يحتوي الدماغ البشري على أكثر من ثمانين مليار من الخلايا العصبية ، لكل منها ارتباط بخلايا أخرى مكونةً تريليونات الارتباطات العصبية المسماة بالاشتباكات العصبية Synapses. لا بد أن هذه الأعداد قد أذهلتك، ولكن ما هو أغرب من ذلك هو كيف تسهم العصبونة الواحدة في وظائف الدماغ بصورة عامة، ما زال هذا الموضوع موضع جدل ونزاع.
ففي عام 2017، نُشرت دراسة كانت قد أطاحت بافتراض دام لمدة قرن من الزمن عن ماهية الشيء الذي يدفع الخلية العصبية لتطلق إيعازًا عصبيًّا، خالقةً – هذه الدراسة – آليات جديدة وراء بعض الاضطرابات العصبية.
أجرى فريقٌ من الفيزيائيين من جامعة بار آيلان Bar-Ilan University في إسرائيل عددًا من التجارب على الخلايا العصبية الخاصة بالفئران؛ لمعرفة الكيفية التي يستجيب فيها العصبون الواحد للإشارات التي يتلقاها من الخلايا الأخرى.
ولكي نفهم لِمَ يهم كل هذا، علينا العودة بالزمن، تحديدًا إلى عام 1907، عندما اقترح عالم الأعصاب الفرنسي لويس لابيك Louis Lapicque نموذجًا لتفسير كيفية زيادة جهد غشاء خلية عصبية عند تطبيق تيار كهربائي ذي قيمة معينة.
فعندما تصل الفولطية أو فرق الجهد إلى قيمة معينة تُسمَّى العتبة Threshold، ستتفاعل الخلية العصبية بإطلاق إيعازٍ بذروة، وسرعان ما ترجع الفولطية إلى قيمتها الأصلية بعد زوال المؤثر.
إن كان ما ورد يعني شيئًا، فهو يعني أنّ الخلية العصبية لن تُطلق إيعازًا ما لم تتلق ما يكفي من الإشارة التي تحفِّز غشاءها.
لم تكن معادلات لابيك آخر الكلام حول هذا الموضوع، وليس إلى حد بعيد، ولكنّ مبدأه الذي وضعه ظلَّ دون تحدٍّ نسبيًّا في الأوصاف اللاحقة، التي تشكل اليوم الأساس لمعظم المخططات الحسابية العصبية.
وفقًا للباحثين، لا تعني هيمنة هذه الفكرة سوى أن القليل فقط قد بذلوا عناء السؤال والتشكيك حيال دقتها.
يخبرنا قائد هذه الدراسة عيدو كانتر Ido Kanter: «لقد توصلنا لهذا الاستنتاج مستعملين منظومة تجريبية حديثة، ولكن مبدئيًا من الممكن جدًّا أن تُكتشف النتائج التي توصلنا إليها بتكنولوجيا الثمانيات، ولكن الإيمان الذي وجدت جذوره مثواها في العالم العلمي لما يقارب القرن من الزمن، حال دون اكتشاف ذلك، ومن ثم التأجيل لعقودٍ معدودة».
تعاملت التجارب مع هذا السؤال من منظورين، الأول يبحث في طبيعة نشاط الإيعاز استنادًا إلى مكان تمرير التيار خلال الخلية العصبية.
والثاني ينظر في التأثير الذي تتركه مدخلات عديدة على قابلية إطلاق الخلايا العصبية.
ما اقترحته هذه النتائج التجريبية هو أن اتجاه الإشارة المستلمة يصنع فارقًا كبيرًا بكيفية استجابة الخلية العصبية.
فلن تندمج -على سبيل المثال- إشارتان ضعيفتان، إحداهما قادمة من اليسار والأخرى من اليمين، مكونتين جهدًا كافيًا لإطلاق إيعاز عصبي، بينما يمكن لإشارة واحدة قوية بما يكفي قادمة من اتجاهٍ معين أن تُكوِّن إيعازًا.
تُعدُّ هذه طريقة جديدة لوصف ما يعرف بالتركُّم المكاني Spatial Summation، والذي قد يؤدي لابتكار طرائقَ جديدة لتصنيف الخلايا العصبية اعتمادًا على كيفية جمعها للإشارات المستلمة ومدى دقتها بناءً على اتجاه معين.
ومن الممكن أن تقودنا لاكتشافاتٍ شتى تُفسّر لنا العديد من الاضطرابات العصبية.
من المهم جدًّا أن لا ندير ظهورنا لقرنٍ كامل من الحكمة حول هذا الموضوع فقط بسبب دراسةٍ مفردة، فقد اعترف الباحثون أنهم قد اختبروا نوعًا واحدًا من الخلايا العصبية، المعروفة بالعصبونات الهرمية Pyramidal Neurons تاركين مجالًا واسعًا للعديد من التجارب المستقبلية.
تحسين فهمنا حول كيفية اندماج وحدات مفردة من العصبونات لتنتج سلوكيات معقدة – يقودنا لمجالات أخرى من البحث.
فمع الإلهام الذي تمنحه الشبكات العصبية للتكنولوجيا الحاسوبية المستقبلية، سيملك أي اكتشاف في هذا المجال العديد من التطبيقات المثيرة للاهتمام مستقبلًا.
اقرأ أيضًا:
تطور هائل: العلماء يكتشفون نوعًا جديد من الخلايا الدماغية لم نكن نعرفه من قبل
انجاز علمي ضخم: مهندسون يصممون رقاقات الكترونية تتصرف مثل خلايا الدماغ
دراسة جديدة: يمكن لإبطاء نمو الخلايا الدماغية منع ضعف الذاكرة بعد إصابات الدماغ
ترجمة: مرتضى أحمد جبار
تدقيق: صالح عثمان
مراجعة: نغم رابي