علماء فيزياء يقولون إنهم ابتكروا شكلا “مستحيلا” وجديدا من المادة الصلبة الفائقة
أصبح عالمنا للتو غريبا بعد ادّعاء علماء فيزياء ابتكارهم بنجاح شكلا جديدا و “مستحيلا” من المادة في المختبر : المادة ” ذات الصلابة الفائقة” التي تجمع بين خواص المواد الصلبة والسائلة في الوقت ذاته.
توقع العلماء وجود هذا الشكل الغريب من المادة منذ أكثر من خمسين سنة، لكن أحد لم يتمكّن من إثبات ذلك على أرض الواقع.
الآن ، يستخدم فريقان مستقلان من علماء الفيزياء تقنيات مختلفة للتوصّل إلى نفس النتيجة الغريبة و التي ادّعوا أنها أول مثال على المواد ذات الصلابة الفائقة.
من المؤكد أنه سيكون هناك جدل حول ما إذا كانت هذه التجارب الجديدة تثبت دون أدنى شك حالة الصلابة الفائقة خاصة بعد فشل ادّعاء مشابه في 2004. لكن هذا يعتبر الدليل الأكثر إقناعا على إمكانية وجود المادة الصلبة الفائقة في الواقع.
بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية بمدى غرابة ذلك فإن المادة الصلبة الفائقة لديها البنية البلورية الخاصة بالمادة الصلبة، في حين أنها تتدفق مثل السوائل.
الأمر الذي يتناقض مع الفيزياء التقليدية.
عادة ماتوجد المادة فقط في أربع حالات : صلبة، سائلة، غازية وبلازما.
وتنشأ هذه الحالات اعتمادا على ظروف معينة, كدرجة الحرارة والضغط ويكون تحديد حالة المادة وفقا لترتيب الجسيمات داخل المادة.
الغريب في الأمر بالنسبة للمواد الصلبة الفائقة هو أن الجسيمات مرتبة في بنية جامدة وصلبة لكنها تتدفق بدون لزوجة (أو التصاق) وهي سمة رئيسية للسائل الفائق.
قال فولفاجانج كيترلي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو الباحث الرئيس في إحدى الفرق التي كانت وراء هذا الاكتشاف من التناقض وجود مادة تجمع بين السيولة الفائقة والصلابة<<لو كانت قهوتك من السوائل الفائقة وقمت بتحريكها ، فإنها فتستمر بالدوران إلى مالا نهاية>>
أول من تنبأ بالمواد الصلبة الفائقة هم علماء روس سنة 1969 ، حينها افترضوا أن نظير الهليوم -4 بإمكانه حمل خصائص المادة الصلبة والسائلة في نفس الوقت في ظل ظروف معينة.
منذ أمد بعيد ، افترض الباحثون عموما أنه من المستحيل إنشاء مثل هذه البنية، لكن ذلك لم يمنع البعض من المحاولة.
حدث انفراج سنة 2004 عندما قام باحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا بتبريد الهليوم إلى أقل من عشر الدرجة فوق الصفر المطلق ( حوالي 273- درجة مئوية ) وعثروا على ما قد يكون حالة من المادة الصلبة الفائقة.
وكما ذكرنا في مقال السنة الماضية
لم يكن الفريق واثقا بما يكفى ليقول أنهم صنعوا مادة صلبة فائقة خاصة أنهم لم يستطيعوا استبعاد إمكانية انزلاق طبقة رقيقة من السائل داخل الحاوية ممّا أفشل نتائجهم.
بالإضافة إلى ذلك فالعديد من التجارب في العقد التالي أنكرت فكرة أن مادة صلبة فائقة قد ابتكرت بإثبات أن الهليوم-4 لديه نوع من البلاستية (اللدانة) الكمومية (quantum plasticity) في ظل ظروف معينة والتي لا تنتج عن الصلابة الفائقة.
قرر معظم المجتمع العلمي عمليا أن عيّنة 2004 لم تكن مثالا حقيقيا للمادة الصلبة الفائقة، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية كان الحقل هادئا جدا حول هذا الموضوع، لكن في نوفمبر 2016 أعلن فريقان مستقلان سويّة ، وليس فريق واحد، في أوراق بحثية مبدئية ( لم تطبع) أنهم فعلوها : لقد تمكّنوا من ابتكار مواد صلبة فائقة في المختبر..
استعمل الباحثون من معهد أم آي تي MIT في كامبريدج ماساتشوستس و معهد ETH في زيورخ سويسرا نوعا غريبا من الغاز والمعروف باسم كثافات بوز- آينشتاين (BEC ) لابتكار موادهم الصلبة الفائقة بالرغم من أن لكلا الفريقين طريقة مختلفة.
تكاثف بوز -آينشتاين هو الحالة الخامسة للمادة التي تظهر في درجة حرارة فائقة البرودة حيث تتصرّف الذرات مثل الأمواج.
ولديها خصائص فريدة من نوعها خاصة بها، لكن الجيد في استخدام تكاثف بوز -آينشتاين لابتكار المادة الصلبة الفائقة هو أنها فعلا سائل فائق، إذا هو منتصف الطريق.
أخذ الفريق هذه الغازات فائقة البرودة واستخدم تقنيات مختلفة قليلا ليجعلها في مرحلة كمومية من المادة ببنية جامدة مثل المادة الصلبة لكن مع قدرة على التدفق مثل السائل الفائق.
في ذلك الوقت ، نشر الفريقان نتائجهم على الخادم:
(the pre-print server arXiv.org)
الآن حكّمت هذه النتائج وتمت مراجعتها من قبل النظراء ونشرت في دورية Nature
مقدمة أكبر الأدلة إلى حد الآن على أن المواد الصلبة الفائقة حقيقية.
حقق الباحثون السويسريون ذلك من خلال أخذ كمية صغيرة من غاز الروبيديوم ( Rubidiumm) ووضعه في حجرة مفرغة من الهواء، حيث قاموا بتبريده إلى بضعة أجزاء من المليار كلفن عن الصفر المطلق مما أدى إلى تشكيل تكاثف بوز- آينشتاين.
بعد ذلك وضع الفريق هذه الكثافات في الجهاز مع حجرتين للرنين البصري( optical resonance chamber) تتألف كل منها من مرآتين صغيرتين متقابلتين، وباستخدام أشعة الليزر اتّخذت الجسيمات في نهاية المطاف بنية بلورية منتظمة مما يدل على المادة الصلبة.
لكن أيضا تحافظ الكثافات على خصائص السائل الفائق فهي قادرة على التدفق دون أي مدخلات طاقة، وهو أمر غير ممكن في المادة الصلبة العادية.
صرّح تلمان إيسلنجر ،وهو أحد أعضاء فريق ETHزويرخ، لموقع phy.org>> لقد كنا قادرين على إنتاج هذه الحالة الخاصة في المختبر بفضل الترتيب المتطور الذي يسمح لنا بجعل حجرتي الرنين متطابقتين بالنسبة للذرات<< اعتمد فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نهجا مختلفا :فقد استخدموا مجموعة من أساليب التبريد عن طريق الليزر والتبخير لتحويل ذرات الصوديوم إلى كثافات بوز -آينشتاين.
بعد ذلك استخدموا أشعة الليزر لمعالجته أيضا في داخل ترتيب بلّوري صلب من خلال خلق اختلافات للكثافة في الذرات.
وبرغم أن العملية كانت مختلفة فإن نتيجتها النهائية مماثلة للنتيجة التي توصل إليها الفريق السويسري: المادة الصلبة التي تتدفق مثل سائل فائق .
حقيقة أن النتائج تم التحقق منها من قبل فريقين في نفس الوقت يجعلنا أكثر إقتناعا أن المواد الصلبة الفائقة أمر حقيقي.
في تصريح لمجلة sciences news قال سارنج كوبلاكريشنان وهو من جامعة مدينة نيويورك ولم يشارك في البحث >>إنها الحالة الأولى حيث يمكنك أن تنظر دون أي لبس إلى منظومة وتقول هذا هو على حد سواء سائل فائق ومادة صلبة <<
من المحتمل أن تكون هناك جولة جديدة من الاختبارات المستقلة والتحقق للتأكد من أن ما أنتج يمكن أن يسمى ” مادة صلبة فائقة .”
هنالك الحجة القائلة بأن الفريق استخدم كثافات بوز-آينشتاين بدلا من الهليوم- 4 لابتكار هذه الحالة من المادة يمكن أن ينظر إليه على أنه “غش” لكن بالتأكيد هي تبقى دليلنا الأكثر إقناعا على وجود المادة الصلبة الفائقة.
ثم ماذا ستقدم حالة جديدة محتملة من المادة لبقيّتنا؟ في الوقت الراهن لن تقدم كثيرا، حقيقة أن هذه المواد توجد فقط في درجات حرارة منخفضة للغاية مع فراغ عالي جدا يعنى أنها ليست مفيدة جدا في الوقت الحاضر.
لكن مزيد من الفهم للحالة الغريبة للمادة يمكن أن يؤدي تحسينات في الموصلات الفائقة (superconductors )وهي مواد مفيدة بشكل لا يصدق ذلك أنها تنقل الكهرباء بدون مقاومة.
قال كيترلي >>مع ذراتنا الباردة ،وضّحنا ماهو ممكن في الطبيعة >>الآن وبعد أن أثبتنا تجريبيا أن النظريات التي تنبأت بالمواد الصلبة الفائقة كانت صائبة ,نأمل أن يلهم ذلك مزيدا من البحوث وربما مع نتائج غير مسبوقة<< على الرغم من كون قيام كلا الفريقين بهذا الادعاء في نفس الوقت قد يجعل الأمر تنافسيا ، فالحقيقة أن كلا مجموعتي البحث رحّبت بصحة التحقق والتقييمات والمراجعات التي نالتها المجموعة الأخرى. وأضاف كيترلي >>إن الإنجاز المتزامن من قبل مجموعتين يبيّن مدى أهمية هذا الشكل الجديد من المادة<<.
الترجمة: أشرف بن نصر.
التدقيق: أسامة القزقي.