فرديناند ماجلان أو فرينو دي ماجيلان (1480-1521) بحّار برتغالي كانت رحلته الاستكشافية أوّل رحلة تبحر حول الكوكب واستمرّت ثلاث سنوات بين عامي 1519 و1522 وكانت تخدم إسبانيا آنذاك.
نجح فقط 22 من أفراد الطاقم -الذي كان مكوّنًا من 270 رجلًا- من العودة إلى أوروبا. نستعرض في الجزء الأول من المقال إعداد الرحلة، والأسباب وراءها، وأهم الأحداث والتمرّدات التي نشبت في أثنائها.
حققت هذه البعثة هدفها المتمثل في إمكانية الإبحار إلى آسيا بالانطلاق من أوروبا غربًا بعد اكتشاف ما أصبح يسمى حاليًا مضيق ماجلان جنوب باتاغونيا، يصل المحيطين الأطلسي والهادئ.
اعترضت الرحلةَ صعوباتٌ وعوائق جمة وحالات تمرّدٍ كبيرة. لم تكمل الرحلة حول العالم سوى سفينة فيكتوريا -واحدة من خمس سفن انطلقت في الأسطول- التي كان ربّانها سباستيان إيلاكنو وعادت ممتلئةً إلى آخرها بالتوابل الثمينة.
قطعت هذه الرحلة قرابة مسافة 60 ألف ميل؛ ولم يأتِ عبثًا وصفها بأنها إحدى أعظم رحلات الاستكشاف على الإطلاق.
حياته الباكرة
وُلِد فرديناند ماجلان لعائلة تنتمي إلى طبقة النبلاء الصغار في البرتغال في فيلا ريل في تراس أوس مونتس نحو عام 1480. عمل والد فرديناند مسؤولًا عن أمن ميناء أفيرو وكانت والدته تُدعَى ألدا دي ميسكيتا.
في عمر الثانية عشرة أُرسِل فرديناند إلى لشبونة ليصبح خادمًا أو صبي مراسلة للعائلة الملكية وقد خدم أولًا الملكة ثم الملك مانويل الأول (1495-1521). في أثناء خدمته في البلاط تلقّى فرديناند تعليمًا ممتازًا في الرياضيات وعلم الفلك والملاحة.
ومع بلوغه سنّ الرشد خدم في الجيش البرتغالي في غربي الهند ابتداءً من عام 1505، ثم انطلق في رحلات استكشاف إلى سوفالا وكيلوا في أفريقيا الشرقية.
في عام 1905 شارك فرديناند في الحرب بين البرتغال والتحالف المصري الغوجاراتي في ديو(1) غرب الهند. وفي عام 1510 ساعد في غزو البرتغال لغوا وملقة في ماليزيا عام 1511. ثم أبحر عائدًا إلى وطنه البرتغال عام 1513 ليخدم العرش في القوة البحرية الاستكشافية التي هاجمت أزمور في المغرب. في هذه المرحلة أًصيبَ فرديناند بجرحٍ خطير في ركبته جعله أعرج بقية حياته.
في أواسط الثلاثينيات من عمره كان ماجلان قد اكتسب خبرة معتبرة في المجالين العسكري والسفر بحرًا، لكن في عام 1517 خرج ماجيلان عن طاعة ملك البرتغال وأصبح ولاؤه لإسبانيا. قد يكون موقفه هذا يعود إلى الشائعات التي دارت حول مشاركته في عمليات سلب لصالحه في أزمور مع أن هذه التهم قد أُسقطَت عنه رسميًا. قدّم فرديناند ماجلان طلبات التماس إلى البلاط البرتغالي ليدعم عمله، لكنها رُفضَت جميعها، وقد تكون الشائعات هي وراء ذلك.
مهما كان السبب الحقيقي قُدِّر لماجلان أن يكتسب شهرته وهو في خدمة ملك إسبانيا تشارلز الأول (1516-1556). تخلّى ماجلان عن العمل تحت خدمة مانويل الأول وانتقل إلى إشبيلية عام 1517 وأعطى لنفسه اسمًا جديدًا وهو هرناندو دي ماجلان. بحلول نهاية عام 1517 كان ماجلان قد تزوّج بياترز ابنة دييغو باربوسا التاجر البرتغالي الغني وصاحب النفوذ الذي أقام أيضًا في إشبيلية. وُلِد ابنه رودريغو عام 1518.
الإمبراطوريتان البرتغالية والإسبانية
أُرسِل كلا المستكشفين كريستوفر كولومبس (1451-1506) وفاسكو دي غاما (1469-1524) لإيجاد طريق بحري بين أوروبا وآسيا يحقق وصولًا مباشرًا لتجارة التوابل الشرقية المربحة على نحوٍ هائل ولإيجاد أراضٍ زراعية جديدة وحلفاء مسيحيين محتملين لمواجهة الخلافة الإسلامية في الشرق الأوسط. اعترضت الأمريكتان طريق كولومبس، ولكن دي غاما التفَّ حول رأس الرجاء الصالح وعبر المحيط الهندي ليصل إلى الهند عام 1498.
أنشأت البرتغال مستعمرات مثل كوشين البرتغالية عام 1503 وغوا 1510. وكانت إندونيسيا مصدر العديد من التوابل النادرة. وقد فتح الملاح البرتغالي فرانسيسكو سييرو طريقًا وأبحر إلى جزر التوابل أكا وملاكو أو الملوك عام 1512.
أقدمت المملكتان البرتغالية والإسبانية بوقاحة وجرأة على تقسيم العالم إلى قسمين يخضعان لنفوذهما في معاهدة تورديسيلاس عام 1494 التي حصلت إسبانيا بموجبها على الأمريكيتين وحصلت البرتغال على سواحل أفريقيا ثم الهند وشرق آسيا. لم تهتم كلتا الدولتين إلى أن أناسًا كانوا يعيشون في تلك الأماكن أو لوجود طريق تجارة ناجح جدًا. لم يكن الملكان أيضًا على وفاق تام حول الحدود التي تبدأ عندهما دولتاهما وتنتهي ويعود السبب وراء ذلك إلى أن كليهما لم يبدأ ببناء إمبراطورية على أرض الواقع حقًا. بحلول عام 1518 كانت البرتغال قد نجحت في تأسيس سلسلة من مراكز التجارة من آسيا إلى إفريقيا.
لم يرغب تشارلز في أن يتخلّف عن البرتغال وخصوصًا أنه كان سيصبح تشارلز الخامس الإمبراطور الروماني المقدّس (1519-1556)، وكان يأمل أن تكون جزر التوابل المربحة في مناطق نفوذه، ولكن في تلك الحقبة من التاريخ كان موقع جزر التوابل الجغرافي غير واضح تمامًا بالنسبة للجميع ودارت شائعات حول تعمُّد رسامي الخرائط البرتغاليين تغيير موقع الجزر ووضعها في مناطق نفوذ البرتغال.
إضافة إلى ذلك فإذا استطاع تشارلز بلوغ هذا الأرخبيل من الشرق أي عبر أمريكا الجنوبية والمحيط الهادئ اللذين كانا ضمن مناطق نفوذ إسبانيا، فسوف يجرؤ على المطالبة بتلك الجزر. عرض فرديناند ماجلان على الملك خطة مقنعة للوصول إلى هذا الأرخبيل من الشرق بعد اتّفاقه مع عدة بحارة أمثال سييرو، ودعمِ راسمي خرائط وعلماء فلك ذوي خبرة له، مثل ري فاليريو. كان في جعبة ماجلان أيضًا معلومات مفصّلة عن الإمبراطورية البرتغالية والطرق البحرية. وافق تشارلز على هذا المقترح وجعل ماجلان قائدًا لأخوية سانتياغو(2) لحسن تدبيره وإعداده الجيدين.
كان لهذا المقترح العديد من المنافع مثلما رأى ماجلان؛ فإضافةً إلى قطع الطريق أمام البرتغال؛ فإن إيجاد ممر بحري كهذا يبدأ غربًا من أوروبا إلى ماليزيا من شأنه أن يوفّر الكثير من الوقت ويقلّل الصعوبات أمام السفن مقارنة مع الطريق الذي يلتفّ حول أفريقيا.
لم يكن الأوربيون أيضًا على دراية كبيرة بالبحار والأراضي التي تقع شرقي ماليزيا ولكنهم أدركوا أنهم قد يستفيدون كثيرًا من الرياح التجارية للمحيطين الأطلسي والهندي إذا عرفوا بالضبط مكان هبوبها وزمانها؛ ولهذا السبب اقترح ماجلان إيجاد هذا الطريق الذي ينطلق من أوروبا عبر الأطلسي إلى أمريكا الجنوبية، ثم يتابع إلى المحيط الهادئ ثم إلى شرق آسيا، ومن هناك تُحمَّل السفن بالتوابل وتعبر المحيط الهندي وتلتفُّ حول رأس الرجاء الصالح وتبحر شرقي المحيط الأطلسي حتى أوروبا.
لم يعبر أحدٌ من قبل هذا الطريق أو يطف بحرًا حول العالم. لم يسبق لأوروبي أن رأى المحيط الهادئ سوى فاسكو نونيز دي بالبوا (1475-1519) عندما عبر برزخ بنما عام 1513. لم يعرف الأوروبيون تيارات هذا المحيط أو تنبّؤوا بعواصفه أو حسبوا المدة التي ستستغرقها السفن في عبوره. كانت المخاطر عالية جدًا ولكن المكاسب المحتملة لا تُحصَى، وقد وعد ماجلان نفسه بنسبة من الأراضي والثروة التي سيطالب بها لصالح التاج الإسباني.
أسطول ماجلان
تسلّم ماجلان قيادة الأسطول المكوّن من خمس سفن الذي حمل اسم Armada de Molucca وكان من أفضل الأساطيل إعدادًا وتجهيزًا في تاريخ الاستكشاف. تألّف الأسطول من سفينة ترينداد التي كانت السفينة القائدة وتزن مئة طن وسان أنطونيو التي يصل وزنها إلى 120 طن وكونسيبيسيون التي كان وزنها 90 طنًا وفيكتوريا 50 طنًا وأخيرًا سانتياغو 75 طنًا.
مُنِح كلٌ من فرديناند ماجلان وفالييرو لقب قبطان، وهذا إجراء احترازي في حالة حدوث شيء ما لماجلان. وقد عيَّن تشارلز جوان دي كارتينجا مفتّشًا عامًا ليشرف على جميع الشؤون المالية. ويُحتمَل أن تشارلز عهدت له مهمة أخرى تمثّلت في ضمان ولاء القبطانين البرتغاليين للتاج الإسباني. إلا أن عدم اتّزان فالييرو عقليًا أدّى إلى إخراجه من البعثة وكان هذا في صالح ماجلان الذي احتفظ بجميع الرسوم البيانية والأدوات الملاحية التي تخصّ فالييرو. كان ذلك أمرًا سيئًا لمستقبل الرحلة لأن كارتينجا رأى نفسه قائدًا بالمشاركة مع ماجلان الذي كان بلا شكّ أميرال الأسطول ذي الخمس سفن.
ولزيادة الأمور سوءًا اعتدَّ قبطانا السفينتين فيكتوريا وكونسيبيسيون الإسبانيين لويس دي ميندوزا وغاسبر دي كوسادا بنفسيهما واعتبرا أنهما أرفع منزلة من قائدهما البرتغالي. غادر القائد البرتغالي إشبيلية في العاشر من أغسطس عام 1519 بطاقم متعدّد الجنسيات من جميع أنحاء أوروبا يتراوح عدد رجاله بين 260 إلى 270 رجلًا. رسا الأسطول في جزر الكناري ليتزوّد بالمؤن وغادر في الثالث من أكتوبر.
في تلك الأثناء تلقى ماجلان أخبارًا مفادها أن أسطولين برتغاليين كانا يلاحقان أسطوله ومصممين على منع إسبانيا من دخول إمبراطورية البرتغال السرية في الشرق؛ ولذلك أبحر ماجلان مقابل جزر كيب فيرداس (الرأس الأخضر) وجنوب ساحل أفريقيا الغربية. لم ينجُ السجل الخاص بالبعثة الاستكشافية ولكن هناك رواية مفصّلة رواها الباحث والدبلوماسي من مدينة البندقية أنتونيو بيجافيتا الذي أعطاه ماجلان مهمة تسجيل أحداث الرحلة ومراحلها للأجيال القادمة.
التمرّد الأول
تململ الرجال من الإبحار جنوبًا وتساءلوا: لماذا لم يعبروا مباشرةً المحيط الأطلسي؟ إلا أن قائدهم كان يحاول الإفلات من المطاردين البرتغاليين. وبينما كانت السفن تشقّ طريقها نحو خط الاستواء توقّفت الريح وتوقّفت معها المراكب؛ ولذلك قُنّنَت حصص الطعام.
كان كارتينجا، خصوصًا، يعامل ماجلان بقلّة احترام ويرفض مخاطبته بالألقاب الرسمية ومع توقّف الريح عن الهبوب رفض كارتينجا إطاعة أي أوامر من ماجلان وهدّد بطعنه فما كان من ماجلان إلا أن رماه في مخازن السفينة ولم يطلق سراحه إلا بعد أن توسّط القادة الآخرون له وقيَّده بإدارة سفينة فيكتوريا فقط. أخيرًا في نوفمبر، هبّت رياح مؤاتية دفعت السفن لتمخر عباب الأطلسي.
كانت الخطة أن يرسو الأسطول في ريو دي جانيرو، ولكن دفعه التيار الاستوائي الجنوبي إلى رأس القديس أغسطس. هناك أعادوا تزويد السفن بالمؤن وتابعوا الإبحار على طول الساحل حتى وصلوا إلى نهر جانيواري في ديسمبر عام 1519. وعلى الرغم من ادّعاء البرتغال أن البرازيل جزءٌ من الإمبراطورية البرتغالية إلا أنه لم يكن هناك أثر لمستوطنات فيها والأهم من ذلك -مثلما رأى ماجلان- لم توجد سفن برتغالية في ميناء ريو.
عند هذه المرحلة أمر فرديناند ماجلان بتنفيذ حكم الإعدام على رجلٍ من أفراد الطاقم ثبتت عليه تهمة اللواط وكانت العقوبة هي الموت خنقًا. كانت ممارسة اللواط تحدث عادةً في الرحلات البحرية وكان بعض القادة يتجاهلونها وآخرون يعاقبون عليه بموجب القانون؛ ومع ذلك كان إقرار ماجلان تلك العقوبة على الرجل قد زاد من استياء الرجال منه، ولزيادة الطين بلّة أقدم الفتى الذي شارك الرجل في الغرفة والممارسة على رمي نفسه من السفينة. ليزيد ذلك من قائمة أعدائه وكارهيه.
أقدم ماجلان على عزل أنتونيو دي كوكا عن قيادة سفينة سان أنطونيو وتعيين ألفاردو دي مسكيتا -الذي كان تعوزه الخبرة ولكنه ابن عمه- قائدًا لها ما زاد من غضب كوكا والقادة الإسبان الآخرين. غادر الأسطول ريو في السابع والعشرين من ديسمبر وأبحر جنوبًا عبر ساحل أمريكا الجنوبية المجهول.
في يناير استكشف الطاقم نهر بليت لأن ظهور نهرين يشير إلى احتمالية وجود طريق إلى المحيط الهادئ، إلا أن الأسطول تابع طريقه جنوبًا بعد اكتشافه أن المياه الداخلية ضحلة جدًا على عبور السفن. لم يسمح فرديناند ماجلان برسو السفن إلا في الليل كي لا يغفلوا عن أي مضائق في أثناء الإبحار في الظلام. خلال هذا الإبحار اندلعت العواصف وكانت السفن تعود قليلًا إلى الوراء للتأكد من الجغرافيا ورصد الطاقم حيوانات غريبة، مثل: أسود البحر أو فيلة البحر التي وصفها بيجافيتا بذئاب البحر. وقد قتلوا العديد منها من أجل تناول لحومها الطازجة.
ومع أن المياه قد غدت أكثر برودة على نحو ملحوظ وميّالة إلى اللون الأزرق الفولاذي، لم يكن المستكشفون قريبين من اكتشاف نهاية القارة.
ينتهي هنا الجزء الأول، وسنتابع معًا في الجزء الثاني.
هوامش:
1- معركة ديو: معركة بحرية اندلعت في الثالث من فبراير في البحر العرب عند ميناء ديو غرب الهند بين الإمبراطورية البرتغالية وأسطول مشترك من سلطان غوجارت وسلطان مصر المملوكي البرجي وبدعم من جمهورية البندقية والإمبراطورية العثمانية. انتهت بانتصار البرتغال وخسارة العرب والفينيسيين لطريق التوابل عبر البحر الأحمر والخليج الفارسي لصالح البرتغال التي نقلت طريق التجارة إلى رأس الرجاء الصالح.
2- أخوية سانتياغو: أخوية دينية وعسكرية تأسّست عام 1160 في إسبانيا. كان هدفها الأصلي حماية الحجاج المتوجهين لضريح سانتياغو دي كومبستيلا ومحاربة المسلمين الإسبان.
اقرأ أيضًا:
لماذا لم يسمَ العالم الجديد باسم كولومبوس وسمي باسم أميريكو؟
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: حسين جرود