كشف زيف أكبر الأخطاء حول متلازمة التعب المزمن
جميعنا نعرف أشخاصًا لا يحبون عمل أي شيء، أشخاص تتعبهم أقل التمارين جهدًا، أو يشعرون بالتعب حتى دون أن يفعلوا أي شيء، قد لا يكون هؤلاء الأشخاص يعانون من أي حالة مرضية، وقد تكون عزيزي القارئ أمام مريض مصاب بأحد أشكال متلازمة التعب المزمن، فإليك بعض المعلومات التعريفية بهذا المرض، وأحد آخر الأبحاث العلمية حول الموضوع.
متلازمة التعب المزمن CSF أو ما يعرف بالتهاب الدماغ والنخاع العضلي ME هي أحد أكثر الحالات المرضية تعقيدًا، فهي تصيب أكثر من مليون أمريكي وما نسبته 2.6٪ من سكان العالم، إذ تسبب تعبًا حادًا قد يجعل المريض غير قادر على الدراسة أو العمل، والمشكلة أن هذا التعب لا يذهب بالراحة.
من أعراضه التعب الشديد الذي يأتي فجأة خاصة إذا كنت مصابًا سابقًا بالإنفلونزا، والتهابات حلق وانتفاخات في العقد اللمفية لاسيما الرقبية، وآلام عضلات ومفاصل دون حدوث أي التهاب فيها، وصداع وتقلبات مزاجية وأعراض عصبية أخرى.
حاول العلماء لعقود إيجاد السبب الكامن وراء الإصابة بالمرض، مما قاد بعض الأطباء إلى الاعتقاد بأنه ليس مرضًا حقيقيًا، لكن مؤخرًا كشف علماء أستراليون بأن ذلك ليس صحيحًا، مظهرين للمرة الأولى بأن متلازمة التعب المزمن ترتبط بوجود خلل في مستقبل (بروتين خاص على سطح الخلية) موجود على الخلايا المناعية.
يقول ليان إينوك وهو الوزير العلمي لولاية كوينزلاند الأسترالية التي تدعم هذا البحث: «إنه اكتشاف مهم جدًا لكل المصابين بمتلازمة التعب المزمن (التهاب الدماغ والنخاع العضلي)، كما أن البحث يؤكد بأن ما يعانيه هؤلاء الأشخاص هو مرض حقيقي وليس حالة نفسية».
ويتابع: «إن تشخيص CSF/ME أمر بالغ الصعوبة، فغالبًا ما تمر سنوات دون أن يحصل المرضى على العناية والاهتمام الطبي الصحيح الذي يحتاجونه».
إن هذه الدراسة ليست فقط الأولى التي أظهرت وجود خطأ في المستقبلات يؤدي إلى إحداث تغيرات في وظيفة الجهاز المناعي، بل أيضًا أعطتنا فكرة بعيدة للمستقبل كي ننطلق منها لأجل العلاج والاختبارات التشخيصية.
صنّفت الولايات المتحدة CSF/ME على أنه مرض منذ سنتين، لكن للأسف لا يوجد حتى الآن طريقة لتشخيص المرض، أو لعلاجه بشكل فعال، بل في الواقع إن أكثر علاجين يُستخدمان الآن هما بتطبيق الطريقة المعرفية السلوكية والتمارين، وليس هناك أي دليل يدعم أنهما يجديان نفعًا، وغالبًا ضررهما أكثر من فائدتهما.
والآن وبحسب الدراسة فإن صلب الخلل في هذا المرض هو وجود مستقبلات خلوية غير وظيفية.
انتشر الخبر بعد أن أعلن الباحثون من جامعة غريفيث بأن المادة الوراثية للمرضى تملك أشكالًا مختلفة لنكليوتيد يُرمّز (يعمل على تركيب) مستقبلات خاصة على غشاء الخلية.
يعرف هذا المستقبِل باسم TRPM3 وهو مستقبل عابر للغشاء، والذي له في الحالة الطبيعية دور أساسي في نقل الكالسيوم من خارج الخلية إلى داخلها، حيث يساعد الكالسيوم في التعبير الجيني وتركيب البروتينات.
أظهرت العديد من الأوراق البحثية التي تمت مراجعتها من قبل الزملاء والتي نشرتها جامعة غريفيث أن مرضى CSF/ME يملكون تعبيرًا خاطئًا عن هذه المستقبلات (TRPM3).
في الدراسة الأخيرة، درس العلماء عينات دم تعود إلى 15 مريضًا و25 شخصًا سليمًا، ووجدوا أن للخلايا المناعية عند المرضى عدد أقل من هذه المستقبلات، وبالتالي شوارد الكالسيوم لن تتواجد داخل خلايا المرضى بالكمية المطلوبة، مما سيؤدي لخلل وظيفي فيها.
وما يجعل الأمر أسوأ هو أن هذه المستقبلات لا توجد فقط على سطح الخلايا المناعية، بل على سطح كل خلايا الجسم، وهذا لا يوضح فقط مدى صعوبة التشخيص بل مدى شدة الأعراض أيضًا، إذ أن البحث أجري على عينة من الخلايا هي الخلايا المناعية.
يقول دون ستاينس وهو أحد العلماء ومساعد مدير المركز الوطني للأمراض العصبية المناعية في جامعة غريفيث لموقع ساينس ألرت: «ما وصلنا إليه يفسر لنا شدة المرض وصعوبة فهمه».
ويتابع: «يؤثر هذا الخلل الوظيفي على الدماغ والحبل الشوكي والبنكرياس مما يفسر وجود العديد من التفسيرات المختلفة عن سبب المرض، حتى أن المرضى أحيانًا يعانون من أعراض قلبية، أو أعراض معوية».
وقد أربك هذا الأمر الأطباء لفترات طويلة، وأدى إلى تشخيصات خاطئة للحالة، ولكن وبحسب نتائج البحث الجديد يمكننا تفسير كل هذه الأعراض بالاضطراب الحاصل في مستقبلات قنوات الكالسيوم هذه.
يقول ستاينس: «المشاكل الخطيرة التي تحدث في خلايا المرضى سببها الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه المستقبلات في وظيفة الخلايا».
لنكن واضحين، فالبحث لا يزال في مراحله الأولى بعد، وكل ما نعرفه بأن الخلل الحاصل في مستقبلات قنوات الكالسيوم له الدور الأساسي في المرض، ولايزال أمامنا الكثير من العمل ليُنجز.
ويشرح ستاينس بأن البحث يفسر أيضًا سبب تعرض المرضى لحوادث رض وإصابات خطيرة أكثر من غيرهم، ذلك لأن هناك نوعًا من مستقبلات (TRPM3) تعرف بمستقبلات الخطر، والتي تتفعل عند تعرض الجسم لأي نوع من أنواع الخطر كعدوى أو رض أو حتى عند الولادة.
حتى الآن لايزال كل ذلك فرضيات، لكنها نقطة مهمة ليبدأ عندها العلماء بالتوسع في الأبحاث، وعلى كل حال بدأ ستاينس وفريقه بالعمل على إيجاد أفضل الطرق التي يمكن أن تستخدم لكشف الخلل في المستقبلات، بالتالي يمكنهم عندها الحصول على اختبار لتشخيص المرض.
كما أنهم يتطلعون لإيجاد دواء يماثل هذه المستقبلات الخاصة كي يستخدم في علاج المرض.
يشرح ستاينس: «لا نعلم إن كان باستطاعتنا بالضرورة علاج المرض، لكن قد نستطيع مساعدة المرضى ليحيوا حياة طبيعية».
إن البحث يذكرنا بمدى أهمية متلازمة التعب المزمن، وبمقدار عدم فائدة أو حتى ضرر العلاجات المتبعة الحالية.
يقول ستاينس لموقع ساينس ألرت: «إنه مرض متعِب للغاية، فالمرضى قد يموتون في حال عدم التعامل مع المرض بشكل جدّي، كما أن البحث الجديد يبين كم أن إجراء التمارين أمر ضار ويعرض الجسم لضغط عالٍ».
نشر آخر بحث عن المرض على موقع المناعة التجريبية السريرية على هذا الموقع:
المقال
ترجمة: ولاء سليمان
تدقيق: جعفر الجزيري
المصدر الأول
المصدر الثاني