وفقًا لنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، إذا تصادم فوتونان بقوة كافية لتحطيمهما فقد تتولد مادة منهما، وهي زوج الإلكترون والبوزيترون، أي تحويل الضوء إلى كتلة. تسمى هذه العملية بعملية بريت ويلر، نسبةً إلى العالمين الفيزيائيين غريغوري بريت وجون ويلر اللذان طرحاها أول مرة عام 1934.
لكن المراقبة المباشرة لهذه الظاهرة التي تنطوي على فوتونين فقط يُعد أمرًا صعب المنال، لأن الفوتونات بحاجة إلى أن تكون نشطة جدًا -مثل أشعة جاما- وليس لدينا بعد التكنولوجيا اللازمة لبناء ليزر أشعة جاما.
أشار فيزيائيو مختبر بروكهافن الوطني في نيويورك إلى إنهم وجدوا طريقة للالتفاف حول هذا العائق باستخدام مصادم الأيونات الثقيل النسبي (RHIC)، ما أدى إلى مراقبة مباشرة لعملية بريت ويلر في أثناء حدوثها. قال الفيزيائي «شانغبو شو» من مختبر بروكهافن:
«أدرك بريت وويلر في ورقتهما أن هذا أقرب إلى المستحيل، لأن الليزر لم يكن موجودًا بعد حينها، لكنهما اقترحا حلًا بديلاً، بتسريع الأيونات الثقيلة، وهو ما نحققه بالضبط في مصادم الأيونات».
ولكن ما علاقة الأيونات المتسارعة بتصادم الفوتونات؟ تتضمن العملية -كما يوحي اسم المصادم- أيونات متسارعة، وهي نوى ذرية مجردة من إلكتروناتها، ولأن الإلكترونات سالبة الشحنة والبروتونات -داخل النواة- موجبة الشحنة، فإن تجريد النواة من الإلكترونات يتركها بشحنة موجبة، وكلما كان العنصر أثقل، زاد عدد البروتونات، وزادت الشحنات الموجبة للأيونات الناتجة.
استخدم الفريق أيونات الذهب، التي تحتوي على 79 بروتونًا، وشحنة قوية. عندما تتسارع أيونات الذهب إلى سرعات عالية جدًا، فإنها تولد مجالًا مغناطيسيًا دائريًا قد يكون بنفس قوة المجال الكهربائي المتعامد في المصادم، وإذ تتقاطع هذه الحقول المتساوية، يمكن إنتاج جسيمات كهرومغناطيسية أو فوتونات.
يوضح شو: «عندما تتحرك الأيونات بسرعة تقارب سرعة الضوء، فإن مجموعة من الفوتونات تحيط بنواة الذهب وتسافر معها مثل السحابة».
تتسارع الأيونات في مصادم الأيونات إلى سرعات نسبية، تقترب كثيرًا من سرعة الضوء، بلغت في هذه التجربة 99.995% من سرعة الضوء.
وهنا يحدث السحر حقًا، فعندما يتقابل أيونان دون اصطدامهما بفارق بسيط جدًا، قد تتفاعل سحابتاهما من الفوتونات وتتصادما، ومع إننا لا نستطيع الكشف عن تصادمات الفوتونات نفسها، فإننا نستطيع كشف أزواج الإلكترون والبوزيترون الناتجة عن التصادم. لكن هذا ليس كافيًا أيضًا.
إذ إن الفوتونات التي ينتجها التفاعل الكهرومغناطيسي هي فوتونات افتراضية، تظهر فترةً وجيزة وتختفي، وليست بنفس كتلة نظيراتها الحقيقية. كي تكون عملية بريت ويلر حقيقية، يجب أن يصطدم فوتونان حقيقيان، لا فوتونان افتراضيان، ولا حتى فوتون افتراضي مع فوتون حقيقي.
عند السرعات النسبية القريبة من سرعة الضوء للأيونات، بإمكان الجسيمات الافتراضية أن تتصرف مثل الفوتونات الحقيقية. لحسن الحظ، توجد طريقة يتمكن الفيزيائيون بواسطتها من تحديد أزواج الإلكترون والبوزيترون التي نشأت من عملية بريت ويلر، وذلك بتحديد الزوايا بين الإلكترون والبوزيترون في الزوج الناتج عن الاصطدام.
ويمكن تحديد كل نوع من أنواع الاصطدام -افتراضي افتراضي، أو افتراضي حقيقي، أو حقيقي حقيقي- بناءً على الزاوية بين الجسيمين الناتجين، ولهذا كشف الباحثون زوايا أكثر من 6000 زوج من الإلكترون والبوزيترون المتولدة في أثناء تجربتهم وحللوها، وعندما وجدوا زوايا متوافقة مع تلك التي تنتج من التصادمات بين الفوتونات الحقيقية، عُدّت التجربة عملية بريت ويلر بالفعل.
يقول الفيزيائي دانييل براندنبورغ من مختبر بروكهافن: «قسنا أيضًا كل الطاقة وتوزيعات الكتلة والأرقام الكمية للأنظمة، وهي متوافقة تمامًا مع الحسابات النظرية لما سيحدث للفوتونات الحقيقية عند تصادمها. تقدم نتائجنا دليلًا واضحًا ومباشرًا على خلق أزواج من المادة والمادة المضادة من تصادم الضوء كما توقعها بريت وويلر».
قد يكون من المنطقي القول إننا لن نرصد أول عملية بريت ويلر صرفة بتصادم فوتونات مفردة قبل أن نتمكن من مصادمة فوتونات تقارب طاقة أشعة جاما، ومع ذلك فإن عمل الفريق مقنع كثيرًا، فهو يظهر على الأقل أننا نخطو خطوات صحيحة.
اقرأ أيضًا:
مصادم الهدرونات الكبير (مقالة مفصلة)
ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب
تدقيق: محمد حسان عجك