أظهر انتشار الأورام والأنسجة النامية الأخرى نمطًا جديدًا من فيزياء السوائل، إذ وجد العلماء في دراسةٍ جديدةٍ نشرت في 24 أيلول/سبتمبر في دورية (Nature Physics) أنّ تحوّل الخلايا الحية من بنية الصفائح ثنائية الأبعاد إلى البنية الكروية ثلاثية الأبعاد بعملية لم تعرف سابقًا تدعى (الترطيب الفعّال – active wetting) قد يُمَّكِن فيزياء الترطيب الفعّال من شرح سبب وكيفية انتشار السرطان.
يقول خافيير تريبات من معهد كاتالونيا للهندسة الوراثية في إسبانيا وكارلوس بيريز غونزاليز من جامعة لا لاغونا بإسبانيا، في بريد الكتروني أرسلاه لدورية (Live Science): «إذا تمكّننا من إيجاد الطريقة لتعديل هذه القوى بشكلٍ انتقائيٍّ في الورم – والذي يُعدّ بحدّ ذاته مهمّةً صعبةً – سنتمكن حتمًا حينها من تصميم علاجٍ يحدّ من انتشار السرطان».
الفيزياء الفعالة
أيّ نوعٍ من التطبيق الطبي لهذه النتائج يُعَّد بعيد المنال، إذ يقول تريبات وبيريز أن خطواتهم التالية ستقتضي التوغّل في الفيزياء الغريبة لعملية الترطيب الفعّال، الأمر الذي لا يزال غير معروفٍ بما فيه الكفاية.
يعتمد ما وجده الباحثون على التجارب التي أجريت في الأطباق المخبرية باستخدام خلايا ورم ثدي بشرية، ويقول تريبات وبيريز أن الأمر برمّته قد بدأ عند البحث عن بروتين يدعى (E-cadherin) الذي يؤمّن التصاق الخلايا، حينها أراد الباحثون معرفة كيف ينظّم هذا البروتين التوّتر داخل النسج أو بين مجموعات الخلايا.
وما لم يتوقّعوه أنّ التوتّر بين الخلايا قد يرتفع إلى حدودٍ تؤدي إلى انفصال صفائح النسج بشكلٍ تلقائيٍّ عن الهلامة المغلفة بالكولاجين التي استُخِدمت كركيزةٍ لها وحوّلتها إلى الشكل الكروي.
قال الباحثون لدورية (Live Science): «عندما لاحظنا هذه الظاهرة لأول مرّةٍ، لم نكن متأكدين من كيفية أو سبب حدوث ذلك».
قارن الباحثون عملية الترطيب الفعّال مع سلوكٍ آخرٍ يسمى بالسوائل المنفعلة، حيث لا وجود لبنى حية تبدّل تدفّق السوائل، وترصد طبيعيًّا مجموعة من المعادلات الفيزيائية المعروفة باسم نافير-ستوكس حركة السوائل المنفعلة.
يدعى التحوّل من بنية الصفائح ثنائية الأبعاد إلى الكروية ثلاثية الأبعاد في السوائل المنفعلة بنزع الترطيب، وعلى العكس فإنّ انتشار البنية الكروية ثلاثية الأبعاد إلى بعدين يسمّى بالترطيب.
يُشمل السائل والغاز – سواء حدث ترطيب أم نزع ترطيب – المدار بالتوتر السطحي للسطح البيني.
تلاعب الباحثون بالخلايا السرطانية في تجربتهم من خلال تغيير المتثابتات (بارامترات) كحجم النسيج ومستويات البروتين (E-cadherin) فوجدوا أنّ الخلايا لم تسلك سلوك السوائل العادية بالترطيب المنفعل ونزع الترطيب.
كما وجد الباحثون أنّ ذلك يعود لعددٍ من العمليات الفعّالة من قلوصية النسج وصولًا إلى التصاق الركيزة الخلوية، تحدّد ما إذا كانت الخلايا قد تكورّت أم انتشرت.
كما أشار الباحثون إلى أنّ التحول بين الطور الرطب المنتشر والطور المكوّر منزوع الترطيب يعتمد على المنافسة بين الخلية والركيزة.
تحوّلات السرطان
تنمو النسج وتتحرّك بعدة طرقٍ بما فيها خلال مرحلة التطور الطبيعي، إلّا أنّ انتقال الترطيب الفعال أمر مهم، لأنّها اللحظة الأساسية التي تنتقل فيها الخلايا من الشكل الكروي المغلق إلى الشكل الورقي المسطح المنتشر بحسب قول الكاتبين.
بمعنى آخر، بمجرّد انتشار الكرات وارتباطها بالسطح فبإمكان السرطان الانتشار بشكلٍ أسرع.
قال المحققون: «تصب نتائجنا هيكلًا شاملًا لفهم ما هي القوى الأهم بالنسبة لاجتياح السرطان».
ويكمن جزء من مرحلة العمل المقبلة حول نقل الدراسات من أطباق المختبر إلى النسج الحية والأورام الحقيقية.
كتب ريتشارد موريس وألفا ياب في تعليقٍ لهم مرفق بالدراسة الجديدة: «قد يكون من الصعب مطابقة النظام البيولوجي ضمن الهيكل الفيزيائي الكلاسيكي، إلّا أنّ المقال الجديد هو خطوة في الاتجاه الصحيح».
ريتشارد موريس هو باحث في الدراسات العليا في معهد تاتا للبحوث الأساسية في الهند، وياب هو عالم بيولوجيا في جامعة كوينزلاند في أستراليا.
وأضافا:«نحن نعلم أنّ أفكار الفيزياء الكلاسيكية في وصف النظم البيولوجية قد تكون مفيدةً، إلّا أنّه يجب عدم دفع هذه المحاكاة إلى حدٍ بعيدٍ؛ لأنّ هناك حاجة للأساليب الجديدة».
لمزيد من المعلومات اقرأ الدراسة على الموقع: هنا
- ترجمة: مريم عيسى.
- تدقيق: رند عصام.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر