يحتوي النظام الشمسي على العديد من الأقمار أكثر بكثير من تلك التي نستطيع رؤيتها في السماء. لكن كم قمرًا نعرف بالفعل؟ وما عدد ما ينتظرنا من تلك الأقمار لاكتشافه؟

إذا نظرت إلى الأعلى في ليلة صافية، فمن المحتمل أن يكون القمر هو ألمع وأكبر جسم في السماء. وحتى إن لم يكن لديك تلسكوب ملائم، فإنه القمر الطبيعي الوحيد الذي يمكنك رؤيته بأم عينيك. نتيجةً لذلك، يمتلك معظم الناس تصورًا مشوهًا حول ماهية القمر، ومدى شيوع هذه الأقمار الطبيعية.

في الواقع، توجد مئات الأقمار الطبيعية وربما آلاف منها في المجرة الكونية المجاورة لنا؛ يتراوح حجمها بين أحجار فضائية غير منتظمة بحجم مدينة إلى أجسام مستديرة هائلة الحجم يمكن اعتبارها كواكب في حد ذاتها.

وهنا يكمن السؤال، كم قمرًا اكتشفنا؟ يبدو أن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على تعريف القمر.

بحسب تصريح لناسا، فقد اعترف الاتحاد الفلكي الدولي بوجود نحو 288 قمرًا تدور حول العوالم الثمانية للنظام الشمسي. لكن يوجد أيضا 473 قمرًا صغير الحجم؛ أي أقمار الكويكبات والكواكب القزمة التي صرحت بها ناسا.

إذا قمنا بإحصاء كِلا النوعين مثلما يفعل معظم علماء الفلك، فسوف يرتفع إجمالي العدد إلى ما يقارب 761 قمرًا طبيعيًا، حتى شهر يونيو/ حزيران 2024.

من المحتمل أن يكون هذا مجرد «قمة جبل الجليد» على حد تعبير إدوارد آشتون؛ عالم الفلك في معهد سينيكا الأكاديمي لعلم الفلك والفيزياء الفلكية، في تصريحه لموقع Live Science في رسالة إلكترونية.

وأضاف أن علماء الفلك قد اكتشفوا العشرات من أقمار الكواكب الجديدة والأقمار الصناعية ذات الأجسام الصغيرة في السنوات القليلة الماضية وحدها، ومن المرجح أن يؤدي التقدم التكنولوجي إلى تسريع المعدل الذي يمكنهم من خلاله اكتشاف المزيد في السنوات المقبلة.

تعريف القمر:

صرح آشتون لموقع Live Science: «إن أبسط تعريف لِلقمر هو أنه جسم يدور حول جسم غير نجمي أكبر حجمًا. لكن هذه ليست الإجابة الكاملة».

على سبيل المثال، يوجد حاليًا آلاف الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض من صنع الإنسان التي تستوفي التعريف المذكور للقمر، لكنها ليست أقمارًا طبيعيةً. إذ تتمتع هذه الأقمار الصناعية بِفترة حياة محدودة قبل أن تعود إلى الأرض وتحترق في الغلاف الجوي.

إن بعض الأقمار الطبيعية أيضًا مثل أشباه الأقمار والأقمار الصغيرة هي أيضًا مؤقتة ولا تدور في الحقيقة حول الكواكب.

هناك أيضًا معضلة الحجم، فقد صرّح بريت جلادمان وهو عالم فلك في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، لموقع Live Science إن الجسيمات الحلقية التي تُعد أجزاءً صغيرةً من الصخور التي تصنع حلقات الكواكب مثل أورانوس وزحل، تدور حول كوكبها المضيف، لكنها لا تحتسب أقمارًا.

وأضاف جلادمان أن الأجسام الأصغر من بضع مئات من الأقدام والتي يطلق عليها غالبًا اسم «الأقمار الحلقية» أو «الأقمار الصغيرة»، لها أيضًا «تعريفات غامضة»، ولا تعد أقمارًا حقيقيةً.

وفقًا لقول آشتون ما زال هناك جدل حول الأقمار حتى المعترف بها. على سبيل المثال، توجد فئتان من الأقمار: الأقمار العادية الكبيرة التي لها مدارات دائرية صغيرة تدور بالقرب من خط استواء الكوكب المضيف، والأقمار غير المنتظمة التي قد تكون صغيرة الحجم ولديها مدارات إهليليجية كبيرة تدور حول الكوكب المضيف لها.

وفقًا لجمعية الكواكب، يوجد نحو 20 قمرًا رئيسيًا من ضمن الأقمار العادية لكونها كبيرة الحجم بما يكفي ليكون لها شكل مستدير نتيجة الجاذبية الخاصة بها.

الأقمار الكوكبية:

بدءًا من الأقرب إلى الشمس، فإن أقرب جيران نجمنا هما عطارد والزهرة؛ ليس لديهما أقمار حقيقية بسبب قربهما من الشمس، ما يسلب منهما أي احتمال بأن يكون لديهما أقمار منذ مدة طويلة.

وبالمِضي قُدمًا نصل إلى الأرض؛ لكوكبنا الأم قمر واحد رئيسي كبير ولكن لديه أيضًا ما لا يقل عن سبعة أشباه أقمار، وأحيانًا يكتسب أقمارًا صغيرةً إضافيةً لمدة عام تقريبًا في كل مرة. لا تُحتسب تلك الأشباه أقمارًا أيضًا.

مع ذلك، يعتقد العلماء أن بإمكاننا الاستفادة من صخور الفضاء هذه بصفتها قواعد مؤقتةً لمساعدتنا في أن نصبح كائنات تعيش بين الكواكب.

في المركز التالي لدينا المريخ ولديه قمران حقيقيان هما فوبوس وديموس؛ كلاهما يبلغ قطره بضعة أميال فقط، ويدوران حول المريخ. يقترب فوبوس ببطء نحو المريخ ومن المتوقع أن يصطدم بسطحه في أحد الأيام إذا لم يُفتّت أولًا.

مع انتقالنا إلى الكواكب العملاقة، تزداد الأمور إثارةً للاهتمام. أول الكواكب العملاقة الغازية هو كوكب المشتري الذي لديه 95 قمرًا؛ من بينها 4 أقمار رئيسية هي كاليستو ويوروبا وآيُو وجانيميد الذي يُعد أكبر قمر في النظام الشمسي.

لكن زحل لديه المزيد؛ فله ما لا يقل عن 146 قمرًا، منها 6 أقمار رئيسية مثل تيتان وميماس وإنسيلادوس.

لدى العملاقين الجليديين أورانوس ونبتون 28 قمرًا و16 قمرًا على الترتيب. ولكل منها سبعة أقمار رئيسية.

تغيرت هذه الاحصائيات تغيرًا ملحوظًا خلال الأعوام المنصرمة وحدها. فمنذ بداية عام 2023، اكتشف علماء الفلك -بمن فيهم آشتون وجلادمان- وجود ما لا يقل عن 62 قمرًا جديدًا غير منتظم حول زحل و12 قمرًا للمشتري، بالإضافة إلى قمرين لنبتون وقمرًا واحدًا حول أورانوس.

يمكن للتطور التكنولوجي تفسير الزيادة المفاجئة في اكتشافات القمر. وبحسب آشتون فإننا بواسطة التلسكوبات الأكثر قوةً نستطيع اكتشاف الأقمار الصغيرة وبخاصة الأقمار غير المنتظمة منها التي توجد بوفرة حول الكواكب العملاقة.

نتيجةً لذلك، فمن المرجح أن يتزايد عدد الأقمار تزايدًا حادًا في السنوات القليلة القادمة. على سبيل المثال، كشف آشتون أيضًا أنه اكتشف بالفعل وجود بعض أقمار الكواكب الإضافية، لكنه ما يزال ينتظر المشاهدات اللاحقة حتى يتأكد من وجودها قبل تقديم اكتشافه إلى الاتحاد الفلكي الدولي.

قد يتزايد عدد أَقمار الكواكب أيضًا في حال وجدنا المزيد من الكواكب في النظام الشمسي. أحد هذه العوالم هو الكوكب التاسع الغامض، وهو كوكب عملاق افتراضي قد يوجد في أقصى حدود النظام الشمسي. إذا كان هذا الكوكب موجودًا بالفعل، فقد افترض الباحثون أنه قد يكون محاطًا بأقمار متعددة.

تكهن الباحثون أيضًا بأن العوالم البعيدة الإضافية التي التقطتها الأجهزة من الفضاء بين النجوم بفعل جاذبية الشمس والمعروفة باسم الكواكب المارقة قد تحوي على أقمار أيضًا.

التوابع صغيرة الحجم:

إن إحصاءات ناسا البالغة 473 قمرًا صغير الحجم غير مؤكدة أكثر من عدد أقمار الكواكب، لأننا نعثر على المزيد من الكويكبات طوال الوقت. فبعض الكويكبات قد يكون لها أقمار صغيرة متعددة يصعب التمييز بينها.

يقدّر الاتحاد الفلكي الدولي أيضًا أنه قد يكون هناك «أكثر من مئة» كوكب قزم إضافي ينتظر العثور عليه في النظام الشمسي الخارجي. وقد يكون لدى جميعها أقمار.

يقول آشتون: «تمامًا مثل الأقمار الصغيرة للكواكب العملاقة، لم نكتشف بعد الغالبية العظمى منها»، وأضاف أنه عمومًا، من المحتمل أن يكون هناك عدد كبير من الأقمار صغيرة الحجم مثل أقمار الكواكب.

في المقابل، هناك علماء فلك آخرون مثل جلادمان غير واثقين تمامًا فيما يتعلق بعدد الأقمار صغيرة الحجم الموجودة، وقال: «ما يزال عدد الأجسام المضيفة مجهولًا، ما يجعل معالجة هذه المسألة أمرًا صعبًا».

كم قمرًا قد يكون هناك في المجمل؟

هناك أكثر من 700 قمر طبيعي معروف في النظام الشمسي، لكن تبعًا لِملاحظاتنا، فإن من المرجح أن هذا العدد قد يتزايد تزايدًا ملحوظًا في المستقبل القريب.

أظهرت دراسات سابقة أنه قد يكون هناك مئات إن لم تكن آلاف، من أقمار الكواكب صغيرة الحجم، التي يمكن اكتشافها بواسطة تليسكوباتٍ أكثر قوةً.

مثلما رأينا بالفعل، يوجد قدر كبير من الشك حول عدد الأقمار الصناعية صغيرة الحجم الموجودة حقًا، لكن هذه الشكوك لن تمنع الباحثين عن الخوض في التوقعات.

صرح آشتون: «أظن أن هناك نحو 10 آلاف قمر في النظام الشمسي». لكن لا أحد يعرف المدة الحقيقية التي قد يستغرقها العثور عليها جميعًا.

اقرأ أيضًا:

هل يبني البشر أول سكة حديد على سطح القمر؟

هل يمكن لرواد الفضاء خلق جاذبية اصطناعية لمساعدتهم في التكيف على أجواء سطح القمر؟

ترجمة: خضر نعامة

تدقيق: منال توفيق الضللي

“>المصدر