كانت حرب فيتنام صراعًا طويلًا ومكلفًا، ومسببًا رئيسيًا للانقسام ولتحريض الحكومة الشيوعية في فيتنام الشمالية ضد فيتنام الجنوبية وحليفها الرئيسي، الولايات المتحدة. اشتد الصراع بسبب الحرب الباردة الجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وقد قُتل أكثر من 3 ملايين شخص -من بينهم أكثر من 58 ألف جندي أمريكي- في حرب فيتنام، وكان نصف القتلى من المدنيين الفيتناميين. وقد قسمت مناهضة الحرب الأمريكيين في الولايات المتحدة بشدة، حتى بعدما أمر الرئيس ريتشارد نيكسون بانسحاب القوات الأمريكية سنة 1973. أنهت القوات الشيوعية الحرب بالسيطرة على فيتنام الجنوبية سنة 1975. ثم توحدت البلاد باسم جمهورية فيتنام الاشتراكية في العام التالي.
سبب حرب فيتنام:
كانت فيتنام، وهي دولة في جنوب شرق آسيا تقع على الحافة الشرقية لشبه جزيرة الهند الصينية، تحت الحكم الاستعماري الفرنسي منذ القرن التاسع عشر.
خلال الحرب العالمية الثانية، غزت القوات اليابانية فيتنام. ولطرد كل من المحتلين اليابانيين والإدارة الفرنسية الاستعمارية، شكل الزعيم السياسي «هو تشي منه» مسترشدًا بالشيوعية الصينية والسوفيتية- الفيت مين وهو اتحاد استقلال فيتنام.
بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عام 1945، سحبت اليابان قواتها من فيتنام، تاركًة الإمبراطور الذي تلقى تعليمه بالفرنسية باو داي في السلطة. عندها رأت قوات هو تشي «الفيت مين»، فرصة لفرض السيطرة، فتحركت على الفور، واستولت على مدينة هانوي الشمالية وأعلنت فيتنام جمهورية ديمقراطية و«هو تشي منه» رئيسًا لها.
دعمت فرنسا الإمبراطور باو؛ سعيًا لاستعادة السيطرة على المنطقة وأنشأت دولة فيتنام في يوليو 1949، وجعلت من مدينة سايغون عاصمة لها.
وفي الحقيقة كلا الجانبين أرادا الشيء ذاته: فيتنام موحدة. لكن في حين أراد هو تشي منه ومؤيدوه أمّةً على نمط الدول الشيوعية الأخرى، أراد باو وكثيرون غيره أن يجعلوا من فيتنام دولة ذات علاقات اقتصادية وثقافية وثيقة بالغرب.
هل تعلم؟ وفقًا لدراسة أجرتها رابطة المحاربين القدماء، فإن نحو 500 ألف من بين 3 ملايين جندي خدموا في فيتنام عانوا اضطراب ما بعد الصدمة وكانت معدلات الطلاق والانتحار والإدمان على الكحول والمخدرات أعلى بدرجة ملحوظة بين المحاربين القدماء.
متى بدأت حرب فيتنام؟
بدأت حرب فيتنام فعليًا من جانب الولايات المتحدة عام 1954، مع أن النزاع المستمر في المنطقة قد امتد قبل ذلك بعدة عقود.
بعد أن تولت قوات هو تشي منه الشيوعية السلطة في الشمال، استمر النزاع المسلح بين الجيوش الشمالية والجنوبية حتى انتصار الفيت مين الشمالي الحاسم في معركة «ديان بيان فو» في مايو 1954. أنهت الخسارة الفرنسية في هذه المعركة قرنًا من الحكم الاستعماري الفرنسي في الهند الصينية.
قسمت المعاهدة اللاحقة التي وُقعت في يوليو 1954 في مؤتمر جنيف فيتنام على طول خط العرض 17 شمالًا، مع سيطرة هو تشي منه في الشمال وباو في الجنوب. دعت المعاهدة إلى إجراء انتخابات في جميع أنحاد البلاد من أجل إعادة التوحيد سنة 1956.
لكن سنة 1955، أزاح السياسي المناهض للشيوعية «نغو دينه ديم» الإمبراطور باو جانبًا ليصبح رئيسًا لحكومة فيتنام الجنوبية.
الفيتكونغ:
مع اشتداد الحرب الباردة، شددت الولايات المتحدة سياساتها ضد أي حليف للاتحاد السوفييتي، وبحلول عام 1955 تعهد الرئيس الأمريكي «دوايت أيزنهاور» بالاستمرار في دعمه الحازم لديم وجنوب فيتنام.
ومع تأمين التدريب والمعدات من قبل الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية، قمعت القوات الأمنية لديم المتعاطفين مع الفيت مين في الجنوب، الذي وصفهم بسخرية بالفيتكونغ (الشيوعيين الفيتناميين). واعتقل منهم نحو 100,000 شخص، وتعرض كثير منهم للتعذيب الوحشي والإعدام.
سنة 1957، بدأ الفيتكونغ وغيرهم من معارضي نظام دين القمعي الرد بهجمات على المسؤولين الحكوميين وعدد من الأهداف الأخرى، وبدؤوا سنة 1959 بالاشتراك مع الجيش الفيتنامي الجنوبي في إطلاق النار.
في ديسمبر 1960، شكل العديد من معارضي ديم داخل جنوب فيتنام -الشيوعيين وغير الشيوعيين على حد سواء- جبهة التحرير الوطنية، لتنظيم مقاومتهم للنظام.
ورغم ادعاء الجبهة بتمتعها بالحكم الذاتي وأن معظم أعضائها ليسوا شيوعيين، فقد اعتقد العديد في واشنطن أن الجبهة مجرد دمية في يد هانوي.
نظرية الدومينو:
نصح الفريق الذي أرسله الرئيس الأمريكي جون كينيدي عام 1961 لتقديم تقرير عن الظروف التي تمر بها جنوب فيتنام تعزيز المساعدات العسكرية والاقتصادية والتقنية الأمريكية لمساعدة ديم على مواجهة تهديد الفيتكونغ.
بالعمل وفق «نظرية الدومينو»، التي تعد أنه إذا سقطت دولة واحدة من دول جنوب شرق آسيا في فخ الشيوعية، فإن العديد من البلدان الأخرى ستتبعها. زاد كينيدي المساعدات الأمريكية، رغم توقفه فترةً قصيرة عن التزامه بالتدخل العسكري واسع النطاق.
سنة 1962، بلغ الوجود العسكري الأمريكي في فيتنام نحو 9 آلاف جندي، مقارنة بأقل من 800 جندي في الخمسينيات.
خليج تونكين:
نجح انقلاب قام به عدد من الجنرالات في الإطاحة بديم وشقيقه، نغو دينه نهو، وقتلهما في نوفمبر 1963، قبل 3 أسابيع من اغتيال كينيدي في دالاس، تكساس.
أقنع عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب ذلك في فيتنام خليفة كينيدي، ليندن جونسون ووزير الدفاع الأمريكي روبرت ماكانامارا بزيادة الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي.
في أغسطس 1964، وبعد أن هاجمت قوارب الطوربيد مدمرتين أمريكيتين في خليج تونكين، أمر جونسون بقصف انتقامي لأهداف عسكرية في فيتنام الشمالية. وسرعان ما أصدر الكونغرس قرارًا بشأن خليج تونكين، ما أعطى جونسون سلطات واسعة في الحرب. وبدأت الطائرات الأمريكية غارات قصف منتظمة، أطلق عليها اسم «عملية دوران الرعد» في العام التالي.
لم يكن القصف مقتصرًا على فيتنام فقط، فقد ألقت الولايات المتحدة سرًا من عام 1964 حتى عام 1973 أكثر من مليوني طن من القنابل على لاوس المجاورة والمحايدة، خلال «الحرب السرية» التي قادتها وكالة الاستخبارات المركزية في لاوس.
وكان الهدف من حملة القصف تعطيل تدفق الإمدادات عبر ممر هو تشي منه إلى فيتنام ومنع صعود الباثيت لاو؛ أي قوات لاو الشيوعية. جعلت التفجيرات الأمريكية لاوس الدولة الأكثر تعرضًا للقصف بالنسبة إلى عدد السكان.
اتخذ جونسون قرارًا في مارس 1965 -بدعمٍ قوي من الشعب الأمريكي- بإرسال القوات القتالية الأمريكية إلى الحرب في فيتنام. وبحلول يونيو، تمركز أكثر من 82 ألف جندي مقاتل في فيتنام، وكان القادة العسكريون يطالبون بـ 175 ألف جندي آخر في نهاية العام ذاته؛ لدعم الجيش الفيتنامي الجنوبي المكافح.
ورغم قلق بعض مستشاريه بخصوص هذا التصعيد، وحول المجهود الحربي بأكمله وسط تنامي الحركات المناهضة للحرب، أذِن جونسون بإرسال 100 ألف جندي فورًا بنهاية يوليو 1965، و100 ألف جندي آخرين عام 1966. وإضافةً إلى الولايات المتحدة، التزمت كوريا الجنوبية وتايلاند وأستراليا ونيوزلندا أيضًا بإرسال قوات للقتال في جنوب فيتنام (وإن كان ذلك على نطاق أضيق بكثير).
ويليام ويستمورلاند:
على النقيض من الهجمات الجوية على فيتنام الشمالية، كانت الحرب في جنوب فيتنام أساسًا على الأرض، تحت قيادة الجنرال ويليام ويستمورلاند فعليًا بالتنسيق مع حكومة الجنرال نغوين فان ثيو في سايغون.
اتبع ويستمورلاند سياسية الإنهاك، التي تهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من قوات العدو بدلًا من محاولة الحفاظ على المنطقة. وبحلول عام 1966، كانت هناك مناطق واسعة من جنوب فيتنام صُنفت بأنها «مناطق خالية من إطلاق النار»، وكان من المفترض أن يكون جميع المدنيين الأبرياء قد أخلوا منها وأن يبقى فيها العدو فقط. ولكن جعل القصف المكثف بطائرات B-52 هذه المناطق غير صالحة للسكن؛إذ تدفق اللاجئون إلى المخيمات في مناطق آمنة محددة بالقرب من سايغون وعدة مدن أخرى.
وحتى مع تزايد جثث العدو (التي كانت تبالغ فيها أحيانًا السلطات الأمريكية والفيتنامية الجنوبية)، رفضت قوات الفيتكونغ والقوات الشمالية باستمرار وقف القتال، وما شجعها على ذلك سهولة إعادة احتلال الأراضي المأخوذة بالقوات والإمدادات التي سُلمت من ممر هو تشي منه عبر كمبوديا ولاوس. إضافةً إلى أن دعم الصين والاتحاد السوفيتي، قد عزز الدفاعات الجوية لفيتنام الشمالية.
احتجاجات حرب فيتنام:
بحلول نوفمبر 1967، اقترب عدد القوات الأمريكية في فيتنام من 500 ألف، وبلغ مجموع الضحايا الأمريكيين بين 15058 ألف قتيل و109,527 جريحًا. ومع استمرار الحرب، بدأ بعض الجنود يفقدون ثقتهم بذرائع الحكومة لإبقائهم هناك، فضلًا عن عدم تصديقهم لمزاعم واشنطن المتكررة بقرب انتصارهم في الحرب.
شهدت السنوات الأخيرة من الحرب تدهورًا متزايدًا في الناحيتين النفسية والجسدية بين الجنود الأمريكيين -المتطوعين والمجندين على حد السواء- متضمنًا المخدرات واضطراب ما بعد الصدمة والتمرد، إضافةً إلى الهجمات التي شنها الجنود على الضباط المفوضين وضباط الصف.
هرب بين يوليو 1966 وديسمبر 1973 أكثر من 503 آلاف من أفراد الجيش الأمريكي، ونتج عن الحركة القوية المناهضة للحرب احتجاجات عنيفة وقتل وسجن جماعي للأفراد المتمركزين في فيتنام وفي الولايات المتحدة أيضًا.
وبعد أن عصفت بأذهانهم ودمرتهم الصور المروعة للحرب على شاشات التلفزيون، انقلب الأمريكيون في الجبهة الداخلية ضد الحرب أيضًا: ففي أكتوبر 1967، نظم نحو 35 ألف متظاهر تظاهرة ضخمة ضد حرب فيتنام أمام مبنى البنتاغون. وجادل معارضو الحرب بأن المدنيين، وليس المقاتلين الأعداء، هم ضحايا الحرب الحقيقيون وأن الولايات المتحدة تدعم ديكتاتورية فاسدة في سايغون.
هجوم تيت:
في نهاية عام 1967، كانت القيادة الشيوعية في هانوي قد نفد صبرها أيضًا، وسعت إلى توجيه ضربة حاسمة تهدف بها إلى إجبار الولايات المتحدة -الدولة الأكثر والأفضل من ناحية الإمداد- على التخلي عن آمال الانتصار.
شن في 31 يناير 1968، نحو 70 ألف جندي من قوات جمهورية فيتنام الديمقراطية تحت قيادة الجنرال فو نغوين جياب، هجوم التيت (الذي سُمي العام القمري الجديد)، وهي سلسة منسقة من الهجمات الشرسة على أكثر من 100 بلدة ومدينة في جنوب فيتنام.
ورغم مفاجئتها بهذه العملية، تمكنت القوات الأمريكية والفيتنامية الجنوبية من رد الهجمات بسرعة، ولم يتمكن الشيوعيون من الاحتفاظ بالأهداف التي احتلوها أكثر من يومين.
ومع ذلك، أذهلت التقارير عن هجوم تيت الرأي العام الأمريكي، خاصةً بعد طلب ويستمورلاند 200,000 جندي إضافي، رغم التأكيدات المتكررة بأن النصر في حرب فيتنام قريب. ومع انخفاض معدلات مؤيديه سنة الانتخابات، دعا جونسون إلى وقف القصف في قسم كبير من شمال فيتنام (رغم استمرار التفجيرات في الجنوب) ووعد بتكريس ما تبقى من ولايته في السعي إلى السلام بدلًا من إعادة انتخابه.
وقد قوبلت الخطة الجديدة لجونسون، التي تكلم عنها في خطاب ألقاه في مارس 1968، باستجابة إيجابية من هانوي، وبدأت محادثات السلام بين الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية في باريس في مايو. ورغم انضمام الفيتناميين إلى جبهة التحرير الوطنية في وقت لاحق، سرعان ما وصل الحوار إلى طريق مسدود، وبعد فترة الانتخابات المريرة التي كانت مشوبة بأعمال العنف عام 1968، فاز الجمهوري ريتشارد نيكسون بالرئاسة.
الفتنمة:
سعى نيكسون إلى خفض قوة الحركة المناهضة للحرب بمناشدة «الأغلبية الصامتة» من الأمريكيين الذين اعتقد أنهم يؤيدون المجهود الحربي. وفي محاولته لتقليل حجم الخسائر في صفوف الأمريكيين، أعلن عن برنامج يدعى «الفتنمة» وهو يتمثل بـسحب القوات الأمريكية وزيادة القصف الجوي والمدفعي وإعطاء الفيتناميين الجنوبيين التدريب والسلاح اللازم للسيطرة بفعالية على الحرب البرية.
إضافةً إلى سياسة الفتنمة، واصل نيكسون محادثات السلام العلنية في باريس، مضيفًا إليها محادثات سرية رفيعة المستوى أجراها وزير الخارجية هنري كيسنجر ابتداءً من ربيع 1968.
ومع ذلك، أصر الفيتناميون الشماليون على الانسحاب الكامل غير المشروط للولايات المتحدة، وطرد الجنرال نغوين فان ثيو المدعوم بدوره من الولايات المتحدة، شرطًا للسلام، ونتيجةً لذلك توقفت محادثات السلام.
مذبحة ماي لاي:
جلبت السنوات اللاحقة المزيد من المذابح، متضمنةً الكشف المروع عن أن الجنود الأمريكيون قد ذبحوا بلا رحمة أكثر من 400 مدني أعزل في قرية ماي لاي في مارس 1968.
بعد مذبحة ماي لاي، استمرت الاحتجاجات المناهضة للحرب بالظهور والتزايد مع استمرار الصراع، عامي 1968 و1969 أُقيمت مئات المسيرات والتجمعات الاحتجاجية في جميع أنحاء البلاد.
وفي 15 نوفمبر 1969، جرت أكبر مظاهرة مناهضة للحرب في تاريخ الولايات المتحدة في واشنطن، حيث تجمع أكثر من 250 ألف أمريكي سلميًا، مطالبين بانسحاب القوات الأمريكية من فيتنام.
وقد قسمت الحركة المناهضة للحرب، التي كانت قوية خصوصًا ضمن حرم الجامعات، الأمريكيين بمرارة. ولبعض الشباب، كانت الحرب ترمز إلى شكل من أشكال السلطة غير الخاضعة للرقابة التي بدؤوا يشعرون بالاستياء منها. أما الأمريكيون الآخرون فقد عدّوا معارضي الحكومة غير وطنيين وخونة.
ومع انسحاب أول دفعة من القوات الأمريكية، ازداد إحباط الجنود الذين بقوا، ما أدى إلى تفاقم المشاكل المتعلقة بالروح المعنوية والقيادة. تلقى عشرات الآلاف من الجنود تسريحات غير مشرفة للهرب من الخدمة، وأصبح نحو 500 ألف رجل أمريكي في الفترة 1965-1973 «جنودًا فارين»، إذ فر العديد منهم إلى كندا للتهرب من الخدمة الإلزامية. لذلك أنهى نيكسون دعوات الالتحاق عام 1972، وأنشأ جيشًا من المتطوعين في العام التالي.
إطلاق النار في ولاية كينت:
سنة 1970، قامت الولايات المتحدة وفيتنام الجنوبية بعملية غزو مشتركة لكمبوديا، على أمل القضاء على قواعد الإمدادات لقوات فيتنام الشمالية الديمقراطية. بعد ذلك قاد الفيتناميون الجنوبيون غزوهم الخاص للاوس، الذي صدته فيتنام الشمالية.
أثار غزو هذه البلدان، الذي يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، موجة جديدة من الاحتجاجات في حرم الجامعات في أنحاء أمريكا. وفي أثناء أحد التظاهرات، في 4 مايو 1970، أطلق عناصر الحرس النار على المتظاهرين ما تسبب في قتل 4 طلاب في جامعة ولاية كينت في أوهايو. وفي احتجاج آخر بعد 10 أيام، قتلت الشرطة طالبين من جامعة ولاية جاكسون في ميسيسبي.
وفي نهاية يونيو 1972، وبعد هجوم فاشل على جنوب فيتنام، أصبحت هانوي أخيرًا مستعدة للتوصل إلى تسوية. صاغ ممثلو كيسنجر وفيتنام الشمالية اتفاق السلام في أوائل الخريف، ولكن القادة في سايغون رفضوه، لذا أذِن نيكسون في ديسمبر بعدد من الغارات ضد أهداف في هانوي وهايفونغ. وقد قوبلت الغارات، المعروفة بتفجيرات عيد الميلاد، بإدانة دولية.
كيف انتهت حرب فيتنام؟
في يناير 1973، أبرمت الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية اتفاقية السلام النهائية، ما أنهى الأعمال العدائية المفتوحة بين البلدين. مع ذلك، استمرت الحرب بين شمال فيتنام وجنوبها حتى 30 أبريل 1975، عندما استولت قوات فيتنام الشمالية الديمقراطية على سايغون، وأعادت تسميتها بمدينة هو تشي منه (الذي توفي سنة 1969).
وقد أوقع أكثر من عقدين من الصراع العنيف خسائر فادحة في تعداد سكان فيتنام: فبعد سنوات من الحرب، قُتل ما يقدر بمليوني فيتنامي، في حين أصيب أكثر من 3 ملايين شخص وأصبح 12 مليون آخرين لاجئين. وقد دمرت الحرب اقتصاد البلد والبنى التحتية فيه، ومضت عملية الإعمار ببطء.
سنة 1976، توحدت فيتنام بوصفها جمهورية فيتنام الشيوعية، رغم استمرار عمليات العنف المتقطعة على مدار السنوات الـ 15 اللاحقة، متضمنةً الصراعات مع الصين وكمبوديا المجاورتين. وفي ظل سياسة السوق الحرة الواسعة التي وضعت عام 1986، بدأ الاقتصاد في التحسن، مدعومًا بعائدات تصدير النفط وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية. وكذلك استُؤنفت العلاقات التجارية والدبلوماسية بين فيتنام والولايات المتحدة في التسعينيات.
أما في الولايات المتحدة، فاستمرت آثار حرب فيتنام فترةً طويلة بعد عودة آخر القوات إلى الوطن سنة 1973. وإنفاق الدولة أكثر من 120 مليار دولار على الصراع في فيتنام بين 1965-1973، وقد أدى هذا الإنفاق الهائل إلى تضخم واسع النطاق، تفاقم بسبب أزمة النفط العالمية التي وقعت سنة 1973 والارتفاع الجنوني لأسعار الوقود.
نفسيًا، كانت الآثار أعمق من ذلك بكثير. فقد مزقت الحرب أسطورة أن الجيش الأمريكي لا يُقهر وقسمت الأمة بمرارة. وواجه العديد من المحاربين القدماء العائدين ردود فعل سلبية من كل من معارضي الحرب (الذين عدوهم مسؤولين عن قتل المدنيين الأبرياء) ومؤيديها (الذين رأوا أنهم خسروا الحرب)، إلى جانب الأضرار الجسدية، ومنها آثار التعرض لغازات مبيدات الأعشاب والعامل البرتقالي (وهو مبيد أعشاب استُخدم في حرب فيتنام)، إذ أسقطت الطائرات الأمريكية ملايين الغالونات على غابات فيتنام الكثيفة.
سنة 1982، وُضع النصب التذكاري للمحاربين القدماء في فيتنام في واشنطن، ونقش عليه 57939 اسم من الرجال والنساء الأمريكيون الذين قتلوا أو فقدوا في الحرب، وفي إحصائية إضافية قدرت الحصيلة النهائية بـ 58200.
اقرأ أيضًا:
الحرب الأهلية الأمريكية: لمحة تاريخية
ترجمة: نيفين الشلي
تدقيق: أكرم محيي الدين