عند التفكير في قمر اصطناعي، فعادة سيخطر على بالنا أنه صندوق معدني بداخله مكونات إلكترونية؛ لأن معظم الأقمار الاصطناعية صُنعت بهذه الطريقة عبر التاريخ، ولكن لا شيء يمنع استخدام مواد أخرى لبناء الأقمار الاصطناعية. أكمل فريق من الباحثين اليابانيين اختبار نوع من الخشب (خشب الماغنوليا) لاستخدامه في بناء قمر اصطناعي حقيقي.
يعتمد المشروع المعروف باسم ليغنوسات LignoSat، على فكرة بسيطة مفادها أن الخشب يمكن استخدامه بصفته مادة بناء، فهو يتفوق على المعدن في التطبيقات الفضائية في بعض النواحي نظرًا لمرونته وقوته وخفة وزنه نسبيًا. عندما يعود قمر اصطناعي إلى الغلاف الجوي ويبدأ في الاحتراق، فإن بعض الأجزاء من غلافه -عادةً الألومنيوم- تنفصل عن هيكله الرئيسي وتتخذ مدارًا خاصًا بها حول الأرض دون أن تحترق بالكامل في الغلاف الجوي، وتلك مشكلة أخرى يحاول العلماء تقليل حدوثها.
قد تشارك هذه النفايات المدارية في مشكلة التزايد المستمر للحطام الفضائي، وباستخدام نوع مختلف من المواد في تغليف مكونات قمر اصطناعي ما مثل الخشب، قد نتخلص من تلك المشكلة.
لم يختبر أحد كيف سيتفاعل الخشب في بيئة قاسية مثل فراغ الفضاء الخارجي؛ لأنه كان يومًا ما جزءًا من كائن حي، فهناك احتمالية واردة لحدوث بعض النتائج السلبية.
ما أفضل طريقة لمعرفة ذلك؟ نعم التجربة، وهذا ما فعله باحثو ليغنوسات على محطة الفضاء الدولية ISS.
في عام 2022 ولمدة 290 يومًا، وضع الباحثون قطعًا خشبية اختبارية من عدة أنواع مختلفة من الخشب على الغلاف الخارجي لمختبر كيبو الياباني Kibo Experimental Module في محطة الفضاء الدولية، وأعادوها مرةً أخرى إلى الأرض في يناير 2023 على متن مركبة الإمداد CRS-26.
بعد عودة العينات التي وُضعت على الغلاف الخارجي لقمر اصطناعي إلى الأرض، أخضعها باحثو ليغنوسات في جامعة كيوتو، وشركة سوميتو فوريستري (جزء من تكتل ياباني كبير) إلى عدة اختبارات، أظهرت أنه لا يوجد تغير ملحوظ في الشكل، أو تقشير أو تلف على السطح في أي من العينات، على الرغم من تعرضها المستمر للإشعاع لأكثر من ستة أشهر.
كذلك لم يكن هناك تغيير جوهري في كتلة العينات، ما يظهر قدرتها على توفير حماية طويلة الأجل لأي مكونات داخلية لقمر اصطناعي.
برزت عينة خشب محددة من مكانها، لكن كان ذلك بسبب خصائصها الطبيعية وليس بسبب أداء استثنائي معين في الفضاء.
اختار الفريق من بين تلك العينات عينة خشب الماغنوليا، ويعرف أيضًا باسم «هونوكي Hoonoki» باللغة اليابانية، بسبب مرونته النسبية وتوفيره لقوة دعم كافي.
سيشكل خشب الماغنوليا الغلاف الخارجي لقمر اصطناعي ستطلقه ليغنوسات في مهمة مشتركة بين NASA/JAXA في عام 2024.
في غضون ذلك، سيستمر الباحثون في دراسة العينات المعادة من محطة الفضاء الدولية، واستخدام أجهزة أكثر قوة في البحث عن أي تدهور بنيوي قد حدث على المستوى المجهري.
تعد نتائج تلك الدراسة ذات أهمية خاصة؛ نظرًا لتأثيرها على اختيار الخشب المناسب لتطبيقات معينة هنا على الأرض.
في النهاية، هذه ليست سوى الخطوة الأولى في رحلة ستغير قواعد اللعبة في استغلال خواص المواد وتأثير ذلك في مستقبل صناعة الأقمار الاصطناعية الصغيرة.
اقرأ أيضًا:
هل تساءلتَ يومًا لماذا تبدو الأقمار الإصطناعية مغطاة بصفيحة ذهبية أو فضيّة؟ ها هي الإجابة
ما هي الأقمار الصناعية وكيف تعمل؟ وما هي فائدتها لنا
ترجمة: عمرو أحمد
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: عبد المنعم الحسين
