سجل فيزيائيون مشهدًا جديدًا من مشاهد تجربة قطة شرودنجر الشهيرة، إذ عمدوا إلى وضع جزءٍ من بلورة الياقوت في حالة تراكبٍ كمي؛ أدت إلى تصيّرها أثقل من أي شيءٍ كان، قد أبدى انطباعات كمومية واضحة مسبقًا.

بعملهم هذا يكونون قد استحضروا أعتى السلوكيات غرابةً في الأطوار من عالم ميكانيكا الكم إلى نطاقات أوسع من أي وقت مضى.

طُبقت هذه التجربة بواسطة توليد اهتزازات لما يقرب 100 مليار ذرة حبيسة ضمن بلورة ياقوت وبقياس ذرة رمل؛ حالت تلك التجربة إلى خلق أثقل حالةٍ لتراكب كمومي مُسجلة في عالم ميكانيكا الكم، فقد كانت تلك البلورة تتأرجح في اتجاهين مختلفين وبنفس الوقت، وعلى الرغم من وزنها المقدّر بحوالي 16 ميكروغرام (16 جزءًا من المليون من الغرام الواحد) تُعدّ هذه البلورة أكبر حجمًا بتريليونات المرات من الجزيئات المركونة سلفًا في الحالات الكمومية الشهيرة، إضافةً إلى أنها شُكلت وهي مرئية للعين المجردة.

أُثنيَ على التجربة وما أنتجته بوصفها تقدم نموذجًا واعدًا للاستفادة من تجربة إروين شرودنجر المعروفة، إذ يمكن توظيف بلورة قطة شرودنجر الجديدة هذه في تصميم أجهزة حواسيب كمومية بالغة التأثير في استدلالها على نماذج لعدم رؤية مظاهر كمومية حقيقية في العالم الواقعي، ونشر الباحثون التجربة هذه في مجلة Science.

وفي حديثه عنها، يقول المؤلف الرئيسي للأبحاث يوين تشو، بروفيسور فيزياء لدى مختبر فيزياء المادة الصلبة في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ “ETH”: «ما يمكن تأكيده داخل المختبر هو عدم إدراكنا لتجربة خلق قطة شرودنجر فعلية تزن عدة كيلوغرامات، لكنه عند تعريف اثنتين من حالات التذبذب للبلورة في أثناء عملية تراكبها الكمومي، فإنّه وبفاعلية يمكن أن تُخلق قطة شرودنجر بوزن يبلغ 16 ميكروغرام».

ومما يتوجب استذكاره هو فكرة تجربة قطة شرودنجر، التي عادةً ما توصف بكونها أغرب قواعد عالم ميكانيكا الكم، ويأتي بمضمونها تخيّل قطة داخل صندوق معتم وبرفقتها قارورة تحتوي مواد سامة تمتاز بآلية تحرير مُقادة بواسطة الاضمحلال الإشعاعي (إجرائية كمومية بشكل كامل).

يُصاحب ذلك الموقف رأي شرودنجر الذي يتبنى بمباركة ميكانيكا الكم وجود تزامنٍ بين حالتي الموت والحياة للقطة مع بعضهما سويةً ولغاية فتح الصندوق وملاحظة القطة.

كما هي طبيعة المظاهر الكمومية التي عادةً ما تكسر الروابط وتختفي عند المجالات المجهرية، تكمن قوة مقاربة قطة شرودنجر في أثناء عرضها للفروقات الأساسية فيما بين عالمنا وعالم الأبعاد متناهية الصغر، ولغاية هذه اللحظة بُرهن عدم وجود حدود دقيقة بين هذين العالمين؛ نتيجة لعدم الفصل هذا سُمح للفيزيائيين ببدء عمليات التملق المعقد بحق أشياءٍ ذات نطاقات مجهرية وإبصار تصرفاتها الكمومية الخارجة عن المألوف.

بالعودة إلى تلك التجربة، ربط الباحثون القائمون عليها الشطر المهتز من بلورة الياقوت بناقل كهربائي نوعي ببلوغ حالة التراكم الكمي بين هذين المسارين بنفس الآن، وصولًا إلى هزه بطريقة معينة ومستمرة.

عُمد في نتائج هذه التجربة خلق فعلي لقطة شرودنجر الكمومية، وكذلك قياس الباحثين إمكانية العزل المكاني لحالتي الاهتزاز الملاحظتين ضمن البلورة، وعلى الرغم من قصر المسافة المكانية بينهما -تكون المسافة متناهية في الصغر وتحديدًا من رتبة جزءًا من مليار من مليار من المتر- فإنه يوجد تمايز صريح ومعرّف جيدًا بين حالتيهما الحراريتين العشوائيتين وكذلك اهتزازاتهما الكمومية وبهذا يُستدل عمليًا على وجود القطة.

كآفاق مستقبلية لهذه التجربة، يتوق البروفيسور تشو إلى زيادة كتلة بلورة قطة شرودنجر أكثر من ذلك، وكذلك خلق أشياء كمومية مجهرية الحجم من شأنها المساهمة في زيادة موثوقية تخزين المعلومات في الحواسيب الكمومية مستقبلًا. إضافةً إلى إمكانية توظيفها في عمليات البحث المحتمل عن المادة المظلمة وأمواج الجاذبية أو حتى في كشف كيفية اختفاء التأثيرات الكمومية لحظة الوصول إلى وضعية قطة شرودنجر الحقيقية.

اقرأ أيضًا:

ما هي قطة شرودنجر ؟

الفيزياء وراء قطة شرودينجر

ترجمة: علي الذياب

تدقيق: نينار راهب

المصدر