في أوائل سبتمبر عام 1859، شهد العالم حدثًا رهيبًا، إذ ضربت العواصف الشمسية الأرض وأصابت الغلاف المغناطيسي للأرض بانبعاث كتلي إكليلي (يحدث الانبعاث الكتلي الإكليلي بإطلاق كميات هائلة من البلازما والمجالات المغناطيسية والإشعاع الكهرومغناطيسي في الفضاء فوق سطح الشمس، سواء بالقرب من الإكليل أو أبعد في نظام الكواكب وإكليل الشمس هو المنطقة المحيطة بها في شكل دائرة وتظهر بوضوح مع الخسوف الشمسي) لم يسبق له مثيل في التاريخ المسجل، فيما يدعي بـ(حدث كارينغتون – Carrington Event)، كان ذلك في بداية الثورة الصناعية، وتسبب بتعطيل أنظمة التليغراف بشكل مؤقت، لحسن الحظ لم يكن قد اعتمادنا على التكنولوجيا الإلكترونية في هذا الوقت كبيرًا؛ ولهذا لم تحدث فوضى.
إذا كنت تتساءل عن الأضرار الناجمة عن العواصف الشمسية ، فيكفي أن تعرف أنه عند اصطدام الجسيمات المشحونة من الشمس بالغلاف المغناطيسي للأرض، قد تحدث عاصفة مغناطيسية أرضية تولد بدورها تيارات واضطرابات جوية وحدوث تأين ما قد يُعطل شبكات الكهرباء ويقطع الاتصالات ويربك أنظمة الملاحة.
إذا ضربت عاصفة شمسية بحجم حدث كارينغتون كوكب الأرض الآن، فسنكون في مشكلة عويصة، وبالرغم من أننا لم نواجه عاصفة شمسية بهذه الضخامة منذ ذلك الوقت، يظن العلماء أن العواصف الشمسية بهذا الحجم ليست بالندرة التي توقعناها، بل يتوقع البعض أن تحدث تلك العواصف الهائلة كل بضعة عقود، وهي مسألة وقت فحسب قبل أن نجد أنفسنا في خضم واحدة.
أوضح عالم الفلك من جامعة أوساكا هيساشي هاياكاوا (Hisashi Hayakawa): «يعتبر حدث كارينغتون أسوأ سيناريو متوقع من الطقس الفضائي ضد الحضارة الحديثة»، وأضاف: «علينا التحضير للتعامل مع ذلك النوع من مخاطر الطقس الفضائي والحد من أثرها، في حال حدوثها عدة مرات في القرن».
على الرغم من أن حدث كارينغتون مدروس جيدًا، فهاياكاوا وفريقه شعروا أن شيئًا ما كان مفقودًا، إذ أن التحليلات التاريخية والعلمية ركزت على نصف الأرض الغربي فقط، تاركة سجلات نصف الكوكب خارج الصورة.
لذلك شرع مجلس التعاون الدولي بجمع أكبر عدد ممكن من التقارير والسجلات التاريخية للعاصفة الشمسية من نصف الأرض الشرقي وشبه الجزيرة الأيبيرية -التي تتكون من أسبانيا والبرتغال وإندورا- وسجلات المرصد الروسي وتقارير صحف وسجلات تاريخية من شرق آسيا.
تمكن الفريق من استعادة مخطوطات وسجلات رصد من أوروبا لم تنشر من قبل، واحتوت على رسومات للبقعة الشمسية التي يُعتقد أن مجالاتها المغناطيسية الشديدة هي المتسببة في خلق انبعاث كتلي إكليلي مصاحب للعاصفة، وبدراسة هذه الرسومات، تمكن الباحثون من تتبع تطور العاصفة بمرور الوقت.
قورنت تلك السجلات بالسجلات الغربية المنشورة، كسجلات السفن والمنشورات العلمية وتقارير الصحف، وبعد هذا التحليل الشامل، اكتشف الفريق أن حدث هارينجتون لم يكن فقط اندفاعًا من البلازما، بل يظن الفريق أن مجموعة البقع الشمسية ثارت مرات عدة قبل الحدث وبعده، وذلك في أواخر شهر أغسطس واستمر الثوران حتى بدايات أكتوبر، وقال الباحثون إن ثوران أغسطس أنتج عاصفة شمسية أصغر ربما ساهمت في التضخيم من حدة حدث سبتمبر.
بما أن الفريق الآن لديه تقرير أكثر شمولًا عن حدث كارينغتون، فقد شرعوا في مقارنته بالعواصف المرصودة الأخرى، مثل عاصفة فبراير 1872 التي أنتجت هالات مذهلة ذُكرت على نطاق واسع في الصحف حول العالم، وعاصفة مايو 1921 التي عطلت خدمات التليغراف في الولايات المتحدة، وعاصفة 1972 التي قد تكون مسؤولة عن تفجير ألغام بحرية، وعاصفة 1989 التي عطلت شبكة كهرباء كندية.
وجد الفريق أن عواصف 1872 و1921 بالذات قد حملت تشابهًا قويًا لحدث كارينغتون، ولا ننسى بالطبع عاصفة يوليو 2012، إذ أخطأ كوكب الأرض انبعاث كتلي أكليلي هائل كان بنفس مقياس كارينغتون.
يوحي ما سبق أن حدة حدث كارينغتون ليست نادرة، ولكننا فقط كنا محظوظين حتى الآن.
كتب الباحثون في تقريرهم: «تشير المقارنة الأولية أن حدث كارينغتون ليس بالعاصفة الاستثنائية المتطرفة الوحيدة، ولكنه واحد من عدة عواصف المغناطيسية الشديدة»، وأضافوا: «بينما يعتبر هذا الحدث كارثة تحدث مرة كل قرن، تحذرنا الملاحظات التاريخية أن تلك العواصف الشمسية واردة الحدوث وبالتالي قد تمثل تهديدًا وشيكًا للحضارة الحديثة».
اقرأ أيضًا:
هل للعواصف الشمسية تأثير على البشر؟ ما هو؟
ماذا سيحدث لو ضربتنا عاصفة شمسية أنهت عصر التكنولوجيا؟
ترجمة: عمرو خلف
تدقيق: سمية المهدي
مراجعة: صهيب الأغبري