ابتكر المخترع والمهندس الإيطالي غولييلمو ماركوني (1874-1937) أول تلغراف لاسلكي بعيد المدى، وهو أول من قدمه وسوَّقه للجمهور، وسنة 1901 بُثت أول إشارة راديو عبر الأطلسي.
أنهت أجهزة المذياع -التي صنعتها شركة ماركوني- العزلة التي عاناها المسافرون عبر المحيط، فأنقذت حياة المئات من البشر، ومن ضمنهم من نجوا من غرق السفينة تيتانيك. سنة 1909 نال ماركوني جائزة نوبل في الفيزياء -مشاركةً- عن عمله في مجال الاتصالات اللاسلكية.
أعوام ماركوني الأولى
ولد ماركوني في بولونيا بإيطاليا عام 1874، لأب غني مالك لعقارات عدة، وأم تنتمي لعائلة جيمسون الإيرلندية التي تعمل في صناعة الكحول، وقد تعلّم على يد معلمين خصوصيين، ثم في معهد ليفورنو التقني وجامعة بولونيا.
هل تعلم؟ اعترف مخترع الراديو غولييلمو ماركوني -وكان مهندسًا أكثر منه عالمًا- بلا ضغط من أحد أنه لا يفهم كيفية عمل الراديو، وذلك في خطاب تسلمه لجائزة نوبل للفيزياء.
سنة 1894 شُغف ماركوني باكتشاف الفيزيائي الألماني هاينريش رودولف هيرتز «الموجات اللامرئية» التي تولدها التفاعلات الكهرومغناطيسية، فصنع ماركوني جهازه الخاص بتوليد الموجات في أرض عائلته، وسرعان ما كان يُرسل الإشارات إلى مواقع تبعد عن موضعه كيلومترًا ونصف.
فشل ماركوني في إثارة اهتمام الحكومة الإيطالية بعمله، فقرر أن يجرب حظه في لندن.
ماركوني في إنكلترا
وصل ماركوني إلى إنكلترا رفقة والدته، وكان عمره 22 عامًا، وذلك سنة 1896، وسرعان ما وجد داعمين مهتمين بعمله، مثل مكتب البريد البريطاني، وفي غضون عام نجح ماركوني في البث إلى مسافة نحو 20 كيلومترًا، وقدّم للحصول على براءة الاختراع الأولى له.
نصب محطة بث لاسلكي على جزيرة وايت بعد عام واحد، فاستخدمتها الملكة فيكتوريا في إرسال الرسائل إلى ابنها الأمير إدوارد على متن اليخت الملكي. وبحلول عام 1899 عبرت إشارات ماركوني بحر المانش. في ذلك العام سافر ماركوني إلى الولايات المتحدة، حيث نال الشهرة بعرضه التغطية اللاسلكية لسباق اليخوت على ساحل نيوجيرسي.
ماركوني وإشارة «إس» عبر الأطلسي
بدأ ماركوني بتحسين اللاسلكي ليبث عبر المحيط الأطلسي. اعتقد الفيزيائيون أن موجات الراديو تنتقل في خطوط مستقيمة، ما يعني استحالة بث الإشارات أبعد من خط الأفق، في حين اعتقد ماركوني بتحدب مسار الموجات مع تحدب الأرض. الحقيقة هي أن الموجات تنتقل في خطوط مستقيمة لكنها تنعكس عن طبقة الأيونوسفير فترسم شكلًا كالقوس.
بعد أن فشل ماركوني في محاولاته استلام إشارة من إنكلترا وهو في كيب كود بماساتشوستس، قرر أن يجرب مسافةً أقصر، وهي المسافة بين كورنوال بإنكلترا وجزيرة نيوفوندلاند بكندا. كانت الإشارة المرسلة من بولدو بكورنوال أقوى ما أمكن لفريق ماركوني تحقيقه، فكانت قوية لدرجة أن الشرر انبعث من المعدات لمسافة ثلث متر. على مسافة 3380 كم في الجهة الأخرى من العالم، على قمة سيغنال هيل في سانت جونز بنيوفوندلاند، ركّب ماركوني هوائي استقبال على منطاد أولًا، لكن الريح عصفت بالمنطاد بعيدًا، فركّب الهوائي على طائرة ورقية بارتفاع 150 مترًا، وفي 12 ديسمبر 1901، استلم سلسلة إشارات ضعيفة من ثلاث نقاط، هي حرف «إس» من شفرة مورس.
ماركوني وجائزة نوبل
حصل ماركوني على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1909 مشاركةً مع الفيزيائي الألماني كارل براون مخترع أنبوب الأشعة الكاثودية، لكن التقدير الذي حظي به ماركوني لم يخلُ من جدل، إذ نسب آخرون اختراع الراديو لأنفسهم، في بعض الحالات دون أساس مقنع.
منذ عام 1895 كان الفيزيائي الروسي أليكسندر بوبوف يبث الإشارات اللاسلكية بين بنايتين، في حين كان جاكدش تشاندرا بوز في الهند يستعمل موجات الراديو، لدق الأجراس وإطلاق المتفجرات. وسنة 1901 أعلن المخترع الصربي الأمريكي «نيكولا تسلا» أنه ابتكر تلغرافًا لاسلكيًا منذ عام 1893، وسنة 1943 حكمت المحكمة العليا الأمريكية بأحقية نيكولا تسلا في أربع براءات اختراع في مجال الراديو كانت مسجلة باسم ماركوني سابقًا.
حين تنبهت شركات الشحن إلى أهمية التلغراف الراديوي في تواصل الركاب والتقارير الملاحية وإشارات الاستغاثة، أصبح راديو شركة ماركوني -الذي تشغله كوادر مدربة من فريق ماركوني- من التجهيزات القياسية فيها، وحين اصطدمت سفينة تيتانيك بجبل جليدي في 14 أبريل 1912، استطاع مشغل ماركوني استدعاء سفينة كارباثيا لتنقذ 700 ناجٍ من الحادثة.
سنوات ماركوني الأخيرة وإرثه
واصل ماركوني تطوير ابتكاراته خلال العقدين اللاحقين، فنفذ تجاربه على بث الموجات القصيرة لاسلكيًا واختبر مسافات البث باستعمال يخته «إليترا» الذي يزن 700 طن.
عاد ماركوني إلى إيطاليا وأصبح من مؤيدي بينيتو موسوليني، وأبطل زواجه الأول من فنانة أيرلندية أنجبت له أربعة أطفال ليتزوج نبيلة إيطالية. سنة 1935 تجول في أنحاء أوروبا والبرازيل مدافعًا عن غزو موسوليني للحبشة، وتُوفي بعد عامين في روما.
اليوم، تبث محطات الراديو في أمريكا وإنكلترا وإيطاليا دقيقة صمت كل عام إحياءً لذكرى غولييلمو ماركوني.
اقرأ أيضًا:
مكتشف الموجات الراديوية السيرة الذاتية لـ هاينريش هيرتز 1857 – 1894
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: إيناس خير الدين