أظهرت دراسةٌ جديدةٌ أن الغِربان قادرةٌ على إعطاء قيمةٍ لأدواتها مثلما نفعل نحن تمامًا. قالت عالمة البيئة السلوكية في معهد ماكس بلانك في ألمانيا باربرا كلومب: «سيُثير الكثير منّا جلبةً حول امتلاك هاتفٍ جديدٍ كليًا، والحول دون تعرضه للخدش، أو السقوط، أو الضياع. لكن قد نتعامل مع هاتفٍ قديمٍ ذي شاشةٍ مكسورةٍ بمنتهى اللامبالاة».
تشتهر غربان كاليدونيا الجديدة (كوروفوس مونيديلويديس – Corvus Moneduloides) كثيرًا بذكائها لدرجة أن العلماء يستخدمونها أنواعًا نموذجية في حلّ لغز تطور استعمال الأدوات والسلوكيات المرتبطة به كالتخطيط.
لا تستطيع هذه الغربان الذكية استعمال الأشياء التي عثرت عليها كأدواتٍ فحسب، بل هي قادرةٌ على تشكيلها أو حتى بنائها من أجزاءٍ متعددةٍ تُعدّ بمفردها عديمة الفائدة – هذا شيءٌ لُوحظ سابقًا عند الرئيسيات فقط.
تستخدم الطيور هذه الأدوات المصنوعة من الأغصان بمناقيرها لإزعاج اليرقات في شقوق الأشجار. تعض اليرقات الأداة للدفاع عن نفسها، سامحةً للطيور بسحبها والتهامها. لكن الغربان تضطر إلى ترك أدواتها أثناء الأكل، فتسقط على الأرض أو حتى تتعرض للسرقة.
استخدم الباحثون 27 غرابًا بريًا في اختباراتهم التجريبية، لذا لم تكن نتائجهم مبنيةً على تدريبٍ سابقٍ، مُقدّمين للغربان خيارًا بين نوعين من الأدوات، وقد أكدّ الفريق أن الطيور فضّلت بشدةٍ استخدام العصي المعقوفة.
أوضح عالم البيئة السلوكية من جامعة سانت أندروز كريستيان روتز: «إن الأدوات المعقوفة ليست مكلفةً في الحصول عليها فحسب، بل هي أكثر كفاءةً أيضًا، واعتمادًا على مهمة البحث عن الطعام، تستطيع الغربان استخراج الفريسة بهذه الأدوات أسرع بعشر مراتٍ من الأدوات غير المعقوفة عديمة الفائدة».
لُوحظت 17 من الطيور خلال تجربتين، كلٌّ منها أجريت في أيامٍ متفرقةٍ. وقد زُوّدت بحطبٍ يحتوي على ثقوبٍ مختلفة الأحجام مُطعّمةٍ باللحم أو العناكب. في إحدى التجارب تمكن بعضها من الوصول إلى فروعٍ مناسبةٍ لتشكيل أداةٍ معقوفةٍ، بينما استخدم بعضها الآخر العصي المستقيمة فحسب.
كتب الفريق في ورقتهم البحثية: «كانت الغربان أكثر عرضةً لإظهار سلوك تخزينٍ (تخزين الأدوات تحت الأقدام أو في الثقوب) عند البحث عن الطعام باستخدام الأدوات غير المعقوفة التي حصلت عليها من الأوراق المتساقطة».
ظلّت محافظةً على هذا السلوك حتى عندما وُفِّرت الأدوات المعقوفة من قبل الباحثين، مما يشير إلى أن الأداة نفسها كانت هي القيمة المعنيّة بدلًا من الوقت الذي وضعوه فيها.
الأكثر من ذلك، هو أنّها قد استخدمت طريقة التخزين الأكثر أمانًا – تخزين الأدوات في الثقوب – أكثر بكثيرٍ لتخزين الأدوات المعقوفة.
قال عالم السلوك الحيواني جيمس سانت كلير من جامعة سانت أندروز: «كان من المثير رؤية أن الغربان كانت أكثر حرصًا على الأدوات الأكثر كفاءة وتكلفة لاستبدالها، ويشير هذا إلى أن لديها تصوّرًا ما عن ‘القيمة’ النسبية لأنواع الأدوات المختلفة».
بالنظر إلى الغرابيات، بما في ذلك الغربان العادية وغربان كاليدونيا الجديدة، فقد أظهرت أيضًا القدرة على التخطيط المسبق، لذا من المنطقي أنه يمكنها تقدير قيمة الأغراض التي تستخدمها للمساعدة في تحديد أولوياتها.
لاحظ الفريق أن ليس كل غربان كاليدونيا الجديدة تصنع أدوات العصا المعقوفة، لذا قد تكون نتائجهم قابلةً للتعميم فقط في تلك الجماعات التي تصنع تلك الأدوات.
كان حجم العينة أيضًا منخفضًا جدًا لحلّ بعض المتغيرات كليًّا، مثل اختيار المواد، كما أقرّوا، لكن كان هناك على الأقل نوعٌ واحدٌ آخر من الغربان، وهو غراب هاواي (Corvus Hawaiiensis) أظهر أيضًا سلوكًا للتخزين.
لطالما قلّلنا من شأن قدرات الطيور نظرًا لصغر حجم أدمغتها نسبيًا، لكن قد أظهرت الدراسات الفيزيولوجية أن الحِزَم الكثيفة لخلاياها العصبية تعوّض ما تفتقر إليه في الحجم.
تكشف الدراسات السلوكية باستمرارٍ أن هذه الديناصورات الحديثة قادرةٌ على السلوكيات التي اعتقدنا ذات مرةٍ أن البشر وحدهم قادرون عليها -مثل ضبط النفس- مُثبتةً -مثل كل شيءٍ بيولوجيٍ آخر- أن الذكاء هو طيفٌ معقدٌ وفوضويٌ لم ينبعث تلقائيًا مع وصول جنسنا.
نُشر هذا البحث في مجلة eLife.
اقرأ أيضًا:
الغراب ذكي جدًا إذ يمكنه تقدير الوزن باستخدام تقنية رأيناها فقط عند البشر !
الغراب يتطور بطريقة غير متوقعة: نوعان من الغربان أصبحا نوعًا واحدًا
ترجمة: علي شاش
تدقيق: أمنيه يسري محمد