إنّ بطل هذا المقال هو أحد الفايروسات التي تدعى «العاثِيَات-Bacteriophages». فقد قامت «بيكا سولومون-Beka Solomon» العالمة الاسرائيلية من جامعة تل أبيب باكتشاف قدرة هذا الفايروس على حلّ صفيحات «الأميلويد بيتا-amyloid beta» السامة في أدمغة مرضى ألزهايمر.
فايروسات العاثيات هي فايروسات تغزو الخلايا البكتيريّة حصرًا، حيث إنّها تستهدف «الحمض النووي منزوع الأوكسجين-DNA» الخاصّ بالبكتيريا من أجل حقن حمضها النووي فيها والتحكم بعدئذٍ بالعمليات الحيوية داخل الخلية البكيتيرية.
جاء اكتشاف سولومون لفعالية الفايروس تجاهَ صفيحات الأميلويد- بيتا أثناء اختبارها لأجسامَ مضادّةٍ مُهندَسةٍ لتحفيز الجهاز المناعي ضدّ هذه الصفيحات السامّة. وبهدف زيادة قدرة هذه الأجسام المضادة على اختراق «الحائل الدموي الدماغي -Blood Brain Barrier» قامت سولومون بربطها مع عاثية يعرفها العلماء بـ «M13». وتعرف هذه العاثية أنها متخصصة بغزو بكتيريا «الإشريكية القولونية- Escherichia coli»، وهي بكتيريا تنمو في الأمعاء كَنُبَيت جرثومي معوي.
قامت سولومون بأخذ مجموعة من الفئران المصابة بألزهايمر نتيجة التعديلات الجينية عليها، وقامت بتقسيمها الى ثلاث مجموعات كالتالي: المجموعة الأولى خضعت لجرعات من الأجسام المضادة فقط، والمجموعة الثانية خضعت لجرعات من الأجسام المضادة المرتبطة بالعاثية، أما المجموعة الثالثة فقد خضعت لجرعات من العاثية فقط وذلك لأهداف قياسية علمية لا غير.
لم تتوقع سولومون أيّ تحسن على فئران المجموعة الثالثة، ولكنّ النتائج جاءت مفاجئة على عكس توقعاتها، حيث لاحظت أن الفئران التي تلقّت جرعاتٍ من العاثيات فقط قد قلَّ مستوى صفيحات الأميلويد-بيتا السامّة في أدمغتها بنسبة 80% عن تلك التي لم تتلقَ علاجًا، كما تحسنّت حاسّة الشمّ لديها أيضًا، توصّلت سولومون الى نتائج مذهلة بعد إعادة التجربة لمرات عدة على مدى سنة كاملة.
ولكن لم تكن لدى سولومون أيةُ فكرةٍ عن الآلية التي تتبعها تلك العاثيات من أجل القضاء على تلك الصفيحات السامّة، ولهذا الغرض قام «ريتشارد فيشر-Richard Fisher» المتمرس في خمس تقنيات حيوية ابتدائية، بالعمل على عدة تجارب حيث بدأ أولًا بإعادة تجربة سولومون مرّة اخرى، ولاحظ أنّ الفايروس وحدَه لديه قدرةٌ محدودةٌ على اختراق الحائل الدموي الدماغي، إلّا أنّه تفاجأ بنتيجة جديدة مفادُها أنّ «M13» ليس فعّالًا تجاه الأميلويد-بيتا فقط بل كذلك تجاه أنواعٍ أخرى من صفيحات الأميليود السامة كتلك التي عند مرضى «باركنسن أو شلل الرعاش- parkinson» ومرضى «هنتغتين-huntingtin».
فيشر وبالتعاون مع العالم الشاب الهندي «راجارامان كريشنان-Rajaraman Krishnan» الباحث بعد الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومجموعة أخرى من علماء الفايروسات قاموا بتطوير طفرات على «M13» لمعرفة نقطة قوة الفايروس في مهاجمة الصفيحات. واتّضح أنّه -وبمثل الآلية التي يتبعها الفايروس في مهاجمة الخلايا البكتيرية- يستخدم «M13» بروتينات توجد على طرفه تسمى «GP3».
ولأجل تطوير مركّبٍ قادرٍ على اختراق الحائل الدموي الدماغي واستخدام طبي أسهل، قام الفريق بتركيب تلك البروتينات الطرفية «GP3» على سطح أجسام مضادّة مُهَندَسة جديدة. حيث يمكن استخدام هذا الشكل الجديد الذي يسمى «NPT088» لإعطاء الدواء عن طريق القسطرة الوريدية بدلًا من قسطرة «فوق الجافية-Epidural».
أظهر الدواء فعالية عالية على الفئران والقرود، وتتمّ الآن محاولة الحصول على ترخيص لتجربته بشريًا.
إعداد: آية ملص
تدقيق: عبدالسلام الطائي