حينما ننظر إلى العالم الذي يحيط بنا، تعيد أعيننا ضبط ما تراه وتحلله باستمرار، وقد بينت دراسة حديثة أن هذه التحولات البصرية تتضمن أيضًا فترة وجيزة جدًا من العمى، التي تُحجَب فيها الرؤية تلقائيًا. اهتم البحث تحديدًا بدراسة النقرة المركزية (Foveola)، وهي تجويف صغير في الشبكية نستخدمه لرؤية التفاصيل الدقيقة.
عندما نبحث عن شخص ما وسط حشد من الناس، أو عندما نحاول رؤية لافتة طريق من بُعد، نعتمد على النقرة المركزية لإرسال المعطيات إلى الدماغ.
تجري أعيننا تحولات طفيفة وسريعة في الرؤية، تُسمى حركات العين السريعة الدقيقة (Microsaccades) في أثناء النظر إلى شيء ما من كثَب. تبين الدراسة الجديدة أن هذه الحركات الدقيقة توقف أيضًا رؤيتنا فترةً مؤقتة، ويبدو أن ذلك يحسّن الرؤية عمومًا.
تقول جانيس إنتوي، الباحثة من جامعة روتشستر في نيويورك، المشاركة في الدراسة: «لاحظنا أن حركات العين السريعة الدقيقة تواكبها فترات وجيزة من توقف الرؤية، يُفقَد في أثنائها البصر جوهريًا. تبين نتائجنا أن مركز البصر يتعرض لتحولات كبيرة وسريعة كلما حوّلنا اتجاه نظرنا».
يعتمد وضوح الرؤية إلى حد بعيد على الكيفية والتوقيت اللذين نحوّل بهما اتجاه نظرنا. يشبه الأمر تدوير تلسكوب للحصول على صورة أوضح للبيئة المحيطة.
رُصِد العمى المؤقت الذي يحدث في أعيننا خلال تحولات البصر الكبيرة -مثل النظر إلى شاشة كمبيوتر- سابقًا، وسُمي «توقف الرؤية الناجم عن حركة العين السريعة». أراد باحثو هذه الدراسة معرفة هل التحولات الصغيرة في الرؤية تعمل بالطريقة ذاتها؟
نظر المتطوعون الستة المشاركون في الدراسة إلى شاشة كمبيوتر محاولين البحث عن براغيث تقفز على قطعة من الفراء، لكنهم كانوا في الحقيقة ينظرون فقط إلى نقط على خلفية مشوشة تحاكي فراء حيوان، وكان عليهم الضغط على زر جهاز تحكم فور رؤيتهم براغيث تقفز.
استُخدِم ماسح شبكية متخصص لمراقبة النقرة المركزية لدى المشاركين عندما كانوا ينظرون إلى البراغيث الرقمية، وقد تبين أنهم لم يستطيعوا رؤيتها في الفترات التي تسبق تحولات البصر وتتبعها مباشرةً، حتى عندما كانوا –ظاهريًا- ينظرون إليها مباشرةً.
لم يتعمق البحث في دراسة سبب حدوث ذلك. يقترح الباحثون أنه غالبًا وسيلة لإبقاء رؤيتنا ثابتة عندما ينتقل نظرنا من نقطة إلى أخرى، ومن المنتظر أن تكشف الدراسات القادمة المزيد.
تقول إنتوي: «إن هذا الفقدان الوجيز للرؤية يحدث على الأرجح كي لا تتحرك الصورة التي نراها باستمرار كلما حركنا أعيننا. عبر إيقاف الإدراك الحسي في أثناء حركات العين السريعة، يتمكن جهازنا البصري من تكوين إدراك مرئي ثابت لما نراه».
كشف المسح الشبكي أن الرؤية في مركز العين تتعافى سريعًا بعد نوبات العمى الوجيزة هذه، ثم تواصل التحسن. أي إن الرؤية تتحسن بعد حركات العين السريعة.
تحدث حركات العين السريعة التي توقف الرؤية على نحو سريع جدًا، حتى أننا لا نعي حدوثها، ولا ندرك جميع تحولات البصر الدقيقة التي تحدث عندما ننظر إلى ما حولنا.
لم يتسن للباحثين دراسة آليات عمل أعيننا من كثَب إلا بفضل أجهزة المسح عالية الدقة، ويساعد فهمها على نحو أعمق العلماء على ابتكار علاجات لاختلالات الرؤية المختلفة.
يقول ميشيل روتشي، عالم الأعصاب من جامعة روتشستر: «أمكننا إجراء هذه الدراسة إذ نملك أدوات عالية الدقة لدراسة الرؤية على نطاق بهذا الصغر في مختبرنا، في حين ركزت البحوث السابقة على دراسة مناطق العين الجانبية، فلم تتطلب هذه الدرجة من الدقة».
اقرأ أيضًا:
لقد اكتشف العلماء ظاهرة بصرية جديدة تمامًا في العين البشرية
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: أكرم محيي الدين