تناظر المجرات و الإنتروبيا. كان عالم الفلك يوهانس كيبلر في القرن السابع عشر أول من تأمل تكوين بلورات الثلج، لماذا تبدو متناظرة؟ كيف يمكن لجانب منها معرفة كم بلغ طول الجانب الأخر؟ أرجع كيبلر ذلك إلى ما نطلق عليه الآن «المجال المورفوجيني» حيث تريد الأشياء أن تتشكل في شكلها الحالي. لكن يبقى السؤال عن سبب كون بلورات الثلج وما شابهها من تكوينات شديدة التناظر – غير مفهوم بشكل كامل.
يعرض العلم الحديث كيف أن هذا السؤال جوهري، فلننظر إلى المجرات الحلزونية، قد يبلغ قطرها نصف مليون سنة ضوئية ولكنها تظل محتفظة بتناظرها، كيف ذلك؟ ما هو سبب تناظر المجرات ؟
نعرض شرحًا لذلك في دراستنا الجديدة المنشورة في مجلة Scientific Reports.
أوضحنا الصلة بين المعلومات والإنتروبيا (الإنتروبيا هي قياس للفوضى في أي نظام)، تسمى هذه الصلة بإنتروبية المعلومات، وهي مماثلة تمامًا للكهرومغناطيسية وهي الصلة بين المجال الكهربائي والمجال المغناطيسي.
تخلق التيارات الكهربائية مجالات مغناطيسية، بينما تخلق المجالات المغناطيسية المتغيرة تيارات كهربائية. وعلى هذا النحو، تأثر المعلومات والإنتروبيا على بعضهما البعض بنفس الطريقة.
الإنتروبيا مفهوم أساسي في الفيزياء، فمثلا، يمكنك صنع بيض مخفوق من بيضة ولكنك لا تستطيع صنع العكس لأن الإنتروبيا لا تنخفض أبدا (تتزايد الفوضى دائمًا). ولنقل المعلومات أنت بحاجة لزيادة الإنتروبيا – المكالمة الهاتفية لها تكلفة إنتروبية.
أوضحنا أنه يمكن معاملة الإنتروبيا والمعلومات بمثابة مجال وأنهما مرتبطان بعلم الهندسة. فكر في سلسلتي اللولب المزدوج للحمض النووي (DNA) اللتان تلتفان حول بعضهما.
تأخذ الأمواج الضوئية نفس الهيئة إذ تكون السلسلتان هي المجالات الكهربائية والمجالات المغناطيسة، وبيّنا بالحسابات الرياضية أن العلاقة بين الإنتروبيا والمعلومات يمكن تصويرها باستخدام نفس الشكل الهندسي.
أردنا أن نرى إذا كانت نظريتنا تستطيع أن تتنبأ بالأشياء في العالم الحقيقي، وقررنا أن نحاول حساب كمية الطاقة اللازمة لتحويل شكل من الحمض النووي (DNA) إلى شكل أخر، فالحمض النووي في نهاية الأمر لولب وشكل من أشكال المعلومات.
جرى حساب تلك القياسات بدقة متناهية منذ 16 عامًا مضت. جذب العلماء جزيء حمض نووي (DNA) مستقيم (يميل الحمض النووي للإلتفاف حول نفسه) ولفوه 4800 مرة مع تثبيت نهاياته بملاقط ضوئية.
تحول الحمض النووي من شكل لآخر كما هو موضح في الصورة أعلاه، وعندها استطاع الباحثون حساب فرق الطاقة بين كلا الشكلين.
لكن نظريتنا تستطيع أيضا حساب فرق الطاقة، إذ إننا نعرف مقدار الإنتروبيا لهذين الشكلين من الحمض النووي وكذلك فلإن الطاقة هي ناتج الإنتروبيا والحرارة. كانت نتيجتنا صحيحة تمامًا وبدت النظرية سليمة.
من الدقيق إلى الهائل
تعد المجرات الحلزونية حلزونات مزدوجة تمامًا مثل اللولب المزدوج للحمض النووي – يتشابهان في الشكل حسابيًا.
تشرح نظريتنا بشكل مباشر لماذا يتناظر ذراعي المجرة الحلزونية، يرجع السبب إلى أن مجالات إنتروبية المعلومات تنشأ عنها قوى (مثل المجالات الأخرى). رتبت قوة الإنتروبيا النجوم في المجرة في شكل حلزونين لزيادة الإنتروبيا لأقصى قدر ممكن.
ولكن أردنا الحصول على أرقام حقيقية أيضًا، لذلك قررنا أن نحاول حساب كتلة مجرتنا باستخدام نظريتنا، فنحن نعلم كم يبلغ ثقل مجرة درب التبانة عن طريق معرفتنا سرعة تحرك النجوم في طرف المجرة، توصلنا إلى أن كتلة المجرة تبلغ 1.3 تريليون كتلة شمسية.
الغريب في الأمر أن هذا الرقم أكبر بكثير من مجموع كتل النجوم المرئية في المجرة، ولتفسير ذلك التضارب ولشرح سبب تحرك النجوم بسرعة أكبر من المتوقعة، جاء العلماء بفكرة «المادة المظلمة» وهي كتلة غير مرئية مختبئة في المجرة وتزيد من جاذبيتها للنجوم.
لقد أردنا معرفة الإنتروبيا للمجرة من أجل حساباتنا، من حسن الحظ أوضح لنا عالم الفيزياء الرياضية روجر بنروز أن هذه الإنتروبيا تهيمن عليها إنتروبيا الثقب الأسود فائق الضخامة في منتصف المجرة.
نعلم كتلة ذلك الثقب الأسود وهي 4.3 مليون كتلة شمسية، ولدينا معادلة اكتشفها عالم الفيزياء الراحل ستفين هوكينغ لحساب الإنتروبيا لأي ثقب اسود، اكتشف هوكينغ أيضًا كيفية حساب درجة الحرارة على سطحه أو «أفق الحدث».
فإذا تمكنا من تحديد درجة حرارة أفق الحدث لثقب أسود فلماذا لا نحدد درجة حرارة المجرة، نناقش في بحثنا إمكانية ذلك (باستخدام ما يعرف بمبدأ الهولوغرافية). فاستخدمنا معادلة إنتروبية المعلومات لحساب درجة الحرارة الهولوغرافية للمجرة.
ثم يصبح الأمر سهلًا، إذ إننا نعلم طاقة المجرة من الإنتروبيا ودرجة الحرارة الناتجة عنها، وبمعرفة الطاقة يمكننا حساب الكتلة عن طريق معادلة أينشتين الشهيرة E=mc2.
لم تكن النتيجة دقيقة هذه المرة ولكنها كانت قريبة بشكل كاف مع الأخذ في الاعتبار أن نموذج المجرة كان مبسط جدًا.
لا تشرح هندسة إنتروبية المعلومات للمجرة كيف أن قوى الإنتروبيا تخلق الشكل المتناظر الجميل وتحافظ عليه فقط ولكنها تفسر أيضًا كل الكتل الموجودة بمثابة دليل فيها.
هذا يعني أننا بالفعل لا نحتاج المادة المظلمة في النهاية، فطبقًا للنموذج الخاص بنا، تزيد إنترويبا المجرة من كمية الطاقة الإضافية بالشكل الذي يغير الديناميكا المرئية للمجرة، إذ تجعل النجوم في طرف المجرة تتحرك بشكل أسرع مما هو متوقع.
كان ذلك هوالمطلوب من المادة المظلمة أن تشرحه. لا تعبر الطاقة بشكل مباشر عن كتلة مرئية، ولكن الملاحظات الفلكية أثبتت وجودها، وهذا ما يفسر لماذا لم تجد أبحاث المادة المظلمة شيئًا حتى الآن.
رغم ذلك، يوجد العديد من الأبحاث التي تؤيد فكرة المادة المظلمة. لكن تقترح نظريتنا تفسيرًا بديلًا لهذه المشاهدات وليس هناك حاجة حتى لفيزياء جديدة. هناك الكثير من العمل المفصل المطلوب للتأكد من إمكانية نمذجة الشكل الحقيقي المعقد للمشاهدات بنجاح.
نظن أن «المجال المورفوجيني» الذي كان يبحثه كيبلر موجود بالفعل، وهو في الحقيقة التأثير الناتج عن تداخل المعلومات والإنتروبيا، ويبدو أنه بعد أربعة قرون طويلة قد تمت تبرئة كيبلر أخيرًا.
كريس جينز، باحث بجامعة سوري ومايكل باركر، باحث زائر، جامعة إسكس.
أعيد نشر هذا المقال من مجلة The Conversation تحت رخص المشاع الإبداعي.
اقرأ المقال الأصلي original article
اقرأ أيضًا:
ما الذي جعل المجرات الاولى في الكون تنمو بهذه الضخامة ؟
ما هي الموجات الميكروية أو موجات الميكروويف ؟
ترجمة: هبة جاد
تدقيق: سلمى توفيق
مراجعة: نغم رابي