أعلنت معامل ليجو (LIGO) والتي تتكون من مرصد ليجو في هانفورد (Hanford) ومرصد ليجو في ليفينجستون (Livingston) ومعهد كالتك (Caltech) ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عن فوز ثلاثة من أعظم وأقدم علماء المعهد بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2017 وهم باري باريش (Barry Barish) وكيب ثورن (Kip Thorne) من معهد كالتك وراينر فايس (Rainer Weiss) من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
أعلنت لجنة جائزة نوبل في ستوكهولم بالسويد هذا الخبر في الثالث من أكتوبر.
عشرات السنين من العمل.
بينما قد يبدو فوز العلماء الثلاثة مفاجئًا، إذ أن الجائزة منحت بعد عامين فقط من الاكتشاف (لكنّ المعتاد أن تمنح بعد سنين طويلة)، إلا أنه في الحقيقة جاء مكافأةً لعشرات السنوات من العمل.
وبالرغم من أن ليجو استطاع من اكتشاف موجات الجاذبية منذ مدة قصيرة، إلا أن رحلته لتحقيق هذا الاكتشاف بدأت منذ 45 عامًا.
جاءت فكرة ليجو لـ راينر فايس في بداية السبعينات في القرن الماضي، عندما كان مدرسًا مساعدًا للفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إذ كان يحاول أن يجد طريقة ليشرح بها موجات الجاذبية لتلاميذه (وهي موجات تنبأت بها النظرية النسبية العامة).
وفي لقاء مع الكاتبة جينيفر تشو (Jennifer Chu) في أخبار معهد ماساتشوستس، يتذكر فايس فكرته ويقول: «كانت معضلتي في هذا الوقت، وحينها حققنا الاختراع. قلت لنفسي ما هو أبسط شيء يمكن أن أفكر به ليوضح للطلاب إمكانية كشف موجات الجاذبية وتأثيرها؟
كانت أبسط فكرة بالنسبة لي هي كالتالي: لنأخذ جسمين يسبحان بحرية في الفضاء ونحسب الزمن الذي يحتاجه الضوء للسفر بينهما.
وجود موجات الجاذبية قد يتسبب في تغيير ذلك الزمن. عندما عرفت ما يمكننا عمله بالليزر، فكرت بهذا الشكل: هل يمكننا فعلًا كشف موجات الجاذبية بتلك الطريقة؟ ووصلت للنتيجة أنه يمكننا ذلك فعلًا».
لاحقًا في عام 1972 فكر فايس في الفكرة بشكل جيد وكتبها، ثم قام بنشرها في ورقة علمية بعنوان (لاقط موجات الجاذبية العامل بالموجات الكهرومغناطيسية واسع المدى).
وصف فايس في هذه الورقة بالتفصيل تصميم الجهاز ووعد باستخدام تداخل الليزر لكشف موجات الجاذبية. وضع فايس في ذلك البحث ذي الـ 22 صفحة التصميم الأولي لجهاز كاشف موجات الجاذبية العامل بتداخل الليزر (والذي أطلق عليه في ذلك الوقت لاقط أو آريال).
وهكذا ولد ليجو على الأقل على الورق.
واليوم لا ينكر أحد حقيقة أن ليجو يدين لراينر فايس بوجوده.
ولكن تحويل الفكرة إلى حقيقة احتاج لـ 20 عامًا.
لم يكن من الممكن لرجل واحد، حتى راينر فايس نفسه، أن يقوم ببناء هذا المرصد وحده. خلال تلك العشرين سنة الأولى وأثناء محاولته إبقاء فكرة تلك التجربة التقى راينر بالشريك المناسب، إذ التقى فايس في عام 1975 بـ كيب ثورن من جامعة كالتك، وهو اللقاء الذي سيساعد التجربة العلمية الأكثر خطورة على البدء والتطور.
حظي ثورن بالاحترام العالي والتقدير كما كان فيزيائيًا نظريًا مشهورًا (مع خبرة في موجات الجاذبية منذ نهاية الستينات من القرن الماضي)، كما كان محترمًا بين الأقران والزملاء وجماعات البحث ووكالات تمويل ليس لها مثيل.
كانت إسهامات كيب ثورن في تحديد الأهداف الفيزيائية الفلكية هي محور التصميم والملاحظات في الأجهزة الأولى، كما أعطى حضوره مصداقية للفكرة.
تعد مساهمة ثورن في إقناع العديدين بإمكانية نجاح ليجو بنفس أهمية مساهمة راينر في ولادة فكرة ليجو.
أقنع ثورن كالتك لتكوين مجموعة بحث في موجات الجاذبية، كنتيجة لتواصله مع فايس. قاد المجموعة رون دريفر (Ron Drever) من جامعة غلاسكو (Glasgow University) (ويعتبر دريفر أحد مؤسسي ليجو، كما ساهم في ابتكار أسلوب باوند – دريفر- هال (Pound–Drever–Hall technique) لثبات الليزر، وهو ضروري لنجاح ليجو في في رصد موجات الجاذبية).
توفي ديفر لسوء الحظ في بداية عام 2017 ولكن بعد أن عرف بنجاح ليجو.
وهكذا تكون ثالوث ليجو، فكرة ورؤية راينر، عقلية ثورن الفيزيائية النظرية العظيمة، وهندسة دريفر العبقرية، ومع كل قدراتهم ومجهوداتهم لم يكن هناك أي عائق يستطيع إيقاف تطور مشروع ليجو من مجرد فكرة لحقيقة واقعة.
عام 1989، تقدم فايس وثورن، مع الكثير من العاملين معهم على فكرة ليجو وفيزياء موجات الجاذبية، بمقترح لمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية (NSF) والتي ساندت الفكرة منذ البداية.
تضمن المقترح فكرة راينر وتصميمه للآلات، مع تحديثها بكل الابتكارات الهندسية والتكنولوجية التي حدثت خلال الـ 17 عامًا السابقة.
وافقت المؤسسة على العرض بالرغم من المخاطر الكبيرة، وبدأ العمل على مرصدَي ليجو المتطابقين عام 1994 في هانفورد بولاية واشنطن وفي ليفينجستون بولاية لويزيانا.
انضم باري باريش للثلاثي في ذلك الوقت، وأصبح الباحث الرئيسي لليجو في عام 1994، وقد ساعد على نمو مجموعة العمل من مجموعة صغيرة مركزة تبني فكرة بدائية لتصبح فريق عمل كبيرًا قادرًا على تنفيذ المراصد والأجهزة اللازمة.
أتى باريش بالمعرفة اللازمة لكيفية بناء مشروع قادر على النجاح، ولكن الأكثر أهمية، أنه أتى برؤية ومقدرة على تخطيط وتنفيذ العلم.
وقد ساعدت رؤيته ليس فقط على بناء المراصد والمستكشفات الأولى، ولكن كذلك على إنشاء تحالف ليجو العلمي، والعرض الناجح لبناء ليجو المتقدم، وهي الأدوات التي استطاعت أخيرًا التقاط موجات الجاذبية لأول مرة.
لقد كان باريش الإضافة المثالية اللازمة لنجاح ليجو مع راينر وكيب.
أثمرت جهود راينر فايس وكيب ثورن وباري باريش أخيرًا بعد 21 عامًا من العمل.
استطاع ليجو أخيرًا في الرابع عشر من سبتمبر من عام 2015 رصد التشوهات الحادثة في الزمكان والناتجة عن اندماج ثقبين أسودين عملاقين على بعد 1.3 مليار سنة ضوئية عنا.
حقق ليجو مصيره بعد ما يقرب من نصف قرن من ولادة فكرته.
ولذلك وبالرغم من منح جائزة نوبل للفريق بعد عامين فقط من تحقيق هذا الاكتشاف التاريخي لليجو، إلا إنها اعتراف بمجهودات استمرت 45 عامًا منذ وضع الفكرة مرورًا بالتصميم والتخطيط والاختبار ووضع النموذج الأولي عبر عقود من الزمن مليئة بالبحث والهندسة والاختراع والابتكار وتقدم الحواسيب والليزر والبصريات، وخاصة المجهودات العظيمة من ثلاثة رجال مُلهمين: باري باريش وكيب ثورن وراينر فايس.
لا يوجد أي مجال للشك أنهم استحقوا اعتراف لجنة نوبل لمجهوداتهم.
مبروك لكم جميعًا…
- ترجمة: جورج فام
- تدقيق: جعفر الجزيري
- تحرير: ياسمين عمر
- المصدر