قد يكون للغز المجرة -التي لم يُفترض وجودها- حل الآن. تُسمى المجرة «اليعسوب 44»، وهي مجرة خافتة، اكتُشف سنة 2016 أن 99.99% منها يتألف من المادة المظلمة، رُصدت من كثب وأظهرت النتائج نسبة أقل وأكثر واقعية من المادة المظلمة.
قال الباحثون: «هذا يعني أننا لسنا بحاجة إلى إعادة النظر في نماذجنا حول تشكُّل المجرات لفهم كيفية تكوّن مجرة خارجة عن المألوف كهذه، كل شيء يتصرف طبيعيًا تمامًا».
قال عالم الفلك تيمور سيف الله من معهد كابتين الفلكي في هولندا: «كانت اليعسوب 44 حالة شاذة لا يمكن تفسيرها وفق النماذج المعمول بها طوال هذه السنوات، لكننا نعلم الآن أن النتائج السابقة كانت خاطئة، وأن اليعسوب 44 ليست حالة استثنائية غريبة، حان وقت المُضي قدمًا».
تُعد المادة المظلمة معضلة كونية حقيقية، نحن لا نعلم ماهيتها، ولا يمكننا رصدها مباشرةً، لأنها لا تمتص ولا تعكس ولا ينبعث منها أي إشعاع كهرومغناطيسي.
لكن استنادًا إلى الطريقة التي تتحرك بها بعض الأشياء بفعل الجاذبية، مثل دوران المجرات، وطريقة انحناء مسار الضوء، بوسعنا أن نحدد مقدار الكتلة الموجودة في المجرات، هنالك كتلة أكبر من الكتلة المرصودة للمادة العادية.
نُسمي ذلك الفرق في الكتلة -الكتلة المفقودة- المادة المظلمة، ووفقًا لقياسات عديدة، قرابة 85% من المادة في الكون تُعد مادةً مظلمة، مع أن النِّسب في المجرات تختلف وفقًا لنوعها.
تُعد المادة المظلمة عنصرًا أساسيًا في أكثر نماذج تشكل المجرات كفاءةً لدينا، ويُعتقد أن شبكة المادة المظلمة ربما أوصلت المادة إلى المجرات في بدايات الكون المبكر، وأنها تُمثل «الغراء الكوني» الذي يربط المجرات معًا.
تقع اليعسوب 44 على بعد نحو 330 مليون سنة ضوئية في عنقود كوما المجري، وتندرج ضمن تصنيف مجري يُسمى «المجرة هائلة الانتشار»، وهي أقل سطوعًا بكثير من مجرتنا درب التبانة، تُشير بيانات شدة سطوعها إلى أنها تمتلك نجومًا أقل بـ 1000 مرة من نجوم مجرتنا.
جعل ذلك قياسات الكتلة المأخوذة لمجرة اليعسوب سنة 2016 مفاجأة. حسب فريق من علماء الفلك بقيادة بيتر فان دوكوم من جامعة ييل عدد العناقيد الكروية حول اليعسوب 44، وهي تجمعات كروية كثيفة من النجوم تدور حول مركز المجرة.
نظرًا إلى أن عدد العناقيد الكروية مرتبط بكتلة المجرة -مع أننا نجهل السبب حتى اللحظة، أفسح ذلك المجال أمام علماء الفلك لحساب كتلة اليعسوب 44، ووجدوا أنها تماثل تقريبًا كتلة مجرة درب التبانة، نظرًا إلى العدد المنخفض من النجوم في اليعسوب 44.
أوضح ذلك أن المجرة تتكون بالكامل تقريبًا من المادة المظلمة، ما يجعلها شاذة للغاية، وخارجةً عن المألوف.
أعاد سيف الله وفريقه حساب العناقيد الكروية، باستخدام نفس البيانات المستعملة في الدراسة السابقة التي رصدها تلسكوب هابل الفضائي، ثم طبقوا معايير صارمة لتحديد العناقيد الكروية المرتبطة باليعسوب 44، وأشارت النتائج في النهاية إلى رقم أصغر بكثير.
قال عالم الفيزياء الفلكية إجناثيو تروخيو من معهد الفيزياء الفلكية في جزر كناري: «حقيقة عثورنا خلال عملية البحث على 20 عنقودًا كرويًا فقط، مقارنةً بـ 80 عنقودًا في الدراسة السابقة، تقلل كثيرًا من كمية المادة المظلمة المُفترَض احتواء المجرة عليها. مع عدد العناقيد الكروية التي وجدناها، فإن كمية المادة المظلمة في اليعسوب 44 تتوافق مع الكمية المتوقعة لهذا النوع من المجرات، لم تعد نسبة المادة المرئية إلى المادة المظلمة 1 : 10000، بل انخفضت إلى 1 : 300».
هذه ليست أول معضلة يواجهها تروخيو مع المجرات هائلة الانتشار المحتوية على كميات غير طبيعية للمادة المظلمة، فقد وجد في العام الماضي مجرتين من هذا النوع تُسميان اليعسوب2 واليعسوب4، اكتشفهما فان دوكوم وفريقه، تحتويان على القليل من المادة المظلمة، بالكاد تخلوان منها، لكن تبيّن لاحقًا أنهما مجرتين طبيعيتين.
جاء قياس المادة المظلمة منخفضًا بسبب سوء تقدير المسافة. تحقق تروخيو من المسافة، ولم تعد المجرتان معضلة كونية.
قال تروخيو: «احتمالية ارتكاب أخطاء خلال إجراء القياسات تفوق احتمالية عثورنا على مجرات متطرفة لا تتوافق مع النماذج المعمول بها، هذا ما أثبته سيف الله وفريقه هذه المرة أيضًا».
وقال عالم الفيزياء الفلكية مايكل بيسلي: «يُظهر عملنا أن هذه المجرة ليست حالة شاذة، إذ تفسرها نماذج تشكل المجرات دون الحاجة إلى تعديل».
لكن هذا لا يعني إنهاء الجدل. بعد إعادة حساب المسافة التي أجراها تروخيو، أعاد فان دوكوم وزملاؤه أيضًا حساب المسافات إلى اليعسوب2 واليعسوب4، كانت نتائج التحليلات الجديدة متوافقة مع النتائج الأولية للفريق، لذلك نتوقع أن يبقى الجدل قائمًا حول اليعسوب 44 أيضًا.
مثل هذه المناقشات مفيدة للعلم. مهما كانت النتائج، فإن محاولة اكتشافها ستساعدنا على تحسين تقنياتنا لدراسة الكون.
اقرأ أيضًا:
الدليل الأول لوجود نوع من جسيمات المادة المظلمة التي تمنع تشتت المجرات
ترجمة: حمزة البدارنة
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين