عوز المناعة المشترك الشديد هو مجموعة من الاضطرابات الوراثية تؤثر في جهاز المناعة. من المرجح أن يعاني الأطفال المصابون خَلقيًا بـعوز المناعة المشترك الشديد من مرض خطير وعدوى لأن جهاز المناعة لديهم لا يعمل بكفاءة. نتيجةً لذلك قد يموت الأطفال الذين لا يتلقون العلاج خلال عام أو عامين. حال تلقي العلاج فإن عوز المناعة المشترك الشديد حالة قابلة للشفاء.
سابقًا كان يُشار إلى عوز المناعة المشترك الشديد باسم «مرض الفقاعة»، بسبب فيلم من الثمانينيات سلط الضوء على هذا الاضطراب. قصة الفيلم كانت عن ديفيد فيتر، وهو طفل مصاب خلقيًا بـعوز المناعة المشترك الشديد، اضطر للعيش في فقاعة بلاستيكية مدة 12 سنة لتجنب الإصابة بالعدوى، في حين يبحث الأطباء عن علاج.
سنناقش فيما يلي ما تحتاج إلى معرفته عن عوز المناعة المشترك الشديد، متضمنًا عوامل الخطر والعلاجات المتاحة.
أسباب عوز المناعة المشترك الشديد:
تسبب الطفرات الموروثة في أكثر من 12 مورثةً مرض عوز المناعة المشترك الشديد. إذا كنت حاملًا للطفرة فقد تنقلها إلى أطفالك. مع ذلك نحو %80 من الأطفال المصابين بـعوز المناعة المشترك الشديد لا يملكون تاريخًا عائليًا للإصابة بهذا المرض.
توجد عدة أنواع من عوز المناعة المشترك الشديد، يصنفها الأطباء بناءً على الجين المصاب. بعض عيوب الجينات غير محددة في 15% من الحالات.
عوز المناعة المشترك الشديد المرتبط بالصبغي X:
يحدث عندما يسبب جين طافر في الصبغي X مرض عوز المناعة المشترك الشديد. يؤثر هذا النوع أساسًا في مورثات الذكور، إذ يحملون صبغي X واحد. دون نسخة أخرى من المورثة لكبح الصفة المتنحية.
بالمقابل، لا تُظهر جينات الإناث أعراضًا نموذجية، إذ يمتلكن صبغيي X. لكن قد تكون الإناث حاملات لـعوز المناعة المشترك الشديد المرتبط بالصبغي X.
عوز المناعة المشترك الشديد المرتبط بعوز أدينوزين دي أميناز (ADA):
قد تسبب طفرة في جين ADA مرض عوز المناعة المشترك الشديد. لا يملك الأشخاص المصابون بهذا المرض الخلايا التائية أو البائية أو الخلايا القاتلة الطبيعية لمحاربة الالتهابات البكتيرية أو الفطرية أو الفيروسية. هذا النوع وراثي جسمي مُتنح، أي أن الأطفال يرثون مورثةً طافرة من كل من الوالدين. قد تظهر أعراض المرض باكرًا بعد الولادة -بداية مبكرة- أو لاحقًا -بداية متأخرة.
متلازمة أومين:
يُشار إليها أيضًا بعوز المناعة المشترك الشديد غير النموذجي. في هذا الاضطراب يملك الأشخاص خلايا تائية زائدة أو ملحوظة في الدورة الدموية، لذا بدلًا من الحماية من الأمراض، تعمل الخلايا التائية الزائدة مثل أمراض المناعة الذاتية، فتسبب التهابات وأضرارًا أخرى للجسم. قد يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة أومين أعراضًا مثل طفح جلدي، ومشكلات بالكبد أو الطحال، وإسهال مزمن.
عند إصابة الطفل بعوز المناعة المشترك الشديد، يطلب الطبيب إجراء اختبار مورثي لتحديد الجين المتأثر.
من يُصاب بعوز المناعة المشترك الشديد؟
هذا المرض نادر، يصيب واحدًا من 100,000 من الأطفال المولودين في الولايات المتحدة الأمريكية. يميل إلى أن يكون شائعًا عند الأشخاص من خلفيات عرقية معينة. الجدير بالذكر أن معظم الأشخاص المصابين بهذا المرض لا يملكون تاريخًا عائليًا للإصابة.
ما أعراض عوز المناعة المشترك الشديد؟
قد لا تظهر أعراض على الأطفال المصابين بهذا المرض بعد الولادة مباشرةً، لأن أضداد آبائهم الولادية ستحميهم، لكن الأعراض تميل إلى الظهور بعمر 3-6 أشهر.
العرض الأكثر ملاحظةً هو تكرار العدوى، ما يؤدي إلى التهاب الرئة، أو إسهال مزمن. العدوى الفطرية أيضًا شائعة إضافةً إلى الالتهاب الرئوي الفطري، الذي يُسمى المتكيس الرئوي الجيروفي.
قد تظهر أعراض أخرى مثل:
- مشكلات في اكتساب وزن.
- بطء النمو.
- وهن وضعف.
- طفح.
- إسهال.
الاختلاطات المحتملة لعوز المناعة المشترك الشديد
الأطفال المصابون بـعوز المناعة المشترك الشديد أكثر عرضة للإصابة بالأمراض بسهولة، التي تسببها مسببات المرض مثل الجراثيم، التي لا تؤثر عادةً في الأشخاص الذين يمتلكون مناعة طبيعية. قد لا يستجيب هؤلاء الأطفال للصادات الحيوية، ويتعرضون لأمراض، أو عدوى متكررة، التي قد لا تُشفى حتى مع العلاج، ما يؤدي إلى اختلاطات أخطر للمرض، وربما الوفاة.
تشخيص عوز المناعة المشترك الشديد:
سنويًا، يخضع نحو 4 ملايين طفل حديث الولادة في 45 ولاية أمريكية لفحص عوز المناعة المشترك الشديد عند الولادة. قبل انتشار الفحص على نطاق واسع، لم يكن الكشف المبكر شائعًا، إذ كان متوسط عمر التشخيص ستة أشهر، وفقًا لبيانات عام 2014.
يتضمن الفحص أخذ عينة دم من الكعب، وقياس مستويات الخلايا التائية. تحديدًا يقيس الاختبار دوائر استئصال مستقبلات الخلايا التائية، إذ إن المستوى المنخفض منها يعني وجود عدد قليل من الكريات البيض «اللمفاويات الجوالة» في الدم.
يستخدم الطبيب اختبارات إضافيةً لتأكيد إيجابية النتيجة، إذ تحدد اختبارات إضافية أنواع الخلايا البيضاء المصابة.
علاج عوز المناعة المشتركة الشديد:
من المهم الحفاظ على صحة الطفل، بتجنب مسببات العدوى، وتجنب الحالات التي تسهل انتقال الفيروسات، قد يوصي الطبيب بتجنب الرضاعة الطبيعية.
في بعض الحالات قد يوصي المستشفى بنقل الطفل إلى غرفة معقمة لتلافي الجراثيم إلى حين الحصول على علاج.
زراعة نقي العظم:
زراعة نقي العظام -التي تتضمن زراعة الخلايا الجذعية- هي العلاج الأكثر فعاليةً، كي تحصل على النتائج المثلى يجب أن تجرى العملية للطفل قبل عمر 3 أشهر. المعطي غالبًا هو قريب صحيح، مثل الأخ أو الأب، ويمكن أيضًا تحديد متبرع من خلال البحث الوطني عن تطابقات محتملة. وفقًا لبيانات عام 2014، فإن أكثر عمليات الزرع نجاحًا تشمل عادةً أحد أفراد الأسرة القريبين.
العلاج الجيني:
العلاج الجيني خيار للأطفال غير المؤهلين لعملية زرع نخاع العظم، ولمن لديهم عوز المناعة المشترك الشديد المرتبطة بالصبغي X أو ADA. يُعد هذا العلاج تجريبيًا، وما زال قيد التجارب السريرية.
يأخذ الطاقم الطبي عينةً من نخاع الطفل، ويُدخل نسخةً طبيعية من الجين، ثم يزرعون نخاع العظم المعدل، والخلايا الجذعية مرةً أخرى إلى الجسم بعد عدة أيام.
العلاج ببدائل الإنزيم:
يُستخدم للأطفال الذين يعانون عوز المناعة المشترك الشديد المرتبط بـ ADA. العلاج ببديل الإنزيم ليس علاجًا شافيًا، لكنّه يحد من العدوى، ويساعد على النمو. وفقًا لبحث عام 2016 فهو يحافظ على معدل نجاة يصل إلى 78% على مدار 20 عامًا.
عادةً يُستخدم العلاج ببديل الإنزيم للحفاظ على الحالة الصحية للطفل إلى حين إجراء زراعة الخلايا الجذعية. إذ يتضمن هذا العلاج حقن الدواء بانتظام لتعويض إنزيم ADA المفقود.
مستقبل الأطفال المصابين بعوز المناعة المشترك الشديد:
التشخيص المبكر لعوز المناعة المشترك الشديد مهم، قد يعاني الطفل قبل التشخيص من عدوى خطيرة، أو متكررة. الحل هو الحصول على العلاج قبل تطور العدوى. من دون علاج يموت العديد من الأطفال قبل بلوغ عامهم الأول. لكن مع العلاج يمكن الشفاء من عوز المناعة المشترك الشديد. يمكّن العلاج الطفل من استعادة وظيفة الجهاز المناعي، من ثم يستطيع الطفل أن يعيش حياة طبيعية.
مع التشخيص والعلاج المبكر بزراعة نقي العظم، قد يتجاوز معدل النجاة 90%.
كيف تمكن مساعدة الطفل المصاب بـعوز المناعة المشترك الشديد؟
قد يكون من الصعب معرفة إصابة الطفل بهذا الاضطراب النادر. يمكن القيام ببعض الأمور لحماية الطفل إلى حين التوصل إلى التشخيص والعلاج.
الانتباه للحالة الصحية: قد يتأخر تشخيص إصابة بعض الأطفال بعوز المناعة المشترك الشديد. من المهم أن تكون على اطّلاع بأعراض العدوى من مصادر موثوقة، مثل التهابات الأذن، والالتهاب الرئوي، وحالات العدوى التي لا تُشفى رغم استخدام المضادات الحيوية.
تجنب مصادر العدوى: حال تشخيص الطفل بعوز المناعة المشترك الشديد فإن تجنب العدوى والمرض هو الأولوية القصوى. قد يعني هذا الحد من الاختلاط بالعائلة والأصدقاء إلى حين تلقي العلاج.
تكرار غسل اليدين: يجب اتباع عادات النظافة الشخصية الجيدة، مثل غسل اليدين، وارتداء كمامة للحد من خطر انتقال العدوى.
التزم بتعليمات الطبيب: قد يكون لدى المتخصصين المزيد من النصائح والتوصيات، من المهم الالتزام بهذه النصائح، والمناقشة حال وجود أسئلة.
مراجعة الطبيب: حدد موعدًا لمناقشة أسئلتك مع طبيب الأطفال. قد يحيلك طبيب الأطفال إلى مختص بالمناعة.
ما مدى احتمالية إصابة الطفل بعوز المناعة المشترك الشديد؟
عوز المناعة المشترك الشديد حالة نادرة، في 80% من الحالات لا يوجد تاريخ عائلي للاضطراب. قد يطلب الطبيب فحصًا وراثيًا واختبار ما قبل الولادة، حال وجود:
- تاريخ عائلي من عوز المناعة المشترك الشديد.
- إصابة ابن سابق بالحالة ذاتها.
- عوامل خطر أخرى.
هل يُصاب البالغون بعوز المناعة المشترك الشديد؟
لا يُصاب البالغون بعوز المناعة المشترك الشديد، إذ تظهر الحالة في غضون أشهر من الولادة. من دون تشخيص أو علاج لا يعيش الطفل أكثر من عام أو اثنين.
هل يمكن للمصابين الحصول على لقاح كوفيد-19؟
يميل المصابون بـعوز المناعة المشترك الشديد إلى انخفاض مستويات الأجسام المضادة بعد الإصابة، وبعد تلقي اللقاحات. يوصي الخبراء بالتطعيم ضد كوفيد-19. وفقًا للأبحاث فإن اللقاح آمن عمومًا لمن يعانون نقص المناعة. ناقش مع الطبيب التوقيت المناسب للحصول على التطعيم، وإمكانية الحصول على جرعات إضافية.
اقرأ أيضًا:
مرض فابري: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
أنيميا الفول: عوز G6PD نازعة هيدروجين الغلوكوز-6 فوسفات
ترجمة: محمد انبيعه
تدقيق: منال توفيق الضللي