إلى أين ستذهب إن كان لديك مليارات الدولارات إضافةً إلى طاقم من أفضل علماء الفلك والهندسة؟ مهما كانت وجهتك، فهي مثيرة وتستحق كل الاهتمام، حتى لو حصرت كل خياراتك في حدود كواكب وأقمار وكويكبات مجموعتنا الشمسية ، لن يُصيبك الملل، لكن ربما قد تُصيبك الحيرة في اختيار الوجهة، لأن كوننا يعجُّ بالأنظمة الشمسية، التي ستكون فرص زيارتها كلها ضئيلة، مع هذا يحلم العلماء ويعملون بكل جهد لمحاولة اكتشاف المزيد حول الفضاء والعوالم الخارجية.
اقترح فلكيون خلال اجتماع حديث لمجموعة تقييم الكواكب الخارجية (OPAG)، وهي مجموعة علمية استشارية تهتم بدراسة الأجرام السماوية خارج نطاق حزام «كايبر»، اقترحوا ثلاث بعثات نظرية إلى الفضاء، ستكون ضمن مقترحات المسح العقدي لعلم الكواكب التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم في أمريكا. هذه المقترحات ستُعرض على وكالة ناسا سنة 2023 وتُقيّم لمعرفة أولويات المجتمع العلمي، واختيار الوجهة الأنسب لإعداد وإرسال البعثات الصغيرة والكبيرة.
قالت شانون ماكينيز، عالمة الكواكب في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز في ماريلاند، المؤلفة الرئيسية لإحدى الدراسات الثلاث: «لأكون صادقة معكم سأصاب بالصدمة إذا كان التجسيد الدقيق لهذه الدراسات هو إرسال بعثات إلى الفضاء، إنها في الواقع تهدف إلى إظهار الاحتمالات الممكنة والفرص المتاحة».
استندت الدراسات النظرية الثلاثة إلى فئة المهمات التي تُسميها ناسا (Flagship)، وهي بعثات استكشاف نظامنا الشمسي، على غرار بعثة مركبات المريخ المتجولة «كيوريوسيتي» و«بيرزيفيرانس»، وبعثة جاليليو إلى المشتري وكاسيني إلى زحل، وهي بعثات مهمة جدًا وستكلف أموالًا باهظة، تُقدر بنحو 2.7 مليار دولار للبعثة الواحدة، إضافةً إلى جدول الأعمال المهم، ما يعني أن ناسا لا يمكنها القيام بالبعثات الثلاث دفعة واحدة.
ومع ذلك فإن هذه الدراسات النظرية الثلاث، وإن لم تُجسَّد إلى واقع قريبًا، قد تساعدنا على تحديد الوجهات التي سنرسل إليها مركباتنا الفضائية في العقود القادمة، وذلك من طريق إفادتنا بالمعرفة العملية التي سنكون بأمس الحاجة إليها.
لذا دعنا نلقي نظرة على أكثر الأحلام جرأة في علم النظام الشمسي.
1- البحث عن الحياة على سطح «إنسيلادوس»:
يُعد «إنسيلادوس»، قمر زحل الجليدي المُعرض للانفجارات، أحد أهم أهداف بعثات البحث عن الحياة داخل نظامنا الشمسي، إذ وجدت مهمة كاسيني المنتهية عام 2017 دليلًا دامغًا على وجود ما يُشبه أعمدة أو نافورات مالحة تنبعث من القشرة الجليدية للقمر، ما يجعل من مهمة اكتشاف ما يخفيه محيطه أسهل مقارنةً بالعوالم الأقل تقلبًا.
لكن هذا القمر الصغير ظل في منأى عن البعثات الفضائية، ولهذا صمم العلماء بعثة نظرية سُميَت «إنسيلادوس أوربلاندر» بقيادة ماكينيز، التي تهدف إلى كشف قدرة القمر على استضافة الحياة.
تتشكل بعثة «أوربلاندر» من مركبتين فضائيتين متجاورتين. ستدور المركبة الفضائية أولًا حول زحل لتتجول بين أقماره، ثم تنتقل أخيرًا إلى «إنسيلادوس» مدة 200 يوم، وتدرس هذا العالم من بُعد وتجمع المواد التي تنبعث من النافورات المنبعثة من سطحه من أجل تحليلها داخل مختبرات الكيمياء التابعة لها.
قالت ماكينيز: «سنجمع في كل مرة نطير فيها عبر تلك النافورات كمية معتبرة من العينات، وعندما نحصل على كفايتنا منها، سنستغرق بعض الوقت في عمليات الاستشعار من بُعد، ونخصص عدة مسارات من أجل البحث عن احتمال وجود الحياة».
ثم ستهبط المركبة «أوربلاندر» على السطح كي تبدأ المرحلة الثانية من العمليات، إذ ستجمع المواد المتطايرة التي تسقط على القشرة الجليدية للقمر على شكل ثلوج، وتلتقط بعضها من تحت سطحه من أجل تحليل إضافي سيستغرق 150 يومًا. سيسمح هذا النهج المزدوج لبعثة «أوربلاندر» بدراسة المواد الموجودة في نافورات «إنسيلادوس» متنوعة الأشكال.
ستبدأ هذه المهمة الافتراضية في أواخر ثلاثينيات القرن الحالي، وستصل إلى نظام زحل في منتصف الأربعينيات، وتدخل مدار «إنسيلادوس» سنة 2050 وتهبط العام التالي. هذه المهمة ستكون مُجهّزة بمجموعة من الأدوات الكفيلة باكتشاف وجود حياة على هذا القمر المثير، متضمنةً أجهزة قياس الطيف الكتلي التي تكشف عن ماهية المواد، وميكروسكوب لتوفير رؤية واضحة للعلماء. قالت ماكينيز خلال الاجتماع أن الفريق قدر تكلفة هذه البعثة بنحو 2.5 مليار دولار.
2- السباحة حول نبتون وتريتون:
إذا غامرنا أبعد بقليل في نظامنا الشمسي سنجد فرصًا مختلفة في انتظارنا، مثل فرصة زيارة كوكب لم يحظَ بدراسة جيدة وقمره الغريب جدًا.
يُعد نبتون وقمره تريتون هدفين مثيرين لنا، لم يحصل أي عملاق جليدي على مركبة فضائية خاصة به من قبل. يفترض العلماء أن تريتون ليس قمرًا محليًا، بل كويكب جُذب من حزام «كايبر» -وهو حزام من الكويكبات المحيطة بنظامنا الشمسي- ما يجعل مهمة دراسته أسهل مقارنةً بالأقمار المحاصرة داخل الحزام.
قالت أبيجيل ريمر، عالمة فيزياء الفضاء في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز: «هذا جزء مهم من الخيارات المتاحة لنا كي نقرر الكيفية الأنسب لزيارة فئة الكواكب الوحيدة في نظامنا الشمسي التي لم تُخصّ بعد بمهمة مدارية».
ستصل البعثة النظرية إلى القمر تريتون بينما الشمس تشرق في نصف الكرة الجنوبي، تمامًا كما ظهر لنا عندما حلّقت مركبة «فوييجر 2» مبتعدةً عن نظامنا الشمسي سنة 1989، ويأمل العلماء أن يكونوا قادرين على مقارنة التضاريس على سطح تريتون وفهم كيفية تشكل النافورات والمواد المقذوفة.
إضافةً إلى دراسة نبتون وحلقاته وقمره تريتون، فإن البعثة النظرية، التي أُطلق عليها اسم «أوديسي»، ستدرس أيضًا المجال المغناطيسي المميز لنبتون، وكيف يتفاعل مع القمر والمواد المنبعثة من سطحه.
قالت ريمر: «ستقضي بعثة أوديسي 4 سنوات في جولة عبر نظام نبتون، وتدرس العملاق الجليدي وقمره الغريب. ستكلف البعثة نحو 3.4 مليار دولار».
ستستغرق البعثة 16 عامًا للوصول إلى نبتون، وهي فترة كافية للمركبة الفضائية لدراسة تأثير الشمس في نظامنا الشمسي، ودراسة جيراننا كأنها كواكب خارج المجموعة الشمسية، وربما العبور بين بعض الكويكبات.
3- إلى بلوتو وما بعده:
استهدفت الدراسة النظرية الثالثة الكوكب القزم بلوتو وجيرانه. بناءً على معطيات بعثة «نيو هورايزونز» إلى هذا الكوكب البعيد سنة 2015، فإن هذه البعثة النظرية المُسماة «بيرسيفوني» ستدور حول هذا العالم الصغير لمعرفة هل يُخفي محيطًا في داخله أم لا؟ مثل هذا المحيط الداخلي، مع أن العوالم الخارجية الجليدية للنظام الشمسي لا تتميز به عادةً، قد يكون مؤشرًا إلى وجود بيئة صالحة للسكن.
قالت كارلي هاويت، عالمة الكواكب في معهد ساوث وست للأبحاث في كولورادو، المؤلفة الرئيسية لدراسة بعثة بيرسيفوني: «إن صحّ أن بلوتو الصغير الموجود على حافة نظامنا الشمسي يمتلك محيطًا، فهذا يعني أننا قد نجد أكثر مما كنا نتوقع».
قدّمت لنا بعثة «نيو هورايزونز» نظرة مغرية على سطح بلوتو وأكبر أقماره «شارون»، لكن تحتاج هذه البعثة إلى البقاء وقتًا أطول هناك حتى يتمكن العلماء من جمع بيانات كافية لفهم شكل الجرمين -بلوتو وشارون- وكيف أصبحا على الشكل الحالي. قد تشمل هذه البعثة دراسة الغلاف الجوي للجرمين، وتحديد هل يمتلك بلوتو مجالًا مغناطيسيًا أم لا؟ والشكل الذي قد يبدو عليه الكوكب القزم تحت السطح.
ستسعى بعثة «بيرسيفوني» أيضًا للمرور بالقرب من أجرام حزام «كايبر»، وكان مرور بعثة «نيو هورايزونز» بالقرب من الجرم المُسمى «أروكوث» أول لمحة التقطها العلماء عن شكل هذه الأجرام العتيدة في النظام الشمسي.
من بين الدراسات النظرية الثلاث، قد يتطلب تجسيد بعثة «بيرسيفوني» البالغة قيمتها 3 مليارات دولار أكبر قدر من الصبر، فمع انطلاقها في العام 2030، سيستغرق الأمر 26 عامًا على الأقل للوصول إلى بلوتو، و27 عامًا إذا أجرت المركبة الفضائية التفافًا صغيرًا لزيارة أحد كويكبات حزام «كايبر».
بعد وصولها، ستقضي المركبة الفضائية ما يزيد قليلًا على ثلاث سنوات في الدوران حول بلوتو وأقماره، واعتمادًا على احتياطيات الوقود، يأمل العلماء في إرسال المركبة الفضائية لزيارة جسم ثانٍ في حزام «كايبر»، ربما في سبعينيات القرن الحالي.
رحلات وتحديات كبيرة:
بوصفها وجهةً قادمة للبحث عن الحياة، قد تشكل بعثة «إنسيلادوس» التحدي الأسهل لنا مقارنةً ببعثتي «أوديسي» و«بيرسيفوني»، اللتان تسلطان الضوء على مشكلتين مهمتين سيواجههما مستكشفو النظام الشمسي الخارجي في العقود القادمة.
المشكلة الأولى أن الطريقة المعتادة للسفر عبر الفضاء حتى الآن، التي تتضمن الدوران حول المشتري لاكتساب بعض السرعة، لن تكون صالحة بعد أوائل ثلاثينيات القرن الحالي، وذلك بسبب محاذاة كوكب المشتري مع الكواكب الأخرى.
تصرح هاويت: «لن يساعدنا المشتري في العقد القادم إن كنا نرغب في الوصول إلى النظام الشمسي الخارجي».
هذا العائق يعني أن العلماء بحاجة إلى بدء تنفيذ هذا الدراسات الآن وإعداد البعثات، أو أن المركبات الفضائية ستكون بحاجة إلى صواريخ أقوى ورحلات أطول للوصول إلى وجهاتها.
المشكلة الثانية أن المركبات الفضائية المتوجهة إلى عمق النظام الشمسي لا تستطيع عادةً الحصول على طاقتها من الشمس، ما يعني أن العلماء ينوون استخدام البطاريات التي تعمل بالطاقة النووية لتشغيل مركباتهم الفضائية. يحتاج تصميم بعثة «إنسيلادوس أوربلاندر» إلى اثنين من هذه المولدات النووية، تُسمى المولدات الكهروحرارية للنظائر المشعة، في حين ستحتاج بعثة «أوديسي» إلى ثلاثة مولدات و«بيرسيفوني» إلى خمسة.
بدأت الولايات المتحدة حديثًا بإنتاج «البلوتونيوم» الجاهز للمركبات الفضائية مرة أخرى بعد عقود من التوقف، لكن الخطط الحالية لا تتضمن إنتاجًا كافيًا بالسرعة الكافية للإيفاء بمتطلبات علماء الكواكب.
تُعيق هذه التحديات انطلاق بعثة كوكب المشتري وإطلاق بعثات أخرى متجهة إلى النظام الشمسي الخارجي، ما يجعلنا بحاجة مُلحة لاتخاذ قرارات حكيمة بشأن اختيار المركبة الفضائية والوجهة المناسبة.
اقرأ أيضًا:
حقائق مدهشة عن إنسيلادوس ، أحد أقمار زحل
هل من الممكن حقًّا أن توجد حياة تحت سطح الأقمار الجليدية؟
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: روان أبو زيد
مراجعة: أكرم محيي الدين