علماء يُعيدون صناعة نفاثات الثقوب السوداء في المختبر، فما الذي ستكشف عنه؟
باستخدام البروتونات لاستكشاف كيفية استجابة المجال المغناطيسي للبلازما المتوسعة، كرر الباحثون نفاثات الجسيمات المنبعثة من الثقوب السوداء النشطة.
ربما تكون تجربة تستخدم حزم البروتونات لاستكشاف كيفية تفاعل البلازما والمجالات المغناطيسية قد حلّت للتو لغز كيفية إطلاق الكوازارات وغيرها من الثقوب السوداء النشطة هائلة الكتلة لنفاثاتها النسبية.
دعونا نتصور المشهد في قلب الكوازار.
إن الثقب الأسود الهائل، الذي ربما تبلغ كتلته مئات الملايين أو حتى المليارات من كتلة شمسنا، يلتهم بشراهة المادة التي تتدفق إلى فمه من قرص حلزوني شديد الحرارة.
تسمى هذه المادة المشحونة بالبلازما، وتُجذب بفعل الجاذبية إلى محيط الثقب الأسود. ومع ذلك، لا يبتلع الثقب الأسود كل البلازما، التي تتكون من ذرات مؤينة أو مكهربة خالية من الإلكترونات.
في الواقع، فإن الثقب الأسود يبتلع أكثر مما يستطيع مضغه، وبعض البلازما تنطلق بشكل نفاثات تتصادم مع المجال المغناطيسي القوي للثقب الأسود قبل أن تصل تلك البلازما إلى أي مكان بالقرب من أفق الحدث، والذي يمثل أساسًا نقطة اللاعودة.
ويمكن لهذه النفاثات أن تمتد لآلاف السنين الضوئية في الفضاء.
ومع ذلك، فإن تفسير الفيزياء التي تحدث عند قاعدة النفاثات، حيث تتشكل، ما زال بعيد المنال بالنسبة للعلماء.
ربما جاءت الإجابة من الباحثين في مختبر فيزياء البلازما في برينستون (PPPL) في نيوجيرسي، الذين تمكنوا من ابتكار تعديل لتقنية قياس البلازما التي تسمى التصوير الشعاعي للبروتون.
في تجربتهم، أنشأ الباحثون أولاً بلازما عالية الكثافة من الطاقة عن طريق إطلاق شعاع ليزر نابض بقوة 20 جول على هدف بلاستيكي.
ثم استخدموا أشعة ليزر قوية لتحريض الاندماج النووي في كبسولة وقود مملوءة بالديوتيريوم والهيليوم 3. أطلقت تفاعلات الاندماج رشقات من البروتونات والأشعة السينية.
ثم مرت هذه البروتونات والأشعة السينية عبر شبكة من النيكل مملوءة بثقوب صغيرة.
فكر في الشبكة وكأنها مصفاة لتصفية المعكرونة، فهي تصفي البروتونات إلى العديد من الحزم المنفصلة التي يمكنها بعد ذلك قياس كيفية تفاعل عمود البلازما المتوسع مع المجال المغناطيسي الخلفي.
ولأن البروتونات مشحونة، فإنها ستتبع خطوط المجال المغناطيسي في أثناء تعرضها للبلازما.
تعمل انفجارات الأشعة السينية كمراقبة، نظرًا لأن الأشعة السينية تمر بشكل نظيف عبر الشبكة والحقل المغناطيسي، فإنها توفر صورة غير مشوهة للبلازما لمقارنتها بقياسات شعاع البروتون.
قال ويل فوكس، الباحث الرئيسي في التجربة، في بيان له: «كانت تجربتنا فريدة من نوعها لأننا تمكنا من رؤية تغير المجال المغناطيسي بمرور الوقت مباشرةً، ويمكننا أن نلاحظ كيف يُدفع المجال للخارج ويستجيب للبلازما في نوع من شد الحبل».
قد لاحظوا بالتفصيل انحناء المجال المغناطيسي للخارج تحت ضغط البلازما المتوسعة، مع تحرك البلازما ضد خطوط المجال المغناطيسي.
تُعرّف فقاعات البلازما هذه ورغوتها بعدم استقرار مغناطيسي-رايلي تايلور، وقد خلقت أشكالاً في المجال المغناطيسي تشبه الدوامات والفطر.
والأهم من ذلك، أنه مع انخفاض طاقة البلازما، تمكنت خطوط المجال المغناطيسي من العودة مرة أخرى. أدى هذا إلى ضغط البلازما في عمود مستقيم وضيق لا يختلف عن النفاثة النسبية للكوازار.
قالت صوفيا مالكو من PPPL: «عندما أجرينا التجربة وحللنا البيانات، اكتشفنا أن لدينا شيئاً كبيراً، كان يُعتقد منذ فترة طويلة أن حالات عدم الاستقرار المغناطيسي-رايلي تايلور الناشئة عن تفاعل البلازما مع المجالات المغناطيسية تحدث، ولكنها لم تُلاحظ مباشرةً حتى الآن. تساعد هذه الملاحظة في تأكيد أن عدم الاستقرار هذا يحدث عندما تلتقي البلازما المتوسعة بالمجالات المغناطيسية».
تشير التجربة بقوة إلى أن نفاثات الكوازار يمكن أن تشكر هذا النوع من تفاعل المجالات المغناطيسية مع البلازما المتوسعة في إنشائها.
إذا كانت النتائج عبارة عن لمحة سريعة لما يحدث حول الثقوب السوداء النشطة، فهذا يعني أن الظروف في القرص التراكمي للثقب الأسود تصبح شديدة للغاية بحيث تكون البلازما الموجودة في القرص قادرةً على الضغط ضد خطوط المجال المغناطيسي المكتظة بإحكام، التي يمكن أن تعود بعد ذلك وتدفع البلازما إلى عمود ضيق، ما يؤدي إلى قذفها بعيدًا عن الثقب الأسود.
إذا كان هذا صحيحاً، فقد يكون جزءاً كبيراً مفقوداً من صورتنا لكيفية عمل الثقوب السوداء النشطة.
قال مالكو: «الآن بعد أن قسنا عدم الاستقرار هذا بدقة شديدة، لدينا المعلومات التي نحتاجها لتحسين نماذجنا ومحاكاة النفاثات الفيزيائية الفلكية بدرجة أعلى من ذي قبل وفهمها. من المثير للاهتمام أن يتمكن البشر من صنع شيء ما في المختبر وهو موجود عادةً في الفضاء».
نُشرت النتائج في 27 يونيو في مجلة Physical Review Research.
نُشرت في الأصل على موقع Space.com.
اقرأ أيضًا:
ثقب أسود مصنوع في المختبر يبدأ في التوهّج، فماذا يعني ذلك؟
علماء يصنعون ثقبًا أسود في المختبر!
ترجمة: ريمة جبارة
تدقيق: نسرين الهمداني
مراجعة: باسل حميدي