يُعد الألم مشكلة كبيرة.
فإذا قمت بالقراءة حول مراكز تنظيم الألم، قد تعتقد أن هذه المشكلة قد انحلت، لكن هذا غير صحيح.
وعندما لا يوجد علاج فعال لمشكلة طبية، سنميل لمحاولة التمسك بقشة.
لكن البحوث أظهرت أن العلاج بالوخز بالإبر أكثر من مجرد قشة.
وعلى الرغم من الادعاء الشائع بأن الوخز بالإبر كان قائمًا منذ آلاف السنين، إلا أنه لم يكن معروفًا دائمًا، حتى في الصين.
فقد كان هذا الأمر مرفوضًا لأكثر من 1,000 سنة، وفي عام 1822، قام الإمبراطور «Dao Guang» بإصدار مرسوم أفاد بوجوب حظر الوخز بالإبر وعملية الكي من الأكاديمية الطبية الإمبريالية إلى الأبد.
واستمر اعتبار الوخز بالإبر نشاطًا هامشيًا ثانويًا في الخمسينيات.
وبعد الحرب الأهلية الصينية، سَخِر الحزب الشيوعي الصيني من الطب الصيني التقليدي، بما في ذلك الوخز بالإبر، باعتباره خرافات.
فقام الرئيس (ماو زيدونج- Mao Zedong) لاحقًا بإحياء الطب الصيني التقليدي كجزء من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لعام 1966.
وكان هذا الإحياء استجابةً ملائمة لقلة الناس المتدربين في المجال الطبي في فترة ما بعد الحرب في الصين، ووسيلة مفيدة لتعزيز القومية الصينية.
ويُقال إن الرئيس ماو بنفسه كان يُفضِّل الطب الغربي.
ونقلًا عنه بحسب طبيبه الخاص: «على الرغم من أنني أعتقد أنه يجب علينا تعزيز الطب الصيني، إلا أنني لا أؤمن به شخصيًا. أنا لا آخذ الدواء الصيني».
ويبدو أن التحيز السياسي، أو ربما التجاري، لا يزال قائمًا.
وقد أُفيد (من المؤلفين الذين يتعاطفون مع الطب البديل) أن «جميع تجارب [الوخز بالإبر] الناشئة في الصين واليابان وهونغ كونغ وتايوان كانت إيجابية».
كان الوخز بالإبر ميتًا أساسًا في الغرب حتى قام الرئيس نيكسون بزيارة الصين في عام 1972.
وكان إحياؤه في الغرب إلى حد كبير نتيجةً لحكاية واحدة أصدرها الصحفي (جيمس ريستون- James Reston) في دورية نيويورك تايمز بعد أن خضع لعلاج الوخز بالإبر في بكين لتسكين آلام ما بعد الجراحة في عام 1972.
وعلى الرغم من أن سماحته كصحفي سياسي، لم يكن لدى ريستون أي خلفية علمية ومن الواضح أنه لم يقدر مغالطة «post hoc ergo propter hoc fallacy» (التي تنص على: بما أن الحدث Y تلا الحدث X، فلا بد أن يكون سبب الحدث Y هو الحدث X)، أو فكرة الانحدار إلى الوسط «regression to the mean».
وبعد تقرير ريستون، سرعان ما أصبح الوخز بالإبر شائعًا في الغرب.
وقد زعمت القصص أنه قد أجريت عمليات قلب مفتوح لبعض المرضى في الصين باستخدام الوخز بالإبر فقط.
وأرسل مجلس البحوث الطبية «في المملكة المتحدة» وفدًا ضمَّ (آلان هودجكين- Alan Hodgkin)، إلى الصين في عام 1972 للتحقيق في هذه المزاعم، والتي كانوا مشككين فيها.
وتكررت هذه الادعاءات في عام 2006 في برنامج تلفزيوني لهيئة الإذاعة البريطانية، ولكن اكتشف (سيمون سينغ- Simon Singh) صاحب مبرهنة فيرما الأخيرة، أنه قد أُعطي المريض خليطًا من ثلاثة مسكنات قوية جدًا (ميدازولام، دروبيريدول، فنتانيل) وكميات كبيرة من الحُقن المخدرة المحلية في صدره.
وكانت إبر الوخز تجميلية بحتة.
الغريب، وبالنظر إلى أن مبادئه المزعومة تُضاهي غرابة تلك التي تخص أي نوع آخر من الطب ما قبل العلم الحديث، يبدو أن الوخز بالإبر اكتسب مصداقيةً أكثر من أي نوع آخر من أنواع الطب البديل.
ونتيجة لذلك، أجريت المزيد من البحوث حول الوخز بالإبر أكثر من أي ممارسة هامشية أخرى.
ونتيجة هذا البحث، كما نفترض، هو أن فوائد الوخز بالإبر هي على الأرجح غير موجودة، أو في أحسن الأحوال هي ضئيلة جدًا وعابرة أكثر من أن تكون لها أي أهمية سريرية.
كما يبدو أن الوخز بالإبر ليس أكثر من استعراض وهمي.
وسيتم الآن مناقشة الدليل على هذا الاستنتاج.
ثلاثة أشياء لا صلة لها بالحجة
لا نرى أي جدوى من مناقشة دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أو دراسات تحرير الإندورفينات، حتى يحين الوقت الذي قد يتبين فيه أن المرضى حصلوا بفضل الوخز بالإبر على درجة مفيدة من الراحة.
لكن من الواضح حاليًا أنهم لم يفعلوا.
ولا نرى أيضًا سوى فائدة قليلة من ذكر الدراسات الفردية.
فيُعد التناقض سمةً بارزةً للبحوث المتعلقة بالوخز بالإبر.
ويُشكل عدم التجانس في النتائج مشكلةً بالنسبة إلى التحليل التلوي (meta-analysis-التحليل التلوي: هو تحليل في علم الإِحصاء يتضمن تطبيق الطرق الإحصائية على نتائج عدة دراسات قد تكون متوافقة أو متضادة).
وبناءً على ذلك، فمن السهل جدًا اختيار التجارب التي تُظهر أي نتيجة مهما كانت.
ولذلك، يجب علينا ألا نأخذ بعين الاعتبار سوى التحليل التلوي.
وإن الحجة القائلة أن المعالجة بالوخز بالإبر، بطريقة ما، أكثر شمولية وتركيزًا على المريض من الأدوية، هي بالنسبة لنا (رنجة حمراء- Red herring) «أي أنها مغالطة منطقية تتمثل بعرض بينات أو موضوعات أو أسباب جاذبة خارجة عن الموضوع لتشتيت انتباه الطرف الآخر عن الموضوع الأصلي».
فكُل الأطباء الجيدون عطوفون ويركزون انتباههم على المرضى، وتُعد الفكرة القائلة بأن التعاطف يقتصر على أولئك الذين يمارسون الطب الذي لا يمت للعلم بصلة، مهينة للأطباء، إضافةً إلى أنها تقترب من الاعتراف بأن التعاطف هو كل ما يمكن للطب البديل أن يقدمه.
كما ويوجد حاليًا إجماع على أن فوائد الوخز بالإبر، إن وجدت، كمسكنات للألم قليلة جدًا حتى تُعتبر مفيدة للمرضى.
وقد أظهرت التجارب السريرية الكبيرة متعددة المراكز والتي أجريت في ألمانيا والولايات المتحدة، أنه لا يوجد أي اختلاف بين الوخز بالإبر الحقيقي والوخز بالإبر الزائف في خفض مستويات الألم في حالات اضطرابات الألم المزمن: الصداع النصفي (الشقيقة)، صداع التوتر، آلام أسفل الظهر، وهشاشة عظم الركبة.
وإذا كان لا يوجد فعلًا أي اختلاف بين الوخز بالإبر الحقيقي والزائف، فهذا يعني أن التحسن الظاهر الذي قد يُلاحظ بعد العلاج بالوخز بالإبر هو بكل بساطة تأثير (البلاسيبو- placebo) «الدواء الوهمي».
وعلاوةً على ذلك، فهي تُبين أن خطوط الطول هي فكرة تخيلية بحتة.
وكل ما بقي للنقاش هو ما إذا كان تأثير البلاسيبو كبيرًا لدرجة أن يُعد علاجًا فعالًا، وما إذا كان وصف البلاسيبو أمرًا أخلاقيًا.
وقد وجدت بعض التحليلات التلوية القليل من الاختلافات بين الوخز بالإبر الحقيقي والزائف.
وقد اطلعت مراجعة منهجية للتجارب السريرية العشوائية مع الوخز بالإبر من قبل «Madsen et al» في 13 تجربة شملت 3,025 مريضًا، حيث استخدم الوخز بالإبر عليهم لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات المَرضية المؤلمة.
وكان هناك فرق صغير بين الوخز بالإبر «الحقيقي»، والوخز بالإبر الزائف (لا يهم نوع التزييف المستعمل)، وفرق أكبر إلى حد ما بين المجموعة التي استخدمت الوخز بالإبر والمجموعة التي لم تستخدمه.
وكانت النتيجة الحاسمة هي أن حتى هذا الفرق الأكبر كان متوافقًا مع تحسن بنسبة 10 نقاط ضمن مقياس 100 نقطة للألم.
وقد لخص تقرير مجمل أن تغيرًا من هذا النوع يُعد «حدًا أدنى» من التغيير أو «تغيرًا بسيطًا».
وهو ليس كافيًا لدرجة أن يلحظ المرضى تأثيره.
فلم تكن المجموعة التي استخدمت الوخز بالإبر ولا المجموعة التي لم تستخدمه جاهلة بحال المرضى والمُعالج.
ومن المستحيل الجزم ما إذا كان الاختلاف الملاحظ هو نشاط فيزيولوجي حقيقي أو تأثير وهمي لتداخل دراماتيكي إلى حد ما.
وعلى الرغم أنه سيكون من المثير للاهتمام معرفة حقيقة الأمر، إلا أن ذلك غير مهم أبدًا، لأن التأثير ليس كبيرًا بما يكفي لإنتاج أي فائدة ملموسة.
ويُعد التحيز الإعلامي مشكلة للطب البديل أكثر من كونه مشكلة بالنسبة للطب الحقيقي، لذا فمن المثير للاهتمام بشكل خاص أن هذه النتيجة التي ذكرت للتو قد أُكدت من قِبَل المؤلفين الذين يمارسون العلاج بالوخز بالإبر أو يتعاطفون معه.
وأجري تحليل تلوي من قِبَل «Vickers et al» لـ 29 تجربة عشوائية محكومة، مع 17,922مريضًا.
وكان يعالج المرضى الذين يعانون من مجموعة متنوعة من حالات الألم المزمن.
وكانت النتائج مشابهة جدًا لتلك التي أجروها «Madsen et al».
فكان الوخز بالإبر الحقيقي أفضل من الزائف ولكن بنسبة طفيفة تفتقر إلى أي أهمية سريرية.
ومرة أخرى، كان هناك اختلاف أكبر إلى حد ما في المقارنة الواضحة بين استخدام الوخز بالإبر وعدم استخدامه، وكانت من جديد صغيرة جدًا وبالكاد لاحظها المرضى.
وبالمقارنة بين هذين التحليلين التلويين، تبين مدى أهمية قراءة النتائج، وليس فقط الخلاصة منها.
وعلى الرغم من أن النتائج كانت نفسها لكليهما، إلا أن تلفيق النتائج في الخلاصة (وبالتالي أسلوب تقارير وسائل الإعلام) كان مختلفًا للغاية.
حدث مثال أكثر تطرفًا في تجربة «CACTUS» للوخز بالإبر لـ «المرضى المتكررين» ذوي أعراض غير مفسرة طبيًا.
وفي هذه الحالة، أظهرت النتائج اختلافًا صغيرًا جدًا بين المجموعة التي تعرضت للوخز بالإبر والمجموعة التي لم تتعرض له، بغض النظر عن قلة التمويه الحاصل في التجربة وقلة وجود ضوابط سليمة.
ولكن، من خلال تجاهل مشاكل المقارنات المتعددة، استطاع المؤلفون اقتطاف بعض النتائج التي كانت ذات دلالة إحصائية، على الرغم من حجمها المتواضع.
ورغم أن هذه النتيجة السلبية بشكل غير عادي، فقد اعتبرت بمثابة نجاح للوخز بالإبر.
ليس فقط من قِبَل المؤلفين، ولكن أيضًا من قِبَل إدارة العلاقات العامة لجامعتهم، حتى أن رئيس تحرير المجلة أصدر بيانات مضللة للغاية.
وقد أدى ذلك إلى تدفق الرسائل إلى (الدورية البريطانية للممارسة العامة- British Journal of General Practice) وإلى كثير من الانتقادات على شبكة الإنترنت.
من وجهة النظر العقلانية، سيكون أمرًا مثيرًا للاهتمام معرفة ما إذا كان الاختلاف البسيط بين الوخز بالإبر الحقيقي والزائف، والذي ظهر في الدراسات التي أجريت مؤخرًا، نتيجة تأثير حقيقي للوخز بالإبر أو نتيجةً لأن جهل الممارسين في تجاربهم، أو بسبب التحيز الإعلامي.
ومع ذلك، فإن هذه المعرفة غير مهمة بالنسبة للمرضى.
كل ما يهم بالنسبة لهم هو ما إذا كانوا سيحصلون على درجة مفيدة من الراحة.
ويبدو أنهم لم يحصلوا عليها.
وهناك الآن إجماع بين مختصي العلاج بالوخز بالإبر وغير المختصين به على أن أي فوائد قد توجد هي أصغر من أن تُقدِّم أي فائدة ملحوظة للمرضى.
وما دام الأمر كذلك، فمن الصعب أن نرى لماذا لا يزال الوخز بالإبر مستخدمًا.
وبالتأكيد، فإن مثل هذا التراكم للنتائج السلبية سيؤدي إلى تراجع في أي من وسائل العلاج التقليدية.
- إعداد: ديانا نعوس.
- تدقيق: هبة فارس.
- تحرير: سهى يازجي.
- المصدر