علماء يكتشفون تشابهًا غريبًا بين بنية الخلايا البشريّة والنجوم النيوترونيّة
إذا ما أردت مقارنة نفسك بنجمٍ نيوتروني، فإنك على الأرجح لن تجد الكثير من النقاط المشتركة.
النجوم النيوترونيَّة عبارة عن أجرام سماويَّة مع مجال مغناطيسي قويّ للغاية وهي مصنوعة من نوى النجوم المنهارة، وتبعد عن الأرض بسنوات ضوئيَّة طويلة، وهي من دون شك لا تشاهد نتفليكس.
لكن، حسب دراسة جديدة، نشترك نحن والنجوم النيوترونيَّة في نقطة واحدة على الأقل: هندسة المادة التي تشكّلنا.
اكتشف الباحثون أنَّ قشرة النجوم النيوترونيَّة لها نفس شكل الأغشية الخلوية لدينا.
وهذا يعني أّنَّ اعتماد بنية البشر والنجوم النيوترونيَّة على نفس الهندسة، بغض النظر عن الاختلافات الجوهريَّة بين الإثنين.
حول هذا الموضوع يصرّح عالم الفيزياء الفلكيَّة تشارلز هورويتز (Charles Horowitz)، وهو من ضمن فريق البحث من جامعة إنديانا: “أن نجد أشكالًا متشابهة للغاية في نظم مختلفة تمامًا يقترح أنَّ طاقة نظامٍ ما يعتمد على شكله بطريقة بسيطة وعامة.”
ولفهم هذا الاكتشاف يجب أن نتعمَّق سريعًا في العالم الغريب للمادة النوويَّة، والذي يدعوه الباحثون بـ ” المعكرونة النووية”، لأنَّها تشبه كثيرًا السباغيتي واللازانيا.
الأمر الذي يمكن ملاحظته على الصورة أسفله:
هذه المعكرونة النوويَّة تتشكل في القشرة الكثيفة للنجم النيوتروني الذي يحوي القوى النافرة بعيدة المدى والتي تتنافس مع شيء يطلق عليه اسم القوة الشديدة، وهي القوة التي تربط الكواركات ببعضها البعض.
بمعنى آخر، هناك قوَّتين شديدتين تعملان ضد بعضها البعض، مجبرةً المادة ــ التي تحتوي على جسيمات مختلفة ــ على التشكل على هيئة تشبه المعكرونة.
وكفردٍ من فريق البحث القائم على الدراسة، يشرح عالم الفيزياء البيولوجيَّة جريج هابر (Greg Huber) من جامعة كاليفورنيا، قائلا: “عندما نملك مجموعة كثيفة من البروتونات والنيوترونات كما هو الأمر على سطح نجمٍ نيوتروني، تتعاون القوة النوويَّة الشديدة والقوى الكهرومغناطيسيَّة على منح مراحل من المادة لا يمكن التنبؤ بها إذا ما نظرت إلى هذه القوى وهي تعمل على مجموعات صغيرة من النيوترونات والبروتونات.”
يتَّضح الآن أنَّ هذه الأشكال التي تشبه المعكرونة في النجم النيوتروني تبدو مطابقة لحد بعيد بالأشكال الموجودة داخل الخلايا البيولوجيَّة، رغم الاختلاف الكبير بينها.
اكتُشِف هذا التشابه الغريب سنة 2014، وذلك أثناء دراسة هابر للبنية الفريدة للشبكة الإندوبلازمية لدينا ــ وهي العضية الصغيرة في خلايا الإنسان التي تشكّل البروتينات والدهون.
ظن هابر في البداية أنَّ هذه البنيات الموجودة على الشبكة الإندوبلازمية ــ والتي يطلق عليها اسم ” مرائب وقوف السيارات” ــ هي أشياء تحدث فقط داخل المادة الناعمة.
لكن عندما قام بالاطلاع على نموذج هورويتنز للنجوم النيوترونيَّة، تفاجأ برؤية التشابه الشديد للغاية بين بنيات الشبكة الإندوبلازمية والبنيات داخل النجوم النيوترونيَّة.
يقول هابر في هذا الصدد: “قمت بالاتصال بتشاك (يقصد هورويتز) وسألته إذا ما كان على دراية برؤيتنا لهذه البنيات في الخلايا ثم قام بصياغة نموذج لها. لقد كانت أخبارًا جديدة بالنسبة إليه، ثم أدركت بعد ذلك إمكانية وجود تفاعل مثمر.”
بإمكانك رؤية بنية الشبكة الإندوبلازمية (على اليسار) مقارنة بالنجوم النيوترونيَّة (على اليمين) في الصورة التالية:
دفع هذا الاكتشاف العالِمَين إلى مقارنة وتحديد الاختلافات بين البنيتين، كالظروف التي سمحت لكل منها بالتشكُّل.
عادة، تتميَّز المادة بمرحلة معيَّنة ــ تسمى الحالة ــ مثل المرحلة الغازية، الصلبة والمراحل السائلة المختلفة المتأثرة عادةً بوجود شروط مختلفة، مثل درجة حرارة المادة وكميَّة الضغط الذي تتعرض له، ودرجة كثافتها.
تلك العوامل تختلف بشكل كبير بين المادة الناعمة (الأشياء الموجودة بداخل الخلايا) والنجوم النيوترونيَّة (المادة النوويَّة).
فالنجوم النيوترونيَّة تولد بعد انفجار المستعرات العظمى (السوبرنوفا)، وتتشكل الخلايا في الأشياء الحيَّة.
مع معرفة هذه المعلومات، يصبح من السهل أن ندرك الاختلاف الكبير بين الشيئين.
في حين نجد التشابه أمرًا رائعًا، ويجعلنا ذلك نشعر باتصالنا مع الكون بشكل غريب، فإن أهمية الاكتشاف تكمن في الاختلافات الموجودة، لأنَّها تقول أنَّ شيئين مختلفين تمامًا ــ الخلايا والنجوم النيوترونيَّة ــ قد تكون مقيَّدة بنفس القواعد الهندسيَّة التي بدأنا بفهمها لتوّنا.
سيتطلب الأمر بحثًا أكثر لمعرفة ما يحصل هنا، لكنها بمثابة نقطة انطلاق قد تساعدنا في فهم شيء جوهري في بنية المادة، ونحنُ في غاية التشويق لما يقودنا إليه ذلك.
إعداد : وليد سايس
تدقيق : بدر الفراك
المصدر