في ظل ما يدور في العالم من أزمات واختناقات اقتصادية، توجد دول عديدة بدأت تعلن إفلاسها وفشلها في إدارة أزماتها المالية، ومنها دولة سيريلانكا التي تلقت خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي في مارس 2023 وسط ارتفاع معدلات التضخم والديون والتخلف عن سداد الديون السيادية.
بمقابل 3 مليارات دولار أمريكي، التزمت الحكومة بتخفيض الإنفاق وإصلاحات القطاع الضريبي والمالي، وقد حالت هذه الأمور دون تعافي الأجور في سريلانكا بعد أن انخفضت إلى النصف تقريبًا بالقيمة الحقيقية خلال الأزمة المالية السابقة، ما أدى إلى احتجاجات في شوارع كولومبو.
كانت تجربة السريلانكيين مع هذه التدابير بعيدة كل البعد عن التجانس، وتشير الأدلة الناشئة إلى أن الحكومة بقيادة رانيل ويكرمسينغ، وهو جزء من الأغلبية السنهالية البوذية، قد ركزت الأعباء في المقام الأول على الأقليات العرقية الأفقر في سريلانكا وتدعم المعارضة عادة.
سعت الحكومة إلى حماية النخبة، وهي في المقام الأول من السنهاليين البوذيين، وذلك من خلال تجنب فرض ضرائب على الثروة وإجراء زيادات صغيرة فقط في ضريبة الشركات، إذ وضعت تكاليف التقشف على عاتق ذوي الدخل المنخفض بمضاعفة معدل ضريبة القيمة المضافة إلى 15%.
إضافةً إلى ذلك، ضاعفت الحكومة الضريبة التي يدفعها الناس على عوائد صناديق التقاعد، ومرة أخرى، فإن هذا يؤثر بشدة على الأقليات العرقية الفقيرة لأنها في كثير من الأحيان تكسب أقل مما يُمكّنها من دفع ضريبة الدخل.
لسوء الحظ، فإن هذه التجربة جزء من نمط عالمي.
يوضح كتاب بعنوان «إقراض صندوق النقد الدولي: الحزبية والعقاب والاحتجاج»، كيف تلقي الحكومات عبء التكيف على أنصار المعارضة، في حين تحمي مؤيديها، أو بعبارة أخرى، تستخدم برامج صندوق النقد الدولي لتحقيق مكاسب سياسية.
برامج صندوق النقد الدولي والأبحاث السابقة:
لاحظ الباحثون منذ فترة طويلة أن برامج إعادة هيكلة صندوق النقد الدولي تخلق فائزين وخاسرين، ولكن دائمًا فيما يتعلق بقطاعات مختلفة من الاقتصاد، على سبيل المثال، تبين أن الحقيقة المتعلقة بمحاولة البرامج تعزيز الصادرات، تفضل المزارعين وأصحاب الأعمال على موظفي الدولة من الطبقة المتوسطة الحضرية مثل موظفي الخدمة المدنية.
يُسلط الضوء على مشكلة مقارنة القطاعات البحتة عندما تنظر إلى تجارب المواطنين، فقد أظهر جزء من بيانات المسح الذي استخدمناه في بحثنا، الذي غطى تسع دول في أفريقيا، أن ثلاثة من كل عشرة من موظفي الخدمة المدنية يعتقدون في الواقع أن إصلاحات صندوق النقد الدولي جعلت حياتهم أفضل، في حين لم تلاحظ نسبة مماثلة أي فرق.
من المسلم به أن هذه البيانات ترجع إلى الفترة الممتدة من 1999 إلى 2001، إذ إنَّ أيًّا من الدراسات الاستقصائية الأحدث التي استُخدمت لم تطرح هذا السؤال، ولكنها تثير نقطة مهمة:
إذا كانت إصلاحات صندوق النقد الدولي سيئة تمامًا بالنسبة للخدمة المدنية، فلماذا يكون الكثير من موظفي الخدمة المدنية متفائلين بشأن الإصلاحات؟ ومن المرجح أن تكون السياسة هي القطعة المفقودة من اللغز.
تشير الأدبيات الأكاديمية الواسعة بالفعل إلى أن الحكومات كثيرًا ما تستخدم صلاحياتها التقديرية لممارسة السياسة على قروض التنمية. على سبيل المثال، وجدت دراسة حديثة أن المشاريع الممولة بأموال صينية من المرجح أن تُنفَّذ في منطقة ميلاد الزعيم السياسي.
في حالة برامج صندوق النقد الدولي، يفترض عادة أنها تعمل على تضييق الخيارات السياسية المتاحة للحكومات المقترضة، ولكن هذا تبسيط مبالغ فيه. من المؤكد أن المقترضين يتمتعون بقدر أقل من الحرية الشاملة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، لكنهم يحتفظون بسلطة تقديرية واسعة في كيفية تنفيذ شروط القروض.
الدراسة التالية هي الأولى التي تحدد كيفية استخدام هذه السلطة التقديرية وتفحص عواقب الاحتجاجات داخل البلدان المعنية.
دراسة فريدة:
جمع مركز أبحاث بيانات المسح الفردي من أكثر من 100 دولة، وذلك من أربعة مصادر مستخدمة على نطاق واسع: Afrobarometer، Asian Barometer، Latinobarómetro، وWorld Values Surveys. ويغطي فترة زمنية مدتها 40 عامًا حتى أواخر عام 2010، مع فترات تختلف من منطقة إلى أخرى.
اطلعت الدراسة أولًا على ما إذا كان مؤيدو المعارضة لديهم تجارب مختلفة في الإصلاحات مقارنة بمؤيدي الحكومة، ومن المؤكد أن هذه كانت بالفعل أكثر سلبية.
ما يدعو للقلق أن هذا قد يسببه كون هؤلاء الأشخاص أكثر انتقادًا لحكوماتهم بشكل عام، وعلى هذا، فقد قارنوا البلدان التي شهدت للتو برنامج إعادة الهيكلة مع بلدان أخرى لم تشهد برنامج إعادة الهيكلة، ووجدوا أن المشاعر بين أنصار المعارضة كانت أكثر سلبية في البلدان المقترضة.
التأثير على الاحتجاج:
كان المتوقع أن تؤدي هذه المعاملة غير المتكافئة إلى حد كبير، إلى زيادة فرص الاحتجاج وخاصة عندما يشعلها السياسيون المعارضون، وقد دُعِمَ هذا أيضًا بقوة عبر الاستطلاعات.
في أفريقيا، كان الأشخاص الذين أفادوا بأنهم أصبحوا أسوأ حالًا بسبب برنامج التكيف الهيكلي، أكثر عرضة للاحتجاج، في حين كان أنصار المعارضة ككل أكثر ميلًا للاحتجاج، خاصة إذا كانت البلاد قد شهدت للتو برنامجًا أكثر قسوة لصندوق النقد الدولي.
مرة أخرى، كانت هذه البيانات من 1999-2001. ومع ذلك، أظهرت الاستطلاعات الأخرى أيضًا أن الاحتجاج كان أكثر احتمالًا بين مؤيدي المعارضة خاصة في أوقات الضغط الشديد من أجل التكيف.
ما الذي يمكن فعله؟
عادةً ما يلقي الباحثون اللوم في اتساع فجوة التفاوت الناجمة عن برامج صندوق النقد الدولي على شروط القروض، ولكن من الواضح أن التأثيرات تتضخم بفعل الاختيارات السياسية التي تتخذها الحكومات.
كيف يمكن تحسين هذا الوضع؟
بوسع صندوق النقد الدولي أن يطلب من البلدان المقترضة فرض شروط القروض بطريقة غير حزبية، ولكنه قد يزعم أن تفويضه يحظر النظر في السياسة الداخلية، وستكون أيضًا مراقبة هذا الأمر صعبة للغاية وستستغرق وقتًا طويلًا.
البديل هو أن يُروّض صندوق النقد الدولي مطالبه على البلدان المقترضة، وهذا من شأنه أن يخفف الأعباء التي يمكن أن تقع على عاتق أنصار المعارضة، وربما يحذر خبراء الاقتصاد من أن هذا قد يشجع البلدان على التصرف بقدر أكبر من عدم المسؤولية المالية، ولكن بالقدر نفسه، ينبغي له أن يزيد من احتمالات استكمال برامج التعديل، ما يجعل البلد المقترض أكثر مرونة اقتصاديًا في المستقبل، وإن من شأنه أيضًا أن يتجنب أي رد فعل سلبي من الأسواق المالية ضد أي دولة تخرق الشروط.
ثمة سبيل محتمل آخر هو السماح لأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بالمشاركة في مفاوضات الإنقاذ، ما يضمن مشاركة الجميع في عملية الإنقاذ، بل وربما يجعل من الصعب على الحكومات الحالية استغلال الظروف السياسية لتحقيق مكاسب سياسية.
اقرأ أيضًا:
الماء العذب يمثل فرصة وتحدي لسلاسل التوريد العالمية
لماذا تتفاقم اللامساواة حول العالم
ترجمة: دياب حوري
تدقيق: نور حمود