من الصعب نسب أصل كل كلمة إلى شخص معين، لكن قاموس أوكسفورد الإنجليزي نسب فضل اقتباس قرابة 1600 كلمة إلى ويليام شكسبير، وهذا أكثر بكثير من أي كاتب آخر، إذ اخترع كاتب المسرحيات الأشهر في العالم مجموعة جديدة من التعابير والكلمات، نورد هنا عشر أمثلة باتت جزءًا لا يتجزأ من قاموس المفردات الحديثة.

ومن الأمثلة الشهيرة عبارة «بريقه يعمي العين» وكلمة «متأنق» ومصطلح «كلب حراسة»، فقد ساهم سيد التلاعب بالألفاظ بإضافة كثير من العبارات التي غدت جزءًا من اللغة المعتادة، فكان أحيانًا هو من يصوغ العبارة، وفي أحيان أخرى كان أول من يستخدمها في الكتابة.

وفقًا لستيفن مارتش مؤلف كتاب (كيف غيّر شكسبير كل شيء) انتفع شكسبير من كثير من التقنيات اللغوية ليصنع كلمات جديدة، إذ حوّل مثلًا كثير من الكلمات الأجنبية إلى الإنجليزية، فقد صنع الكلمة الإنجليزية التي تعني «قاطع طريق» من كلمة إيطالية مشابهة، ودمج البوادئ واللواحق في كلمات موجودة سابقًا ليصنع كلمات جديدة، وحوّل بضعة أسماء إلى أفعال مثل: (to elbow someone out of the way) التي تعني: أزاح أحدًا من الطريق.

يقول مارتش: «لم يستخدم شكسبير سوى اللغة تقريبًا ليحقق التأثير المطلوب … كان خبيرًا في المؤثرات اللغوية، ولهذا السبب لغته مكثفة وشديدة»، وما يزال سبب خلود عدد كبير من كلماته وعباراته على مر العصور لغزًا عصي الحل، ويقول مارتش: «هل يعود السبب إلى أن أعمال شكسبير قد عرضت على القراء لفترة طويلة؟ أم أن السبب يكمن في الكلمات نفسها؟ من الصعب أن نعرف».

1) الوحش أخضر العينين (Green-eyed monster)

في مسرحية (عطيل)، يقول لاغو -العدو اللدود لعطيل- محذّرًا إياه: «احذر يا سيدي من الغيرة، إنها كوحش أخضر العينين يعيب اللحم الذي يقتات عليه». وسبق لشكسبير أن استخدم مصطلح «الغيرة خضراء العينين» في مسرحية (تاجر البندقية)، ولعلّه استغل هذا اللون لأن مؤلفي القرن السابع عشر كانوا يرمزون للمرض بالبشرة الخضراء. وبالمناسبة، العدو اللدود هو مصطلح إنجليزي آخر اخترعه شكسبير أيضًا.

2) الناقد (Critic)

يندب بيرون المتيّم بالحب تصرفاته السابقة المليئة بالحكم على الناس في رواية (الحب مجهود ضائع)، ويشير لنفسه بقول: «ناقد، لا بل شرطي لا ينام»، فقد حوّل شكسبير كلمة إغريقية بمعنى التقييم أو التقرير إلى الإنجليزية، وبهذا أوجد عن غير قصد كلمة استُخدمت قرونًا لوصف المراجعين الذين يمدحون الممثلين والممثلات ويذمونهم حين يقرؤون أعماله.

3) مطاردة الإوز البري (Wild Goose Chase)

أول اقتباس مسجل لهذه العبارة كان في (روميو وجولييت)، فقد أشار ميركوتيو إلى تبادل نكات بينه وبين صديقه روميو بقول: «إن كنت تطارد الإوز البري بذكائك فقد انتهيت، لأنك تملك منه حتمًا أكثر مما قد أمتلك إن ضاعفت ذكائي خمسة أضعاف».

تعني العبارة في هذه الأيام (مهمة ميؤوسًا منها) لأنها تشير إلى المطاردة العقيمة للإوز البر.، لكنها في ذلك الوقت كانت ترمز إلى سباق الخيل الذي يتبع فيه الفرسان قائدًا على طريق غير معلّم وهم يتخذون تشكيلة تحاكي تشكيلة الإوز البري.

4) حار الدم وبارد الدم (Hot-Blooded / Cold-Blooded)

شبّه شكسبير شدة الحماس بدرجة حرارة الدم عدة مرات في مؤلفاته، ففي )زوجات ويندسور المرحات) علّق فولستاف بقول: «دق جرس ويندسور دقته الثانية عشرة، والدقيقة الموعودة تقترب، فليكن الإله حار الدم بعوني الآن»، وفي (الملك لير) أشارت الشخصية الرئيسية في العمل إلى فرنسا بقول: «فرنسا حارة الدماء». وفي الجهة المعاكسة كانت الأرملة كونستانس في (الملك جون) توبخ ليموجيس عديم المشاعر وتصفه بأنه: «العبد ذو الدم البارد».

5) الحليب المقشود (Skim Milk)

استخدم أيضًا في (هينري الرابع) قشدة الحليب ليصف شخصًا ضعيف الشخصية، حين أدان هوتسبور أحد النبلاء لعدم مساعدته في الثورة على الملك بقوله: «يمكنني أن أتقطع وأكون وجبة في مقصف، لأنني الآن أحاول القيام بعمل مشرف بدل حمل طبق من الحليب المقشود».

6) كن كل شيء وانهِ كل شيء (Be-All and End-All)

حين أجل البطل الرئيس في مسرحية (ماكبيث) اغتيال دانكين ملك اسكتلندا، راح يفكر بالعواقب الدينية والدنيوية لذلك ويخاطب نفسه: «قد تكون هذه الضربة هي كل شيء وتنهي كل شيء هنا، لكن هناك في ضفة الزمن تنتظرنا حياة أخرى». وبالمناسبة، اغتيال كلمة أخرى منسوبة لشكسبير أيضًا.

7) المغفل (Zany)

جعل شكسبير كلمة مغفل اسمًا عوضًا عن استخدامها صفةً، وذلك بتغيير كلمة إيطالية مشابهة وجعلها إنجليزية. وأشار باستخدام هذه الكلمة إلى كوميديين إيطاليين في القرن السادس عشر، حاولوا تقليد تصرفات المهرجين والمؤدين الآخرين، وفي (الحب مجهود ضائع) ألقى بيرون باللوم بسبب اكتشاف إحدى خدعه على «مغفل وضيع ما».

8) مقلة العين (Eyeball)

اعتاد شكيسبير على اختراع كلمات جديدة بدمج كلمتين موجودتين أساسًا، ففي مسرحية (العاصفة) أعطى بروسبيرو تعليماته للروح آرييل: «تنكري بهيئة جنية الماء ولا تدعي أحدًا سواي أنا وأنت يراك، كوني خفية عن أية مقلة عين أخرى»، واستخدم أيضًا صيغة الجمع لهذه الكلمة عدة مرات، إحداها في مسرحية (حلم ليلة صيف) حين أمر أوبيرين بيوك أن يرش عصير الزهرة في عين ليساندر حتى «يجعل مقلتي عينيه تدوران لدى رؤيته مشهدًا مألوفًا».

9) بوم الليل (Night Owl)

حين كتب شكسبير عبارة: «راح بوم الليل يصرخ في الوقت الذي كان من المفترض أن تغني فيه القبّرات»، في مسرحيته (ريتشارد الثاني) كان يقصد به الطيور الليلية، ولكنه استخدم المصطلح في قصيدته النثرية (اغتصاب لوكريس) كتشبيه ليصف به الناس الذين ينتمون للحياة الليلية بقوله: «قال هذا، ثم أمسك بيده المذنبة المزلاج وفتح الباب على مصراعيه، تنام الحمامة حتى تتمكن بومة الليل من إمساكها، وهذه فائدة الخيانة، تظهر قبل اكتشاف الخونة».

10) اسم جيسيكا (The Name: Jessica)

يشير مارتش إلى أن أهم إضافة أضافها الكاتب العظيم إلى اللغة الإنجليزية هو اسم جيسيكا، وقد يكون هذا الاسم مقتبسًا من الكتاب المقدس، وقد استخدمه كاتب المسرحيات لابنة التاجر شايلوك في مسرحية (تاجر البندقية)، يقول مارتش: «لم يسمّ أحد ابنته جيسيكا لأن شكسبير اخترع الاسم، هم يفعلون ذلك لأن الاسم جميل».

اقرأ أيضًا:

إرنست هيمنجواي: سيرة شخصية

24 من أذكى الشخصيات في التاريخ البشري

ترجمة: زينب العزاوي

تدقيق: تمام طعمة

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر