تشهد الصور التي لا حصر لها من الفضاء، أنّ الأرض كروية – أو كما يسميها رواد الفضاء من باب المودة: “الكرة الزجاجية الزرقاء”، في الواقع، إنّ المظاهر خادعة في بعض الأحيان، فكوكب الأرض ليس كرويًا تمامًا.
هذا لا يعني أنّ الأرض مسطحة، قبل أن يبحر كولومبوس عبر المحيط الأزرق، اقترح ارسطو وعدد من العلماء اليونانيين القدماء، أنّ الأرض كروية الشكل.
هذا الاقتراح كان مبنيًا على تجارب وملاحظات غير مقتصرة على رؤية السفن أصغر حجمًا حينما تبحر مبتعدة، بل كونها تبدو وكأنها تغرق في الأفق فور ابتعادها، كما يمكن للمرء أن يلاحظ ابحارها عبر كرة، على حد قول الجيوغرافي (بيل كارستنسن-Bill Carstensen) من معهد فيرجينيا التقني في بلاكسبورغ (Virginia Tech in Blacksburg).
اقترح اسحاق نيوتن في البداية أنّ الأرض ليست كروية بشكل مثالي، بل كروية مفلطحة – أيّ كرة مسحوقة عند قطبيها ومنفتحة عند خط الاستواء.
كان نيوتن محقًا، وبسبب هذا الانتفاخ، فأنّ المسافة من مركز الأرض إلى مستوى سطح البحر هي حوالي 21 كيلومترًا (13 ميلًا) أكبر في خط الاستواء مما هي عليه عند القطبين.
وبدلًا من أن تكون الأرض بمثابة (قمة غزل-spinning top) مصنوعة من الفولاذ، يشرح الجيولوجي (فيك بيكر-Vic Baker) من (جامعة اريزونا في توكسون-Arizona in Tucson) قائلًا: «تمتلك الأرض القليل من الليونة التي تسمح لشكلها أن يتشوه قليلًا، التأثير مشابه نوعًا ما لكرة غزل مصنوعة من الطين الاصطناعيّ، إلّا أنّ ليونة الأرض أقلّ بكثير من ليونة الطين الاصطناعيّ الذي بمتناول ايدي الأطفال»
ومع ذلك، فإنّ عالمنا ليس حتى كرويًا مفلطحًا بشكل كامل، لأنّ الكتلة تتوزع بشكل غير متساو داخل الكوكب.
وكلما زاد تركيز الكتلة، كلما زادت قوة الجاذبية، وحسب قول الجيولوجي (جو ميرت-Joe Meert) من جامعة فلوريدا في غينسفيل: «مما يؤدي إلى خلق مطبات في جميع أنحاء العالم».
يتغير شكل الأرض بمرور الوقت بتأثير عوامل ديناميكية أخرى.
تحولات الكتلة في جميع أنحاء الكوكب، تسبب هذه التغيرات في شذوذ الجاذبية، تظهر الجبال والوديان وتختفي بسبب حركة الصفائح التكتونية، ومن حين إلى آخر، تحفر الشهب سطح الكوكب، اما جاذبية القمر والشمس لا تسبب المد والجزر للمحيط فقط، بل المد والجزر للأرض بأكملها.
إضافة إلى ذلك، فإنّ التغير في وزن المحيطات والغلاف الجوي يمكن أن يسبب تشوهات في القشرة، حسب قول الجيوفيزيائي (ريتشارد غروس-Richard Gross) من مختبر الدفع النفاث في باسادينا، كاليفورنيا: “على مستوى سنتيمتر واحد أو نحو ذلك”، وأضاف قائلًا: «هنالك أيضًا انتعاش ما بعد الحقبة الجليدية، القشرة والسطح الذي كان يومًا مكتظاً بالصفائح الجليدية الضخمة التي جلست على السطح خلال العصر الجليدي الأخير تتعافى الآن صعودًا إلى الأعلى بمقدار سنتيمتر واحد في السنة».
وعلاوة على ذلك، حتى على صعيد توزيع الأرض غير المتوازن للكتلة واستقرار تدويرها، يقول ميريت: «سوف يدور سطح الأرض بأكمله ويحاول إعادة توزيع الكتلة على طول خط الاستواء، وهي عملية تسمى الجولان القطبي الحقيقي».
لتتبع شكل الأرض، وضع العلماء الآلاف من أجهزة استقبال النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) على الأرض التي تمكننا من الكشف عن التغيرات في ارتفاعها ببضعة ملليمترات، ويقول غروس: «هناك طريقة أخرى يطلق عليها اسم ليزر الأقمار الصناعية، وهي إطلاق أشعة الليزر المرئي على بضع عشرات من المحطات الأرضية من الأقمار الصناعية.
لرصد أيّ تغييرات يتم الكشف عنه في مداراتها، تتوافق مع الشذوذ في الجاذبية، وبالتالي توزيعات كبيرة للكتلة داخل الكوكب.
لا تزال هناك تقنية أخرى، منها قياس التداخل الأساسي الطويل، وذلك عبر التلسكوبات اللاسلكية على الأرض للاستماع إلى موجات الراديو خارج المجرة للكشف عن التغيرات في مواقف المحطات الأرضية».
قد لا يتطلب الأمر الكثير من التكنولوجيا لفهم أنّ الأرض ليست كروية تمامًا، لكن الأمر يتطلب الكثير من الجهد والمعدات لتحديد شكلها الحقيقي.
ترجمة: ليث أديب صليوة
تدقيق: خليل حسن
تحرير: أحمد عزب
المصدر