يلجأ البعض في حالات القلق والتوتر إلى تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات ومتابعة برامج الواقع السيئة، وينفق البعض الآخر أموالهم على شراء الملابس والأشياء التي لا يحتاجونها بحجة العلاج بالتسوق، بينما يبتعد آخرون عن الجميع حتى يهدأ العالم الخارجي مرة أخرى.
يُنصح الناس الذين لم تنجح معهم الأساليب السابقة بتحفيز العصب المبهم لديهم، ويعود ذلك إلى كونه مصدر راحة وتوازن الجسم. قد يمثل العصب المبهم مفتاحًا للرد والاستجابة المتوازنة في المواقف العصبية، وهو أمر ينبغي على الجميع الاستفادة منه.
تواصلت كليفلاند كلينيك مع الطبيبة يوفانغ لين، وهي اختصاصية في الطب التكاملي، للتحدث عن العصب المبهم ودوره في ضبط القلق والتوتر.
العصب المبهم:
يشكل العصب المبهم جزءًا من الجهاز العصبي نظير الودي، إذ يحمل الإشارات العصبية الكهربائية من الدماغ إلى باقي الجسم.
تتمثل وظيفة العصب المبهم الأساسية في التحكم بالوظائف الذاتية مثل التنفس، ومعدل ضربات القلب، والهضم، ما يجعله حلقة وصل مهمة بين العقل والجسم. يقلل العصب المبهم من تفعيل الجهاز العصبي الودي، الذي يتسبب بما يعرف باستجابة الكر والفر.
وضحت الطبيبة لين قائلة: «يزداد معدل ضربات القلب وضغط الدم في المواقف العصبية والمقلقة، إذ يركز حينها الشخص بالكامل على النجاة، يُجهد البقاء في حالة استجابة الكر والفر هذه الجسم بشكل كبير. يعمل الجهاز العصبي نظير الودي والعصب المبهم على إعادة المرء إلى حالة من التوازن والراحة بعد ذلك التوتر».
يعني ذلك أن أهمية استجابة الكر والفر تتمثل في حالات الخطر الجسدي بشكل أساسي. يتعب المرء جسديًا وعقليًا إذا استلمت الاستجابة السابقة زمام الأمور في الحالات العادية غير العصيبة. يرسل تفعيل العصب المبهم والجهاز العصبي نظير الودي إلى الجسم إشارات بأنه ليس في حالة خطر جسيم، ما يسمح له بالهدوء والاسترخاء.
ما الرابط بين العصب المبهم والقلق؟
يرسل الجهاز العصبي الودي في حالات الخطر -التي تتمثل بالتوتر أو الحماس الزائد- إشارات تدوي في أنحاء الجسم، مشيرة إليه أن الجسم في حالة غير سليمة وأنه يحتاج إلى التحضير للمعركة. تدخل الإشارات السابقة الجسم والدماغ في وضع النجاة، ما يحث الإنسان على اتخاذ قرارات وردود فعل سريعة.
يرسل الدماغ بعد انقضاء الأوقات العصيبة إشارات تفعل العصب المبهم، الذي يدخل الجسم بدوره إلى حالة من الراحة. تكمن المشكلة في أن الجهاز العصبي الودي غير قادر على معرفة الفرق بين حالات الخطر الحقيقي والمواقف العصيبة التي نواجهها يوميًا.
تتمثل الوظيفة الحقيقية للجهاز العصبي الودي في حماية الإنسان من حالات الخطر المميت. يمكن فهم ذلك من خلال تخيل إنسان يعيش في العصر القديم، وفجأة يرى نمرًا على وشك أن ينقض عليه. يأتي الجهاز العصبي الودي للإنقاذ بتحضير الجسم لقتال النمر والحفاظ على حياته. يعود الجسم إذا نجى المرء من النمر إلى الحالة الطبيعية.
لا يواجه البشر في يومنا هذا صعوبات مشابهة. لا تُفعل استجابة الكر والفر فقط في المواقف المحفوفة بالمخاطر، مثل قيادة السيارة على طريق مغطى بالجليد خلال عاصفة ثلجية، بل تُفعل أيضاً بالمحفزات العاطفية، مثل:
- الإساءة والاعتداء.
- التمييز بين الناس.
- العلاقات الفاشلة.
- الوحدة.
- الفقر.
- قلة النوم وسوء جودته.
- الصدمة.
تظل الأحداث السابقة مرافقةً للإنسان في حياته، على غرار النمر الذي انسحب وترك الإنسان يكمل يومه بكل بساطة. تبقى المحفزات السابقة مع المرء في كل يوم، ويبقى معها التوتر والقلق المرافقين لها، ويعود ذلك إلى تدخل استجابة الكر والفر بهذه الأحداث.
قالت الطبيبة لين: «قد يعني عدم تفعيل الجهاز العصبي نظير الودي، وبالتالي عدم راحة المرء وتوازنه، إن المرء في حالة دائمة من القلق والتوتر. يرفع ذلك من خطر إصابته بمشكلات صحية أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري من النمط الثاني».
يتجلى دور العصب المبهم السليم في إعادة الجسم من حالة يملؤها التوتر والقلق إلى الراحة. يساعد العصب المبهم، عند الاستفادة منه، على تخفيف القلق وتحسين الصحة العامة للإنسان.
طرق طبيعية لتنشيط العصب المبهم وتحسين الصحة النفسية:
قد يفيد تفعيل العصب المبهم في تحسين الضغط والإشارات العصبية التي يبعثها، ما يعزز قدرة المرء على التعامل مع التوتر.
يتصدى المرء بتنشيط العصب المبهم عمدًا للإشارات التي تسبب القلق لديه.
يمكن أن تساعد بعض استراتيجيات الحياة الصحية الأساسية على تفعيل العصب المبهم، وتتضمن التغييرات التي ينصح المرء بإجرائها دائماً مثل: ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي ومناسب، والنوم بشكل كافٍ.
إضافةً إلى ما سبق، توجد بعض التمارين والممارسات التي تنصح بها الطبيبة لين، التي تفيد في تنظيم الحالة العاطفية والتحكم بها. تعزز هذه الأساليب العصب المبهم وتنشطه حتى تقلل التوتر والقلق.
تتضمن التمارين كلاً من:
- تمارين الارتجاع البيولوجي.
- تمارين التنفس.
- الجلسات العلاجية في الغابات.
- تمارين اليقظة.
- تمارين التأمل.
- التاي تشي.
- اليوغا.
تقول الطبيبة لين: «تزيد ممارسة المرء للأنشطة السابقة والالتزام بها من معدل ضربات القلب، وتقوي وظيفة العصب المبهم. يتعافى الجسم أفضل وأسرع عند مواجهة الجهاز العصبي الودي لمواقف عصبية وموترة في المرات المقبلة».
كيف يستطيع أن يقيس المرء ضغط العصب المبهم لديه؟
يعد تغير معدل ضربات القلب المقياس الأكثر فعالية في قياس جودة عمل العصب المبهم. يعمل المقياس بدراسة الاختلاف في التواقيت بين ضربات القلب. يدل ارتفاع تغير معدل ضربات القلب لدى المرء على قوة ضغط العصب المبهم.
وضحت الطبيبة لين قائلة: «يدل ارتفاع تغير معدل ضربات القلب على تفاعل الجسم مع البيئة المحيطة باستمرار مع الجهازين العصبيين الودي ونظير الودي. يشير ذلك إلى وجود توازن حقيقي بين الاستجابتين، بالإضافة إلى قدرتهما على التكيف مع التغيرات المحيطة بالمرء. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يملكون تغيرًا أكبر في معدل ضربات القلب معرضون لخطر الإصابة بأمراض القلب بمعدل أقل، بالإضافة إلى زيادة فاعلية الدماغ لديهم واتزانهم المزاجي».
لا يختلف الذين لديهم معدل تغير منخفض من ضربات القلب كثيرًا عن أقرانهم، إذ يقتصر الفرق بينهم على أعشار من الثانية. يستطيع عدد من أجهزة قياس المؤشرات الحيوية المحمولة المتاحة تجاريًا قياس معدل تغير ضربات القلب. قد تستخدم الأجهزة السابقة حزامًا للصدر أو مشبكًا للأذن أو للأصبع. تقيس بعض الساعات الرياضية معدل تغير ضربات القلب أيضًا إلا أن نتائجها قد لا تكون صحيحة تمامًا.
هل ينصح المرء بتنشيط العصب المبهم طبيعيًا في المنزل؟
يستطيع معظم الناس ممارسة الأنشطة المهدئة السابقة لتفعيل العصب المبهم لديهم، بل وينصحون بذلك أيضًا. ينبغي أن يركز المرء على حالته النفسية حين يمارس الأنشطة السابقة لتعزيز وظيفة العصب المبهم لديه. ينصح المرء بالتروي أو التوقف عن ممارسة التمارين إذا شعر بدوخة، والانتظار حتى يشعر بتحسن.
اقرأ أيضًا:
تحفيز العصب المبهم في الأذن يقوي التواصل بين المعدة والدماغ
ترجمة: رهف وقّاف
تدقيق: نسرين الهمداني