكننا أن نراه وندرسه مباشرةً. وهي الطبقة الأقل ثخانةً، تبلغ سماكة القشرة حوالي 40 كيلو مترًا وسطيًا، إذ تتراوح بين 5-70 كيلو مترًا ( حوالي 3-44 ميلًا) عمقًا. ولكن عندما يكون معيارنا هو كوكب؛ فإن تلك الأرقام ليست أكثر من قشرة تفاحة.
نميز نوعين من القشرة: قشرة قارية وقشرة محيطية. تتواجد القشرة القارية في أسفل المحيطات أو تحت القشرة القارية. وهي أقسى وأعمق وتتكون من صخور كثيفة وصلبة مثل البازلت، بينما تضم القشرة القارية صخور الغرانيت والرواسب. تكون القشرة القارية أقسى على اليابسة.
لا تعد القشرة مادةً صلبةً واحدةً ولكنها تتصدع إلى عدة صفائح تكتونية، لا تتميز هذه الصفائح بالثبات، بل تتحرك بشكل متصل الواحدة فوق الأخرى. بالاعتماد على العلاقة والوضع الجيولوجي، نميز ثلاثة أنواع من حدود الصفائح التكتونية: المتقاربة (تتحرك الواحدة نحو الأخرى)، متباعدة (تتحرك الواحدة بعيدًا عن الأخرى) والمتنقلة (تتحرك بشكل جانبي). تطفو هذه الصفائح على طبقة الوشاح البلاستكية الطرية.
الوشاح
تمتد طبقة الوشاح نحو الأسفل مسافة 2890 كيلو مترًا، ما يجعلها الطبقة الأكثر ثخانةً بين طبقات الأرض. تشكل هذه الطبقة حوالي 84% من حجم الأرض. نتعرف على المعلومات المتعلقة بهذه الطبقة بشكل غير مباشر، لأنه ما من دراسة استطاعت الوصول إلى تحت طبقة القشرة. معظم المعلومات التي نعرفها عن هذه الطبقة قد توصلنا إليها بفضل الدراسات الزلزالية.
تُقسَم طبقة الوشاح إلى عدة طبقات، وذلك بالاعتماد على الخصائص الزلزالية. تمتد طبقة الوشاح العلوية من مكان انتهاء طبقة القشرة حتى عمق 670 كيلو مترًا. على الرغم من اعتبار هذه المنطقة منطقة لزجة، فإنها تتكون من الصخور، وللمزيد من الدقة تدعى تلك الصخور بالصخور النارية. تمتد طبقة الوشاح السفلي من 670 كيلو مترًا حتى حوالي 2900 كيلو متر تحت السطح.
حتى الآن؛ توصلت الدراسات إلى أن طبقة الوشاح ليست ثابتةً، بل تتحرك بثبات. توجد دورة انتقال حراري، تضم موجات متقلبةً من المواد الحارة باتجاه السطح ومواد أبرد باتجاه الأعماق. من المتوقع أن هذا الانتقال الحراري يوجه توزع الطبقات التكتونية في القشرة.
تتشكل معظم الهزات الأرضية على السطح، في القشرة، عندما يحدث الضغط الناتج عن المد والجزر في الصفائح (حركة سحب وشد)، وعندما يتحرر ذلك الضغط أو يحدث خطب أو انهيار ما تحدث الهزة الأرضية. قد تحدث الهزات الأرضية في طبقة الوشاح وعند تلك الضغوط الهائلة لا يمكننا الحديث عن خطأ أو انهيار.
في مناطق الانخفاض التكتوني -عندما تنخفض طبقة تحت أخرى- تُرصَد الهزات الأرضية على عمق يصل إلى 670 كيلو مترًا. ما تزال آلية حدوث تلك الهزات غير مفهومة تمامًا، ولكن تنص إحدى النظريات على أن بعض المعادن تتحول من حالة إلى أخرى، ما يغير من حجمها أثناء عملية التحول. قد يقود هذا التغير في الحجم إلى حدوث الهزة الأرضية.
إننا نقترب من فهم طبقة الوشاح على الرغم من عدم قدرتنا على الوصول إليها. اقترب العلماء مؤخرًا من تكرار أو محاكاة الضغط والحرارة الهائلين في طبقة الوشاح، وتكشف نماذج حاسوبية عالية المستوى عن بعض أسرار تلك الطبقة.
نواة الأرض
نشير بشكل عام إلى النواة على أنها شيء واحد، على الرغم من أن الاختلاف جوهري بين النواة الداخلية والنواة الخارجية. للنواة الداخلية الصلبة نصف قطر يصل إلى حوالي 1220 كيلو مترًا، بينما تمتد النواة الخارجية السائلة لتبلغ نصف قطر قدره 3400 كيلو متر.
لكن إذا لم نستطع بلوغ طبقة الغلاف؛ فكيف تسنّى لنا أن نعرف أن إحدى النواتين صلبة والأخرى تختلف عنها؟ في الواقع الإجابة كما أن ذكرنا سابقًا، إنها الأمواج الزلزالية.
النواة الداخلية
إن الضغوط ودرجات الحرارة في النواة الداخلية هائلة، حوالي 5400 درجة سيليسيوس (9800 درجة فهرنهايت) و 330 إلى 360 غيغا باسكال ( 3300000 إلى 3600000 ضغط جوي).
بشكل عام، من المعروف أن النواة الداخلية تنمو ببطء شديد؛ كلما بردت النواة، يتصلب المزيد من النواة الخارجية ويغدو جزءًا من النواة الداخلية. معدل التبريد منخفض جدًّا، حوالي 100 درجة سيليسيوس كل بليون عام. على الرغم من البطء الشديد في ظاهرة النمو تلك، فإن لها أثرًا كبيرًا في الحقل المغناطيسي الأرضي كعمل المولد في النواة الخارجية السائلة.
من المثير للاهتمام، أن النواة الداخلية تبدو غير متناسقة على الخط الشرقي– الغربي. يشرح نموذج خاص ظاهرة عدم التناسق تلك من خلال الذوبان في جانب والتبلور في جانب آخر. من المحتمل أن يؤثر هذا الشذوذ في الحقل المغناطيسي للأرض ما يولد عدم التناسق في الجانب المتبلور.
النواة الخارجية
النواة الخارجية مائع منخفض اللزوجة -حوالي 10 أضعاف لزوجة المعادن السائلة على السطح. بما أن هذا المائع ذا لزوجة منخفضة، فإنه يتشوه بسهولة. هذا هو موقع الانتقال الحراري الهائل. من المتوقع حدوث تيارات انتقال حراري عنيفة جدًّا- واحزر ماذا؟؟ الخضخضة في النواة الخارجية وحركتها المرتبطة بذلك هي المسؤولة عن الحقل المغناطيسي للأرض.
الجزء الأشد حرارة في النواة الخارجية يفوق حرارة النواة الداخلية؛ قد تصل درجات الحرارة إلى 6000 درجة سيليسيوس (10800 درجة فهرنهايت)– مثل حرارة سطح الشمس.
من أين نحصل على المعلومات عن طبقات الأرض؟
نستطيع رؤية أجزاء صغيرة من القشرة الأرضية. وهي بدورها جزء صغير من كوكبنا، من أين لنا بكل هذه المعلومات إذًا؟ أفضل مصدر للمعلومات هو الأمواج الزلزالية. عند حدوث هزة أرضية، فإنها تنشر أمواج ضغط تنتشر عبر كامل الكوكب.
تحمل هذه الأمواج معلومات من الطبقات التي مرت عبرها؛ بما فيها الوشاح والنواة. من خلال دراسة خصائص تلك الأمواج بإمكاننا أن نتعرف على الخصائص الفيزيائية لباطن الأرض. فمثلًا، تنتشر بعض الأمواج في البيئات الصلبة، بينما تنتشر أخرى في البيئات الصلبة والسائلة؛ وبذلك بإمكاننا أن نعرف إن كانت بعض الطبقات صلبةً أم لا.
تأخذ الأمواج الزلزالية عينات من مساحات ضيقة داخل الأرض وبإمكاننا أن نعزل المعلومات التي تحملها؛ من خلال تحليل تسجيلات الهزات الأرضية في محطات علم الزلازل، وبإمكاننا إنتاج تصوير مقطعي محوسب – CAT بمثابة تحليلات لمنطقة معينة.
تنحني الأشعة وتنعكس بالاعتماد على خصائص البيئة التي تمر عبرها، وتتأثر سرعة الأمواج أيضًا بتلك البيئة. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت عمليات محاكاة جديدة في المختبرات طريقة سلوك المعادن عند تلك الضغوط ودرجات الحرارة، ولدينا معلومات عن الجاذبية والمغنطة بالإضافة إلى دراسات على الماغما والكريستال الذي وجد على السطح. ولكن تأتي معظم تلك المعلومات من أبحاث علم الزلازل حول العالم. من الرائع أنه ودون الاقتراب من طبقات الأرض بتنا نعرف الكثير عنها.
اقرأ أيضًا:
كيف يرفع ثاني اكسيد الكربون درجة حرارة الارض ؟
أقدم دليل على وجود الحياة على الأرض
ترجمة: كارينا معوض
تدقيق: م. قيس شعبية