هل نحن وحدنا في الكون؟ لدى البشر الكثير من الأسئلة حول الحياة الفضائية، لكن إذا كانت الكائنات الفضائية موجودة بالفعل، فسيكون لديهم غالبًا تساؤلاتهم الخاصة حول البشر، وهي أسئلة ربما علينا الإجابة عنها قبل أن نجد الحياة خارج الأرض.
وفقًا لكاثرين ديننج Kathryn Denning، عالمة الأنثروبولوجي (علم دراسة الإنسان) بجامعة يورك في كندا، والتي تركز في أبحاثها على استكشاف الحياة الفضائية، فإن الإجابات التي سنصل إليها ستشكل الطريقة التي سنتعامل بها مع مثل هذا الاكتشاف بصورة سيكون لها أثر عميق، سواء بالنسبة إلينا أو بالنسبة إلى تلك الحياة المفترض وجودها خارج الأرض. بعض هذه الأسئلة، خاصةً تلك التي تدور حول الإنسان، مطروح بالفعل، ويُعد محل مناقشات أساسية حول البحث عن الحياة.
أما بقية الأسئلة؛ فقد تحتاج تغييرًا في طريقة التفكير المعتادة، إذ صرحت ديننج لموقع Space.com بأن البشر يفكرون في رصد الحياة الفضائية على أساس كونه مشكلةً فكرية تخصنا وتخص الموقع الذي نشغله من الكون، لكننا لم نفكر في تداعيات العثور على تلك الحياة الفضائية.
شاهد هذا الفيديو الذي يوضح التصادمات التي حدثت على سطح القمر على مدار المليار سنة الماضية:
أحد المشاكل الرئيسية هو ميلنا إلى المبالغة في التساؤل عما إذا كنا وحدنا في الكون، ويرجع هذا -وفقًا لديننج- إلى التاريخ الحديث للعلم أكثر مما يرجع إلى التاريخ الإنساني عمومًا، فقد افترض الكثير من الناس بالفعل انتشار الحياة الفضائية في الكون.
ظل الاعتقاد بأن الكون ممتلئ بالحياة الفضائية سائدًا حتى منتصف القرن العشرين، لكن تغير هذا الوضع حين بدأ العلماء يدرسون جيران الأرض مثل القمر والمريخ. يجب علينا أن نعي أن رد فعلنا تجاه اكتشاف وجود حياه فضائية لن يتأثر بحقيقة إذا كنا وحدنا في الكون أم لا، بقدر ما سيتأثر بالمفاجأة التي سنتلقى بها مثل هذا الخبر.
بتوسيع نطاق التساؤلات والتأمل لما هو أبعد من ذلك، قد نصل إلى تساؤلات أخرى ربما تساعدنا بصورة أفضل، مثل: كيف سيُعلَن عن مثل هذا الاكتشاف؟ نوقش هذا السؤال بالفعل من قبل، لكن كما قالت ديننج، لم تواكب تلك المناقشات سرعة التغيرات المجتمعية، وأشارت إلى أن الإعلانات المخطط لها من قبل السلطات منذ عقود، وكان متوقعًا لها أن تكون فعالة، من الصعب أن تكون عملية الآن.
في عصرنا الحالي، ينتشر خبر أي اكتشاف علمي من أي نوع بسرعة بالغة، ويسبب ذلك كل أنواع الخلافات، وقد ينتهي الأمر بوجود فرق مختلفة تتشاجر فيما بينها عبر منصات التواصل. في هذه الحالة، ماذا على الجمهور غير المتخصص أن يعتقد؟
فور أن نتوصل إلى طريقة جديدة لمثل تلك المناقشات، يجب ألا يتراجع الوضع مرة أخرى، لأن العقود القادمة ستحتاج منا إلى إعادة النظر في العديد من المتغيرات.
شاهد هذا الفيديو الذي يتحدث عن الأفكار الجديدة بشأن استكشاف الحياة الفضائية:
أضافت ديننج أنها تطمح إلى أن يعي الناس جميعًا كيفية تعامل المجتمعات المختلفة مع المعلومات الجديدة، فبسبب الخبرات الحياتية المختلفة ونقاط الضعف وطرق النظر إلى العالم، من الممكن أن يُغضب الاكتشاف الجديد مجموعةً من الناس، في حين يثير اهتمام مجموعة أخرى. قد يكون هذا التنوع في وجهات النظر مفيدًا في المناقشات حول كيفية تعامل البشر مع اكتشاف الحياة الفضائية، فبعض المعطيات التي يعتبر البعض أنها تزيد من فرص الإنسانية قد تبدو خطيرة أو مُهدِّدة في نظر غيرهم.
إن التوصل إلى كيفية التعامل مع اكتشاف الحياة الفضائية بصورة تعكس آراء الكثير من الناس يعني إيجاد طريقة لجمع كل تلك الخيوط معًا في نفس المناقشة. ترى ديننج أنه علينا أن نجري مناقشات أفضل حول كيفية تناول الاكتشافات الجديدة. لنكون أكثر تحديدًا، تحتاج هذه المناقشات أن تشمل طيفًا واسعًا من الإنسانية أكثر مما هو متحقق الآن.
تحتاج هذه المناقشات أيضًا إلى إدراك أن المصداقية والثقة المجتمعية هي أمور متغيرة مع الوقت، مثل الإعلانات والنصائح التي لم تكن محل شك في ما مضى، لكنها صدرت عن جهات لم تعد ذات سلطة الآن، ويتزامن ذلك مع وجود أزمة في السلطة العلمية، خاصة في الولايات المتحدة، إذ توجد أزمة ثقة عند أصحاب الخبرات عامةً.
وفقًا لديننج، تفتقر المناقشات الموجودة الآن حول إمكانية اكتشاف حياة فضائية إلى عنصر شديد الأهمية، وهو كيف سنتعامل مع تلك الحياة؟ فالكثير من أفعالنا على الأرض الآن يتصف بالسوء، في إشارة إلى الكثير من الاستهلاك والأَسْر والإخلال بالنظام، وقد دأب البشر على القيام بهذه الأفعال وإعادتها مرارًا وتكرارًا.
شاهد هذا الفيديو، يتحدث عن استكشاف الحياة الفضائية بواسطة مرصد ميركات MeerKAT Telescope في جنوب أفريقيا:
ترى ديننج أنه مع أن مناقشات حماية كوكب الأرض تتضمن مناقشات حول كيفية حماية الحياة خارج الأرض أيضًا، فإن تلك المناقشات تميل إلى النظر إلى الحياة الفضائية باعتبارها فرصةً علمية، أكثر من كونها التزامًا أخلاقيًا، وهذا غير كاف، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار ما وصفته بتوسع الرأسمالية إلى ما وراء الكواكب the expansion of post-planetary capitalism.
وبالنظر إلى ماضينا في التعامل مع موارد الأرض، فثمة سبب للقلق في ما يتعلق باستغلال موارد الحياة الفضائية، إذ من المتوقع أن ما ستبدو عليه الحياة الفضائية -إن وُجدت- هو ما يُطلَق عليه الكائنات القادرة على التعايش مع الظروف القاسية extremophilic organisms، بمعنى أنها تستطيع الحياة في ظروف مثل البرد القارس، والحرارة الشديدة، والملوحة العالية، وغير ذلك.
ستكون هذه الكائنات، بما تحتويه من مادة وراثية وما تنتجه من مركبات، هدفًا مطلوبًا بشكل كبير من قبل الشركات المصنعة للأدوية وغيرها من المنتجات الثمينة. ستؤثر نفس هذه العوامل -التي نعاني منها في التعامل مع الموارد الأرضية- أيضًا على هذه الحياة الفضائية المحتمَلة.
عندما نرى اهتمامًا خاصًا بالبحث عن الحياة في نظامنا الشمسي، يُثار هذا التساؤل: هل هذا مجرد تساؤل فكري دون رغبة في تحقيق عائد مادي حقيقي؟ أم سيتجه الأمر إلى استغلال تلك الحياة من أجل تحقيق نوع من المكاسب المادية؟
ترجع مخاوف ديننج بشأن تلك القضايا إلى خلفيتها باعتبارها عالمة أنثروبولوجيا، إذ عاصرت الكثير من الأحداث المؤسفة، مثل تعرض الرئيسيات، الكائنات الأكثر شبهًا بنا، لخطر الانقراض خلال العقود القليلة القادمة بسبب أنشطة البشر.
وقالت إن تلك هي الحقائق التي يعيشها علماء الأنثروبولوجيا بشكل يومي، وتلك هي حقيقتنا وحقيقة ما نفعله، وهذا مجرد مثال على ما يستطيع البشر اقترافه، لذلك إذا تُرك الأمر دون إعمال العقل ودون اتخاذ إجراءات من شأنها حماية صور الحياة المختلفة، فلا بد أن يكون بيننا من يقوم بهذا الدور.
اقرأ أيضًا:
إليكم السبب الغريب الذي ربما يجعلنا لا نلتقي بالمخلوقات الفضائية بينما هم لا يزالون على قيد الحياة
أحدث تيليسكوبات ناسا و اكتشاف الحياة الفضائية!
أين هي الحياة خارج الأرض؟ أقوى ست فرضيات لتفسيرها
ترجمة: مصطفى عبد المنعم
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: اسماعيل اليازجي