ركزت عدة دراسات خلال السنوات الماضية على استخدام فيتامين د لمنع تطور أنواع مختلفة من السرطانات والوقاية منها، من بينها سرطان البروستات والجلد والثدي والأمعاء.

أثبتت أيضًا دراسات سابقة وجود علاقة بين مستويات فيتامين د المرتفعة في الجسم وانخفاض خطر الإصابة السرطان، بالإضافة إلى قلة معدل الوفيات الناتجة عنه. درس العلماء إضافة إلى ذلك استخدامات فيتامين د بالتزامن مع نوع جديد من أنواع علاجات السرطان، والمعروف بالعلاج المناعي.

اكتشف حاليًا الباحثون في معهد المملكة المتحدة لأبحاث السرطان في مانشستر، وجامعة مانشستر في المملكة المتحدة، فوائد فيتامين د في موازنة ميكروبيوم الأمعاء، ما يعزز بدوره آلية عمل العلاج المناعي للسرطان، واستعانوا بنموذج فأر لدراسة ذلك.

نُشرت الدراسة مؤخرًا في صحيفة Science.

استخدام العلاج المناعي لمواجهة السرطان:

يعد العلاج المناعي أحد أنواع العلاج التي تعتمد على تقوية الجهاز المناعي للجسم وتعزيز قدرته على مواجهة السرطان.

تتضمن أنواع العلاج المناعي المختلفة كلًا من الأضداد وحيدة النسيلة، ومثبطات نقاط التحقق المناعية، وعناصر ضبط الجهاز المناعي، ولقاحات السرطان، وعلاجات الخلايا التأقلمية مثل العلاج بالخلايا التائية CAR.

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية خلال السنوات على عدد من تقنيات العلاج المناعية لمواجهة أنواع مختلفة من السرطانات، ويضاف إليها مزيد من التقنيات بمرور الوقت.

وضح الدكتور إيفانغيلوس غامبازولياس، مدير مجموعة الرصد المناعي للسرطان في معهد المملكة المتحدة لأبحاث السرطان بجامعة مانشستر، والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، في مقابلة له مع صحيفة Medical News Today: «ينشط العلاج المناعي الجهاز المناعي للجسم ويعززه على مهاجمة الخلايا السرطانية».

وأضاف: «أحدث العلاج المناعي ثورة في علاج أحد أكثر أنواع السرطان فتكًا، وهو الورم الميلانيني النقيلي، وأُعطي الموافقة لاستخدامه علاجًا رائدًا متصدرًا لمواجهة مجموعة واسعة من الأورام الخبيثة، بما فيها سرطانات الكلية والرئة الخبيثة».

ويكمل قائلا: «لا يستجيب رغم ذلك جميع المرضى للعلاج بالتساوي، ولا يلاحظ إلا جزء صغير منهم فوائد طويلة الأمد. يعد فهم متى وكيف تتعرف خلايا الجهاز المناعي على الخلايا السرطانية الخبيثة كعامل خطر في الجسم أمرًا ضروريًا لتصميم تقنيات علاجية تعزز قدرة المناعة على مواجهة السرطان والقضاء عليه».

كيف يؤثر فيتامين د في صحة الأمعاء وعلاج السرطان؟

قال غامبازولياس وزملاؤه في الدراسة إنهم فُتِنوا بأن الدور الوقائي لفيتامين د من السرطان كان غائبًا لدى الفئران التي عولجت بالمضادات الحيوية، أو التي نشأت في بيئة معقمة خالية من الميكروبات الحية.

أوضح غامبازولياس قائلا: «افترض فريق البحث بناء على هذه النتائج أن فيتامين د يعزز مناعة الجسم ضد السرطان بتأثيره في جماعات الكائنات الدقيقة المفيدة التي تعيش داخل أجسام الحيوانات، المعروفة باسم الميكروبيوم. وجد الفريق أن فيتامين د يؤثر في الخلايا المبطنة للأمعاء، ما يزيد من كمية أحد أنواع البكتيريا المدعوة بالعصوانيات الهشة».

تعد العصوانيات الهشة، وفقًا لما قاله غامبازولياس، عضوًا في جماعات أكبر من الكائنات الدقيقة، التي تتخذ من أمعاء الفئران والبشر مسكنًا طبيعيًا لها.

أكمل غامبازولياس كلامه: «أعطيت الفئران التي كانت تحصل على مستويات نموذجية من فيتامين د بكتيريا العصوانيات الهشة، لتحديد ما إذا كانت البكتيريا وحدها تستطيع تحسين المناعة ضد السرطان وتعزيزها. أظهرت الفئران تحسنًا في قدرتها على مقاومة نمو الورم. لكن لم يُلحظ هذا التأثير في الفئران التي لم تُعط فيتامين د ضمن نظامها الغذائي».

وأضاف قائلا: «ما يزال السبب الكامن وراء قدرة العصوانيات الهشة على تعزيز المناعة المقاومة للسرطان مجهولًا، لكن تسلط نتائج الدراسة الضوء على وجود علاقة بين فيتامين د وميكروبيوم الأمعاء، التي تؤثر بدورها في رد الفعل المناعي ضد السرطان لدى الفئران. يلزم إجراء مزيد من الأبحاث لتأكيد وجود صلة محتملة بين فيتامين د والمناعة ضد السرطان لدى البشر».

طرق محتملة جديدة لتعزيز علاجات السرطان وتطويرها:

عبر الدكتور أنطون بيلشيك -جراح أورام ورئيس الأطباء، ومدير برنامج الجهاز الهضمي والكبدي في معهد بروفيدنس سانت جونز للسرطان في سانتا مونيكا بكاليفورنيا- لصحيفة Medical News Today بعد مراجعته للدراسة عن مدى أهميتها، وفسر ذلك بأن الأطباء يعلمون فوائد فيتامين د وأهميته في الوقاية من السرطان، لكن ما تزال الآلية الكامنة وراء ذلك مجهولة.

وضح بيلشيك قائلًا: «تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تقترح تأثير فيتامين د في أحد أنواع البكتيريا من ميكروبيوم الأمعاء لدى الإنسان، ما يؤثر بدوره في الجهاز المناعي مقللًا من خطر تطور سرطانات في الجسم. وتظهر أن العلاج المناعي ازداد فاعليةً بوجود مستويات أعلى من فيتامين د، وهو الأمر الأهم. ما تزال التقنيات التي شُرحت سابقًا جديدة تمامًا».

أجرت صحيفة Medical News Today أيضًا مقابلة مع الطبيبة شما فاروق، وهي مختصة بعلم الأورام العصبية في معهد هاكينزاك ميرديان لعلم الأعصاب بكلية الطب في جامعة جيرسي شور، والبروفيسورة المساعدة في قسم العصبية بكلية الطب في جامعة هاكينزال ميرديان في نيو جيرسي.

قالت الطبيبة شما أن الدراسة السابقة تشير لوجود رابط بين فيتامين د، وميكروبيوم الأمعاء، والمناعة ضد السرطان، ما يفتح آفاقًا جديدة لتحسين استراتيجيات علاج السرطان والوقاية منه.

وأضافت قائلة: «يعد إجراء مزيد من الأبحاث في سبيل تعزيز مناعة الجسم وتلقي الفائدة العظمى من العلاج المناعي أمرًا ضروريًا، ويعود ذلك لكون السرطان مرضًا معقدًا وله أساليب متنوعة للتهرب من مناعة الجسم. يستطيع الباحثون تطوير تقنيات العلاج لتصبح أكثر فاعلية واستهدافًا، وذلك من خلال اكتشاف طرق جديدة لتعزيز قدرة جهاز المناعة على التعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها، محسنًا بذلك نتائج المرضى ومعدلات النجاة».

كم تقدر كمية فيتامين د اللازمة لتقليل خطر تطور السرطان؟

قد يتسائل الناس بعد قراءتهم للمقال عما إذا كانت مستويات فيتامين د لديهم طبيعية، ما قد يساعد على تقليل خطر الإصابة بالسرطان.

أكد بيلشيك على أهمية أن تكون مستويات فيتامين د في الجسم ضمن المجال الطبيعي، الذي لا تقتصر فائدته على الوقاية من السرطان، بل يؤدي دورًا هامًا في كثافة العظام، والحماية من الكسور، وتقليل خطر الإصابة بهشاشة العظام.

وأضاف قائلًا: «يؤدي فيتامين د أدوارًا ضرورية في الجسم، ويتوافر بكل سهولة في النباتات واللحوم وأشعة الشمس، وهذا يجعل تعداد السكان المصابين بنقص فيتامين د أمرًا صادمًا حقًا».

توضح المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة أن المجال الطبيعي لفيتامين د والصحي للعظام والجسم عامًة لدى معظم الأشخاص يتراوح بين 50 نانومتر في اللتر أو أكثر. قد يتسبب انخفاض مستوى فيتامين د حتى أقل من 30 نانومتر في اللتر أو ارتفاعه لأكثر من 125 نانومتر في اللتر بمشاكل صحية.

أنهت الطبيبة شما: «يجب على الناس بناءً على نتائج الدراسة التأكد من أن مستويات فيتامين د لديهم ضمن المجال الطبيعي، ليكون جزءًا من نهج كامل لتقليل خطر الإصابة بالسرطان. ما تزال العلاقة بين العوامل السابقة غير مفهومة تمامًا وبحاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث، لكن يفضل الحفاظ على مستويات طبيعية من فيتامين د لفوائده في الصحة العامة وتقليل احتمالية الإصابة بالسرطان».

اقرأ أيضًا:

هل يسبب عوز فيتامين د الإصابة بالاكتئاب؟

أظهرت دراسة كبيرة الارتباط بين فيتامين د وشدة الصدفية

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: ألاء ديب

المصدر