لم يَقمْ العالم بالجهود الكافية لتحسين وضمان وصول لَقَاح الحصبة للجميع، ونتيجةً لذلك، عادت الحصبة لتظهر مُجددًا في كل أركان الأرض تقريبًا.
ازداد عدد حالات الحصبة التي أُبلغ عنها العام الماضي بنسبة أكثر من 30% عمّا كانت عليه من قبل، وذلك وِفقًا للإحصائيات التي أصدرتها مُنظَّمة الصحة العالميّة والمراكز الأمريكيّة لمكافحة الأمراض والوقاية منها.
حَذّر الخبراء كثيرًا من حدوث ذلك؛ لأنّه وبالرغم من سهولة الوقاية من الحصبة عن طريق جرعتين من اللَقَاح الخاص بها، إلّا أنّنا نحتاج إلى زيادة نسبة تَغطيّة أطفال العالم باللقاح إلى ما نسبته 95% لوقف انتشار المرض.
ومن الجدير بالذكر أنّنا اليوم بعيدون كثيرًا عن هذه النسبة، لقد فشلنا لمدة عَقدٍ من الزمن في تحقيق نسبةٍ تتجاوز 85%.
وها نحن بعد أعوامٍ من التَخاذُل، نُعاني بسبب الفجوة في تلقيح الأطفال وعدم إجراء تغطيةٍ شاملة لإيصال اللقاح لهم.
أوضح تقريرٌ أُصدِر العام الماضي أنّ 5 من كل 6 مناطق تابعة لمنظمة الصحة العالميّة عانت من ارتفاعٍ سريع في انتشار الحصبة، وكان ذلك بالأخصّ في الأمريكتين، وأوروبّا، ومنطقة الشرق الأوسط.
ومن جهةٍ أخرى، هناك تناقصٌ في عدد حالات الحصبة فقط في منطقة غرب المحيط الهادئ.
تُحذّر (سوميا سواميناثان – Soumya Swaminathan)، نائبة المدير العام لشؤون البرامج بمنظمة الصحة العالميّة قائلة: «دون جهودٍ عاجلة لزيادة نسبة تغطية العالم باللقاح، وتوعية الشعوب بالمستويات غير المقبولة من حالات نقص المناعة أو انعدامها لدى الأطفال، كأنّنا نُخاطر بضياع عقودٍ من التقدُّم في مجال وقاية الأطفال والمجتمعات من هذا المرض المُدمِّر، والذي يُمكن الوقاية منه في نفس الوقت».
ولنفهم حقًا ما يعنيه ذلك للعالم، علينا الرجوع قليلًا إلى الماضي لمعرفة ما حدث من قبل.
قبل عام 1963-عندما لم يَكنْ هناك أي لقاحٍ للوقاية ضد الحصبة- واجه العالم فتراتٍ عدة من تَفشّي الحصبة كمرضٍ وبائيّ، مُسبّبًا بذلك 2.6 مليون حالة وفاةٍ سنويًا.
وبعد مرور خمسة عقودٍ، أصبح العالم أقرب من أي وقتٍ مضى إلى القضاء على هذا المرض المُعدِي والمُميت.
في حقيقة الأمر، نجحت بعض الدول في القضاء عليه حقًا مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، بالإضافةِ إلى اليابان.
وأصبحت العديد من الدول الأخرى على وشك القضاء عليه أيضًا.
كان تأثير تلك الإجراءات استثنائيًا، إذ إنّه منذ نهاية القرن الماضي، أنقذ لقاح الحصبة ما يزيد عن 21 مليون شخصٍ مُسبِّبًا بذلك انخفاض معدّل الوفيّات العالميّ بنسبة 80% خلال 17 عامًا فقط.
ولكن بعد مرور أعوامٍ على هذا الإنجاز بدأت الأمور تسوء مجدَّدًا؛ ويعود السبب الأكبر في هذا إلى نقص التمويل وكثرة تناقل المعلومات المغلوطة والمُضلِّلَة.
تعود سواميناثان مجددًا لتقول: «يُعدّ ظهور الحصبة مرةً أخرى أمرًا بالغ الخطورة، بالاضافةِ إلى انتشاره المُمتد في العديد من المناطق، خاصةً تلك التي تمكّنت من القضاء عليه من قبل أو كانت على وشك القيام بذلك».
رؤية مرض الحصبة وهو يعود ليجتاح العالم مرةً أخرى، تبدو وكأنّنا نشاهد شخصيةً تقوم بقراراتٍ حمقاء بالتصوير البطيء في أحد أفلام الرعب، إنّنا نمتلك سلاحًا آمنًا وفعّالًا بين أيدينا للقضاء على الحصبة ولكنّنا ما زلنا نفشل في استخدامه.
أوضحت التقارير أنّه خلال عام 2017، لم يتلقَّ تقريبًا 20.8 مليون طفلٍ في جميع أنحاء العالم الجرعةَ الأولى من لقاح الحصبة.
يقول (سيث بيركلي – Seth Berkley)، الرئيس التنفيذيّ لشركة جافي المختصّة بالتطعيمات: «الزيادة في عدد حالات الحصبة أمرٌ مُقلِق للغاية، لكنّه غير مُفاجِئ».
يُعدّ ذلك الأمر غير مُفاجِئ؛ لأنّ معظم خبراء الصحة العامة توقّعوا حدوثه منذ أعوام، بالإضافةِ إلى تحذيرات منظمة الصحة العالميّة وشركائها في مُبادرة الحصبة والحصبة الألمانيّة من عودة مرض الحصبة مرةً أخرى في حال عدم زيادة معدّلات اللقاح التي تُقدَّم للشعوب.
وبالرغم من أنّ الحصبة أصبحت تمثّل خطرًا أقلّ بكثيرٍ عمّا كانت عليه من قبل، إلّا أنّ العديد من الشعوب أصبحت أكثر إهمالًا وتَقاعُسًا في محاولاتهم للقضاء على المرض بشكلٍ كامل.
بالإضافةِ إلى ذلك، فإنّ الإشاعات والمفاهيم الخاطئة والخرافات التي تنتشر بخصوص اللقاح ساعدت كثيرًا على عودة انتشار المرض مؤخرًا.
نلاحظ ذلك بشكلٍ كبير في أوروبا، حيث تنتشر هناك الكثير من المعلومات الخاطئة بخصوص اللقاح، ونتيجةً لذلك يصل مُعدَّل الذين يحصلون على اللقاح في بعض المناطق إلى أقلّ من 70%.
يعود بيركلي مُجددًا ليُعلّل سبب عودة انتشار المرض قائلًا: «تجتمع العديد من العوامل لتُسبِّب عودة انتشار الحصبة مرة أخرى بعد سنواتٍ من التقدُّم، تتمثّل هذه العوامل في: القناعة بالمرض، وانتشار الإشاعات الخاطئة بخصوص اللقاح في أوروبا، ونظام الصحة المتدهور في فنزويلا، وتجاهل نقص التلقيح والتحصين لأطفال أفريقيا».
يُطالِب الباحثون الذين قاموا بكتابة التقرير الطبيّ باتخاذ إجراءاتٍ عاجلة، ويقولون إنّنا بحاجةٍ إلى استثمارٍ مدعوم لتحسين وتقوية خدمات التلقيح الروتينية، خاصةً بين الشعوب الفقيرة والمجتمعات المُهمَّشة.
وفي ذات الوقت، يوضّحون أنّهم بحاجةٍ إلى الدعم العام لعمليات التحصين والتلقيح ضد الأمراض، ومكافحة انتشار المعلومات الخاطئة وتردّد الشعوب في الحصول على اللقاح في أسرع وقتٍ ممكن.
يختتم بيركلي حديثه قائلًا: «نحن بحاجةٍ إلى تغيير الخطط الحالية، يجب أن تُوجَّه المزيد من الجهود نحو زيادة معدّل عمليات التحصين ضد المرض وتقوية أنظمة الصحة، وإلّا فإنّنا سنستمر في ملاحقة الأوبئة واحدًا تلو الآخر».
- ترجمة: مايكل ممدوح
- تدقيق: تسنيم المنجّد
- المحرر: ماتيو كيرلس
- المصدر