بدأ تفشي فيروس كورونا في الصين، وانتشر منها إلى أكثر بلدان العالم، ما أثار الشكوك والتساؤلات حول كفاءة الحكومات في مكافحة المسببات المرضية التي تنقل العدوى إلى الإنسان من الحيوان.
أعلنت عدة دول ارتفاع نسب الإصابة بفيروس كورونا (المعروف بفيروس كوفيد-19) الذي يُعتقد أنه انتقل إلى الإنسان من الخفاش. وسبَّب إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا جائحةً انتشار حالة من الذعر.
وقَّع الآباء في إحدى المدارس الكندية عريضة احتجاج على إدخال الأطفال الذين زارت عائلاتهم الصين، وطلبوا إبقاءهم خارج المدرسة مدة 17 يومًا (التقدير الحالي لفترة حضانة الفيروس تمتد من يومين إلى أسبوعين). قوبل الطلب بالرفض، مع التنويه بأن الفيروس لم يثبت أنه صيني المنشأ، بل اكتُشف هناك فحسب.
أثارت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية بفرض الحجر الصحي على الملايين من الناس، وفرض الحظر الجوي، دهشة العديد من المختصين في مجال الأمراض المُعدية (وتكرر تطبيق هذه الإجراءات في دول أخرى). أثارت هذه الإجراءات تساؤلات حول كونها وقائية أم تعسفية، نظرًا إلى قلة المُعطيات التي تخص شدة انتشار العدوى وشدة الإصابة.
قد يُنتِج عن فيروس كورونا طفرات، وقد يستقر في الدول الفقيرة أو المتوسطة اقتصاديًّا، حيث تضعف رقابة النظم الصحية على تفشي الأمراض، ما سيضعف قدرتها على مكافحة المرض. أثارت هذه التساؤلات المخاوف، وزادت منصات التواصل الاجتماعي الحال سوءًا، إذ تعتمد على محتوى منحاز يفتقر إلى الدقة والموثوقية العلمية.
تهديد اقتصادي
تتجاوز أضرار انتشار الفيروس الأضرار البيولوجية، إلى أضرار نفسية واجتماعية، نظرًا إلى دخول الجانب السياسي والاقتصادي ميدان الفوضى التي نشرها المرض. عُدّ الحجر الصحي الذي فرضته الصين بداية انهيار اقتصادي عالمي، قد يؤثر سلبًا على الصحة العامة بقدر يفوق تأثير المرض ذاته.
سابقًا أثار تفشي مرضي سارس وإيبولا جدلًا حول مدى فعالية الإجراءات التي اتخذتها السلطات في مواجهة الجائحتين. ما غير الموازين عالميًّا، إذ سنّت منظمة الصحة العالمية قوانين جديدة (تجلت في إنشاء وكالة الصحة العامة في كندا عام 2004)، وشرعت في استخدامها فور انتشار الفيروس الجديد.
تُظهر الاستجابة العالمية لانتشار فيروس كورونا التطور الملحوظ، بالتزامن مع تدفق المعلومات والتقارير التي تنشرها السلطات الصينية. لكن ذلك لا يلغي الحاجة إلى الإجراءات الحكومية المطلوبة على مستوى السلطات الرسمية، لتحقيق زيادة الوعي في مواجهة الجائحات الكبرى.
البدء بالفرد وسلامته هي استراتيجية تجزم بارتباط صحة الإنسان بصحة الحيوان والبيئة التي يعيشان فيها. عمليًّا، يستند ذلك إلى علوم الإنسان والحيوان والبيئة، مع الأخذ بعين الاعتبار الدراسات الإنسانية والاجتماعية، للوصول إلى أساس متفاعل يعتني بتبادل المعلومات والأداء المتسق على جميع الأصعدة.
الإجراءات الحكومية الفعالة
بوصفنا من خبراء الصحة العامة، نحاول أن ننشئ شبكة أساسها صحة الفرد، تُعرف باسم 1HN Global، تُركز اساسًا على السيطرة الفعالة على تفشي الأمراض المُعدية، وزيادة المقاومة للمضادات الجرثومية، محليًّا وعالميًّا.
تعتمد السيطرة على صحة الفرد على 3 إجراءات مترابطة:
- المراقبة المطورة (الاكتشاف).
- الاستجابة (التنسيق والتعاون على مختلف المستويات والقطاعات).
- العدالة (التركيز على الحالات الحرجة أولًا).
مع استمرارية مواكبة هذه الإجراءات لخطط التطوير والتنمية.
باستثناء الإنفلونزا، لم تُثبت سوى القليل من النظم فعاليتها في تحليل البيانات التي تشمل الإنسان أو الحيوان. ما يحد من القدرة على تحديد أي الأمراض من أصل حيواني -العدوى التي تنتقل مباشرةً بين الإنسان والحيوان- ومراقبة تطور الإصابة.
تساعد نظم مراقبة المرض على الكشف المبكر عن الإصابات المرضية التي تخترق حاجز النوع. وتحد الاستجابة المبكرة للحالات المُمرضة من الانتشار الأولي للمرض، وتؤدي إلى الإلمام بطرق وقاية أفراد الطاقم الطبي من العدوى، ومن ثم تخفيف وطأة الجائحة وتخفيف حالة الذعر المنتشر.
نبقى أمام معضلة التنسيق على مختلف المستويات والقطاعات الحكومية عند مواجهة الأمراض التي تنتقل عبر الحيوان، وعند مواجهة الأمراض المُعدية عمومًا. إذ لا تلعب المجتمعات المتأثرة دورًا فعالًا.
عند انتشار وباء إيبولا بين عامي 2013 و2016، أدت قلة التواصل بين المجتمعات إلى فقدان الثقة بالقوى العاملة على المكافحة والوقاية. وأدى عدم استيعاب اختلاف الثقافات إلى صعوبة التوعية بكيفية ممارسة طقوس دفن أكثر أمنًا. فظهرت الحاجة إلى استخدام علم الإنسان -الدراسة الدقيقة للأعراف والممارسات الاجتماعية- في مجال مكافحة انتشار الأوبئة.
برزت أيضًا تحديات التنسيق على مستويات أعلى، نظرًا إلى ضعف المنظومات الحكومية. وهو ما اتضح عند تفشي سارس في كندا عام 2002، إذ فشلوا في احتواء المرض نتيجة ضعف التنظيم والتواصل بين المفوضين الحكوميين ودوائرهم. ومن الملاحظ ازدياد الوعي الحكومي في كندا مُذَّاك.
الصحة العامة، وصحة الحيوان، والزراعة
شمل التطور أيضًا المنظمات العالمية المعنية بالصحة العامة وصحة الحيوان والزراعة، في مجال مراقبة تفشي الأمراض على مستوى العالم.
مع غياب القرار الجماعي حول كيفية مجابهة تفشي الأمراض التي تنتقل من الحيوانات، مازال المجال مفتوحًا لتثبيت خطانا نحو مبادئ صحة فردية أفضل.
يخشى البعض حتى الآن اجتياح الأوبئة للدول الأضعف. وتبرز الحاجة إلى تعميم سياسات الاستجابة للحالات المرضية الجائحة، مع الأخذ بعين الاعتبار أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة. يتطلب هذا أيضا فهم الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لانتشار الأمراض من الحيوانات.
مثلًا، ساعد استخدام العمال الأجانب في المناجم والاحتطاب على انتشار إيبولا في غرب أفريقيا، إذ لعب دورًا في ازدياد نسبة تعرض الإنسان للخفافيش الحاملة للمرض، ما أثر في الصراعات القائمة، وازدادت الشركات والمستثمرون العالميون ثراءً.
بتمييز أثر العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية على الأمراض التي تنتشر من الحيوان، وأهمية العلوم الاجتماعية في مفهوم صحة الفرد، نستخلص أن الاستجابة الفعالة للجائحات المرضية كفيروس كوفيد-2019 تتطلب بدء الاهتمام من المستوى الفردي.
بدأ تنفيذ مفهوم الاستجابة على مستوى الفرد (Global 1HN) في كندا، باستخدام العديد من خبراء الصحة الذين يعملون جنبًا إلى جنب مع العملاء الفدراليين، وآخرين في شبكات المنظومات الصحية، للاستفادة من تجاربهم في تعزيز المعارف الحالية حول كيفية الوقاية من الأمراض المعدية.
مازال الخطر الحقيقي متربصًا بنا في جائحة الكورونا الراهنة. لكن العنوان يصح على الوجهين: فهو وباء مخيف وخوف وبائي.
اقرأ أيضًا:
الحجر الصحي عبر التاريخ البشري
قد يتحول فيروس كورونا الجديد إلى مرض موسمي مستوطن يعاود الظهور كل سنة!
ترجمة: بشرى عيسى
تدقيق: باسل الأمير حسن
مراجعة: أكرم محيي الدين