كلما عرف الناس عن التغير المناخي والتطور اختلفوا في آرائهم.
يبدو أن فرط التحزب السياسي الذي يجتاح الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة، قد وجد ضحيّةً جديدةً، ألا وهيَ العلم.
دراسات جديدة أثبتت أن الميول السياسية والدينية مرتبطة بظهور التضارب والانقسام في وجهات النظر.
مع ذلك، توجد مفارقة؛ لأنَّهُ كلما اكتسب الفرد علمًا أكثر كلما كانت آراؤه ووجهات نظره متطرّفة. هذا ما ورد في مقال نُشر في مجلة (The proceedings of the national academy of sciences) من إعداد (كايتلين دروموند) و(باروخ فيشوف) من جامعة (كارنيجي) ميلون في بنسلفانيا.
المقال نُشرَ بعد دراسة بيانات المسح الاجتماعي العام حول وجهات النظر الأمريكية حول 6 قضايا مثيرة للجدل:
- التطور البشري.
- الانفجار العظيم.
- أبحاث الخلايا الجذعية.
- التغير المناخي.
- الأغذية المعدلة وراثيا.
- تكنولوجيا النانو.
بالنسبة للقضايا الأربع الأولى، كان هناك تضارب ملحوظ لدى المُستجوَّبين إلاّ أنّ الأخيرتين لم تُظهرا ذلك.
المُستجوبونَ الذين عرَّفوا أنفسهم على أنهم محافظون سياسيًّا أو دينيًّا أبدوا ميلًا كبيرًا لرفض المنهج العلمي في المسائل المتضاربة، بينما أولئك الذين عرَّفوا أنفسهم على أنهم ليبيراليون كانوا أقرب للتقبُّل.
يقول (دروموند) أن الأمر المُحير فيما يخص هذه النتيجة أن الأشخاص الذين يملكون تعليمًا أعلى ومعرفة علميّة أكبر، تميل آراءهم إلى أن تكون متطّرفه أكثر.
بالنسبة لقضايا التغير المناخي والتطور البشري، نلاحظ أنَّهُ كلما كانت المعرفة أكبر كلما رفض المحافظون المنهج العلمي ولكن تقبَّله الليبيراليون.
بالنسبة للمواضيع الأخرى مثل الأطعمة المعدلة جينيًا التي أثارت الجدل في أمريكا ولكنها لم تصبح جزءًا من الصراعات الاجتماعية. فالباحثان (درومند وفيشوف) لم يجدا أي علاقة بين اختلاف مستوى التعليم و الآراء.
إذن كيف يمكننا تفسير ذلك؟ هناك نموذج اقترحه المؤلفان المذكوران، يُعرف باسم (التفكير المتحفز)، هذا النموذج يفترض بأنَّهُ كلما زادت معرفة الإنسان، كلما كان بارعًا في تحليل الأمور لصالح استنتاجاته المفضلة، كما أنهما يراهنان على أنَّهُ كلما زاد تعليم الشخص كلما كان على علم بما تدعمه الطوائف الدينية والسياسية من قضايا ويختارون آراءهم وطريقة تفكيرهم بما يتماشى مع هوياتهم.
هذا بالتأكيد سيكون له تأثير كبير على مجهودات الاتصال العلمي. (دروموند) يقترح أنَّهُ على الاتصال العلمي أن لا يكتفي بالاهتمام بالعلم بحد ذاته، وإنما أيضًا، سياقه وعواقبه على الأمور التي يهتم لها الأفراد، بما في ذلك انتماءاتهم السياسية والدينية. إنما من وجهة نظر براغماتية – نفعية أو مادية – فهذا لا يُعد خبرًا سارًا لمن يُشددون على محافظة العلم على ركائزه المعرفية.
هناك استنتاج إيجابي يشير أنَّهُ كلما زادت الثقة في المجتمع العلمي، كلما زاد التوافق مع المنهج العلمي. ربما عندها يجب على العلماء وعلى المُدافعين عن العلم أن يعملوا على بناء مثل هذه الثقة من كلا الجانبين.
- ترجمة: أُنس بوعنز.
- تدقيق: هبة أبو ندى.
- تحرير: زيد أبو الرب.