في عام 2024 دار كويكب صغير في مدار قريب من الأرض بضعة أشهر، وقد يكون لهذا القمر الإضافي المؤقت أصل غير متوقع ومثير للاهتمام، فقد دفعت خصائصه العلماء إلى التساؤل عن ارتباط أصله بقمرنا، فهل هو جزء من كتلة قمرية قديمة مرّت بالأرض في زيارة عابرة؟

يُعرف الكويكب القريب من الأرض (NEA) باسم 2024 PT5، ولهذا الجسم مدار مشابه جدًا لمدار الأرض. ومن اللافت أن هذه المنطقة غالبًا ما تكون مليئة بأجسام الصواريخ المهجورة أيضًا، فهي منطقة يتجمع فيها الحطام المتناثر من القمر بسبب الاصطدامات.

إذن، هل جاء PT5 من القمر؟ احتمال ذلك كبير، ولكن كيف نستطيع التأكد؟

لطالما درس علماء الكواكب الأجسام القريبة من الأرض (NEOs) والكويكبات القريبة من الأرض (NEAs) لفهم أصولها، ومن طرق الدراسة تحليل العلاقة بين مداراتها الحالية وخصائصها الفيزيائية ومصادرها المحتملة.

يُعدّ حزام الكويكبات الرئيسي أحد المصادر المحتملة لهذه الأجسام، لكنه ليس المصدر الوحيد. فكل جسم يشكل حالة خاصة، ويقارن العلماء خصائصه بالنيازك المعروفة.

لفهم أصل أي كويكب، يحتاج العلماء إلى بيانات دقيقة عن خصائصه الفيزيائية، مثل انعكاسه وبياضه (نصوعه)، إذ تساعد هذه البيانات على تحديد نوع الكويكبات التي ينتمي إليها.

تحليل طيف الانعكاس لقطعة القمر المحتملة

اكتُشفت هذه الصخرة الفضائية بعرض 10 أمتار أول مرة في أغسطس 2024 عبر مشروع مسح في جنوب إفريقيا. وجعلها مدارها هدفًا مثاليًا لمشروع آخر باسم MANOS (مسح الأجسام القريبة من الأرض التي يمكن الوصول إليها عبر المهمات الفضائية).

بعد أسبوع من الاكتشاف، بدأ العلماء بجمع ملاحظات باستخدام تلسكوب لويل ديسكفري في فلاجستاف أريزونا لتحديد خصائص انعكاسه (طيف انعكاس PT5)، وهي بيانات أساسية لتحديد الجسم أكان طبيعيًا أم صناعيًا.

كشفت الملاحظات اللاحقة أن الجسم يدور حول نفسه ويحتوي على تركيبة صخرية غنية بالسيليكات، ما استبعد احتمال كونه حطامًا صناعيًا. وأظهر طيف الانعكاس الذي التقطه تلسكوب لويل تطابقًا مع عينات قمرية معروفة، لكن PT5 لم يتطابق مع أي نوع من الكويكبات المعروفة.

فقد أظهرت البيانات مثلًا أنه غنيّ بالبيروكسين، ما يشير إلى أنه تشكّل في بيئة نارية أو ربما خضع لعمليات تحول جيولوجي.في المقابل، معظم الكويكبات المعروفة أكثر غنىً بالأوليفين (الزبرجد الزيتوني). وبناءً على هذه الخصائص، واستنادًا إلى حركته المدارية، استنتج العلماء أن PT5 قد يكون مقذوفًا ناتجًا عن اصطدام على سطح القمر.

أهمية PT5 في دراسة الصخور القمرية

إذا صحّ أن PT5 جاء من القمر، فسيكون هذا ثاني كويكب قريب من الأرض يُعتقد أن أصله قمري. بينما كان اكتشاف جسمٍ واحد من هذا النوع سابقًا يُعدّ حدثًا نادرًا، فإن وجود اثنين يشير إلى احتمال وجود مجموعة كاملة من الصخور القمرية بانتظار الاكتشاف.

قد يكون هذا الاكتشاف مفتاحًا لفهم تأثيرات الاصطدامات في القمر، وربما الأرض والمريخ أيضًا، إذ سيساعد العلماء على تحديد مصادر بعض الكويكبات والنيازك غير المدروسة سابقًا ضمن هذه الفئة من الأجسام القريبة من الأرض.

هل يوجد مزيد من الصخور القمرية بالقرب من الأرض؟

في ورقة بحثية عن PT5، ناقش الباحثون -ثيودور كاريتا من مرصد لويل وأوسكار فوينتس مونوز من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا وآخرون- تفاصيل دراستهم لهذا الكويكب، وتضمن ذلك مداره وخصائصه الفيزيائية. وكتبوا:

«إذا كان هناك بالفعل مجموعة من الصخور القمرية في مدارات قريبة من الأرض، فمن المحتمل أن تكون نادرة جدًا ضمن فئة الأجسام القريبة من الأرض».

يوجد حاليًا نحو 16 كويكبًا معروفًا يُشتبه بأن أصولهم قمرية، لكن قد يكون العدد الفعلي أكبر بكثير. التحدي الآن هو التمييز بين هذه الأجسام القمرية والمجموعة العامة من الأجسام القريبة من الأرض ودراستها بعمق أكبر.

نظرًا لأن مدارات المقذوفات القمرية تتطور غالبًا إلى مدارات من نوع أتون أو أبولو، يشير الباحثون إلى احتمال وجود ما بين 5 إلى 10 أضعاف عدد هذه الصخور القمرية القديمة في محيط الأرض. وقد وضح الباحثون:

«الكويكبات الأتونية هي كويكبات تعبر مدار الأرض، بينما كويكبات أبولو تتقاطع أيضًا مع مدار الأرض، ولكنها تميل إلى قضاء المزيد من الوقت خارج نطاقه».

الملاحظات المستقبلية للقطع القمرية المشتبه بها

إذا كان عدد الكويكبات ذات الأصل القمري كبير في مدارات قريبة من الأرض، فإن الخطوة التالية هي تطوير طرق أكثر دقة لاكتشافها.

ستؤدي المسوحات الفلكية المتقدمة دورًا مهمًا في ذلك، إلى جانب تحليل انعكاس الضوء القادم من هذه الأجسام ودراسة مداراتها. لكن نظرًا لصغر حجم هذه الكويكبات، سيكون اكتشافها تحديًا يتطلب جيلًا جديدًا من التلسكوبات الأكبر وتقنيات مراقبة أكثر تقدمًا.

قد تكون إحدى أهم نتائج هذه الأبحاث هي ما يمكن أن تكشفه عن تاريخ الاصطدامات في النظام الشمسي الداخلي. وأشار مؤلفو البحث إلى ذلك بقولهم:

«على المريخ، والآن على الأرض، يبدو أن تاريخ تأثير الاصطدامات على الكواكب الأرضية مشفرٌ جزئيًا في الكويكبات القريبة منها. سيكون العمل المستقبلي لاكتشاف المزيد من هذه الأجسام، وقياس خصائصها، أمرًا بالغ الأهمية لربط علم الكويكبات بالقمر، خصوصًا في عصر بعثات أرتميس ومرصد فيرا روبين LSST».

سيقترب PT5 من الأرض مجددًا هذا الشهر، ما يمنح العلماء فرصةً إضافية لدراسته. تُخطط ناسا لتتبعه باستخدام الرادار، ومن المتوقع أن ينضم باحثون آخرون إلى الجهود لفهم المزيد عن هذا القمر الصغير الذي قد يحمل أسرارًا جديدة عن أصل الكويكبات القمرية القريبة من الأرض.

اقرأ أيضًا:

الكويكب 2024 PT5 مُعد ليصبح قمرًا صغيرًا يرافق الأرض – لكن فقط لمدة شهرين

ما أصل القمر؟ دراسة جديدة تظن أن الأرض جذبته نحوها

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: يامن صالح

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر