ما قلق السعي إلى المكانة؟
يظهر قلق السعي إلى المكانة عند شعور الفرد بنوع من الخوف أو التقلقل حيال مهنته ومكتسباته المالية. قد يعتقد أولئك الذين يعانون قلق السّعي إلى المكانة أن الآخرين يزدرونهم أو أنهم أدنى مرتبةً من غيرهم وذلك سببه خلفيتهم الاجتماعية. وهو ما يشعر به من هم فقراء على الصعيد المادي، إضافةً إلى شعورهم بالخجل والعار حيال مكانتهم. وقد يعتقدون أن الآخرين يحاكمونهم أو يظنون أنهم فاشلون أو حتى دونما قيمة نتيجة إيراداتهم المالية القليلة.
لماذا يظهر قلق السعي إلى المكانة ؟
التفسير الأبسط للسبب وراء معاناة الناس قلق السعي إلى المكانة هو افتراض العديد منا أن الناس يتعاملون بشكل ألطف مع من يفوقونهم بالمكانة والمكتسبات المالية. ووجهة النظر هذه ذائعة الصيت خاصةً في الثقافات الرأسمالية الذي يتصف بتركيزه المُكثَّف على المهنة التي يمارسها الأفراد لتحصيل رزقهم وكيفية تحديدها لماهيتنا الإنسانية.
أول من وثّق مفهوم سيطرة قلق السّعي إلى المكانة على المجتمع واختصره كان الفيلسوف السويسري ومقدّم البرامج التلفزيونية آلان دو بوتون. ولاحظ دو بوتون أن هذه النظرة للآخرين والإعجاب بهم يعلو ويخفت -مهما كان مُضلّلًا وعقيمًا- اعتمادًا على مكانتهم المادية ومهنتهم.
إن قلق السعي إلى المكانة مشكلة متفاقمة باستمرار، وتبدو أنها تتفاقم بمرور الوقت مع ازدياد السبل التي تُمكن الفرد من تحقيق “المكانة”.
تنتشر القصص في المجلات والصحف والأفلام الوثائقية عن أشخاصٍ “حقّقوا المجد” بطريقةٍ ما، وبالنسبة للذين لم يحققوا المجد، فإنهم سيقارنون أنفسهم بأولئك الذين وصلوا إليه، وعليه سيستمر قلق السعي إلى المكانة بالتعاظم مع تنامي شعورنا بالفشل وبأن الآخرين يحاكموننا بسبب فشلنا.
لمَ يُعدّ قلق السعي إلى المكانة قضيةً مهمة؟
قد لا يبدو الشعور بالقلق حيال منزلتك في الحياة قضيةً خطيرة، إلا أن آلان دو بوتون أشار إلى أن قلق السعي إلى المكانة مدمِّرٌ أكثر مما يدرك البعض. ذلك لأنه يدفع الناس الذين يفتقرون إلى مكانة مرموقة -وفقًا لوجهة نظر المجتمع- إلى الاعتقاد أن جوهرهم الساحر والبديع بلا قيمة على الإطلاق ما لم يمتلكوا منصبًا مهنيًا مؤثّرًا بحوزتهم. ويدفع الناس إلى إغفال ما يملكونه من رفاهيات في سبيل مطاردة أهداف هي على الأرجح مستحيلة الإدراك. وفي النهاية سيفاقم ذلك من قلقهم في السعي إلى المكانة، إذ حالما يحققون هدفًا ما سيقارنون أنفسهم بفرد آخر يتمتع بمكانة تفوق مكانتهم.
ما الذي بمقدورنا فعله حيال قلق السعي إلى المكانة؟
الخطوة الأولى لتخطي قلق السعي إلى المكانة هي إدراكك أنك تعانيه وأنك ربما كنت تقيّم الآخرين على أساس مكانتهم بالمقابل.
أبدى دو بوتون أن الشفاء لكل أولئك الذين يعانون قلق السعي إلى المكانة يكمن في أن تتنحى بنفسك عن سباق السعي إلى المكانة مرةً واحدة. ويتضمن ذلك التأكيد على عدم الانخراط في تقييم الآخرين على أساس مكانتهم، والتركيز على الأشخاص المحيطين بك والذين يرون جوهرك بصرف النظر عن مهنتك أو مكتسباتك المادية، والذين يستثمرون الوقت الكافي في فهمك ومعرفتك على الصعيد الشخصي.
ويؤكّد دو بوتون مضيفًا، أنك حالما تدرك قيمتك على الصعيد الإنساني فستجد بالمقابل من السهل أن تضع ثقتك في ذاتك لتجرّب وترتكب الأخطاء وتحقق أهدافك دون الشعور بالضآلة خلال هذه الرحلة.
وفي سبيل التخلص من المشكلة، إليك بعض المعايير خطوة بخطوة التي توضّح الآليات التي تساعدك في التخلص من قلق السعي إلى المكانة بالتحرر من المعايير الاجتماعية والمقارنات. تضيء هذه المعايير في فحواها على أهمية إدراك أن المزيد من المال لن يجلب معه بالضرورة المزيد من البهجة ولن يصنع منك إنسانًا أفضل. وبدلًا من ذلك، الأفضل هو أن تصرف تركيزك إلى قيمتك الجوهرية وأهدافك الحياتية وبهجتك الداخلية.
إليك بعض الأمثلة التي لخّصها الكاتب لي ستيفينس حول الطرق التي تحوّل فيها طاقتك وتخلق حياة أكثر سعادة لا ترتكز فحسب على مدخولك المادي للمصادقة على أهميتها:
عوِّد ذاتك على التواضع:
من الصعب الوصول إلى التواضع، لكن وعيك بمدى صغرك في حياتك اليومية سيذّكرك بأهمية رفضك للتقييم على أساس ثروتك المالية، ورفضك بالمقابل أن تقيّم الآخرين على هذا الأساس.
ابقَ على بيّنة:
استغرق وقتك في التثبّت من قيمك الجوهرية وسائل نفسك حول ما تؤمن به وحول ما يعنيه لك القيام بالصواب، وذلك للبدء في مراجعة أهمية الثروة النقدية.
ساهِم بشيء قيّم:
أعِد تشكيل طريقتك في الحياة بصورة توقف فيها مقارنة نفسك بالآخرين، وإنما انخرِط في علاقات اجتماعية ذات مغزى وتشارَك فيها التجارب والمعرفة بدلًا من قضاء الوقت في المقارنات.
استمتع بالحياة لا المقتنيات:
الرحلة هي مفهوم لا يمكن للمال شراؤه. من المستحيل تثمين الذكريات والتجارب. والاستمتاع بالحياة مع عائلتك وأصدقائك لهو أمرٌ عزيز وسيجلب لك سعادةً لا توصَف أكثر مما بإمكان المال منحك إياه.
اقرأ أيضًا:
هل تزداد السعادة بزيادة الأموال؟
سر السعادة: العائلة أم الأصدقاء؟
ترجمة: سِوار قوجه
تدقيق: نايا بطّاح