يقول هاري ستاكهاوس البالغ من العمر 74 عامًا من إلينوي، وقد كان مستيقظًا في أثناء عملية زراعة الكلى التي أُجرِيَت له مؤخرًا: «رأيتُ كلّ شيء».
كان يتحدث مع الأطباء، وتمعَّنَ بكلية المتبرع، وشاهد الفريق الجراحي وهم يخيطون جسمه بعد إتمام العمليّة، كل هذا من دون أن يشعر بأيّ ألم.
خريج ستاكهاوس بعد 36 ساعة فقط من الإجراء من مستشفى نورث وسترن ميديسين، الذي يهدف إلى جعل عمليات زراعة الأعضاء دون التخدير العام المحفوف بالمخاطر أمرًا شائعًا.
كانت الجراحة الثانية من نوعها بقيادة ساتيش ناديج، مدير مركز زراعة الأعضاء الشامل التابع لنظام المستشفيات في شيكاغو. ومنذ ذلك الحين نفّذ عمليةً ثالثةً أيضًا.
قال ناديج لوكالة فرانس برس AFP: «نحن في منعطف بخصوص عمليات الزرع اليوم، وذلك في القدرة على استخدام التقنيات المتوفرة لدينا لنقلنا بشكل حقيقي إلى حقبة قادمة».
قد يبدو الأمر مزعجًا أو مخيفًا، لكن تأكّدت الفوائد الطبية لاستخدام مخدر نخاعي في عمليات زراعة الكلى، على غرار ما يُجرى في أثناء العمليات القيصرية.
يتطلب التخدير العام التنبيب، الذي يمكن أن يُتلِف الحبال الصوتية، ويُبطِئ وظيفة الأمعاء، ويسبِّب ضبابية دماغ مُستمِرَّة، خاصًة عند المرضى من كبار السن.
يشير ناديج إلى أن هذا العام يصادف الذكرى الـ 70 السنويّة لأول عملية زراعة كلى بشرية ناجحة من متبرِّع حيّ، وكان هناك تردُّد من تغيير الوضع الراهن، ويقول: «إن نتائج زراعة الكلى الآن رائعة وحان الوقت لنعيد النظر بالنماذج التي تمسّكنا بها تاريخيًا».
استعادة الحياة:
يقول ستاكهاوس، وهو أب لستة أطفال كان يعمل رسّامًا ومصمّمًا للديكور، إنه أصيب بالمرض لأول مرّة في ديسمبر 2019 بأعراض تشبه أعراض الإنفلونزا، التي تفاقمت لدرجة أنه بالكاد كان يستطيع المشي.
بعد بضعة أشهر انتهى به المطاف في غرفة الطوارئ، إذ علم أنه لم يكن فقط مصابًا بكوفيد 19 خلال أخطر مرحلة مبكرة من الوباء، ولكن إحدى كليتيه فشلت والأخرى كانت تعمل بنسبة 2٪ فقط.
بدأ بجلسات غسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًا، ولكن عندما بدأت المنافذ بالفشل وأوردته بالتضيُّق والانغلاق، حثَّته ابنته تريواندا على التفكير في عملية زرع، وعرضت نفسها لإجراء الاختبارات كمتبرّع. تردّدَ ستاكهاوس في البداية ولم يُرِد “التطفُّل” على حياة وصحة أولاده، لكنّه وافق في النهاية.
بعد لقائه مع ناديج والتعرُّف على برنامج “زراعة الكلى دون تخدير عام”، قرر المضي قدمًا في الإجراء.
وقال ستاكهاوس لوكالة فرانس برس: «صدقوا أو لا تصدقوا، لم أشعر بشيء. كان مذهلًا».
تحدّثَ مع الفريق الطبي في أثناء العملية، وعندما عرض عليه الطبيب أن يريه كلية المتبرع، لم يتردَّد. وهتف عند رؤيتها: «يا رجل، لم أكن أعتقد أن الكلى بهذا الحجم!».
وبالنظر إلى عمره، خرج ستاكهاوس من المستشفى بعد 36 ساعة، وهي مدة أطول قليلًا من أول مريض أجرى عليه ناديج عملية دون تخدير عام في شهر مايو، وقد غادر بعد 24 ساعة، لكنها ما تزال أقصر بكثير من المتوسط الأمريكي البالغ خمسة إلى سبعة أيام للمرضى المخدَّرين.
من المؤهل للعملية؟
أرجع ناديج الفضل في النجاح إلى التطوُّرات مثل التخدير الموضعي المُستهدِف للبطن والعمود الفقري، وتجنُّب المخدرات الأفيونية، وتشجيع الأكل المبكر بعد العملية، الأمر الذي ساعد بالفعل مشفى نورث وسترن ميديسن على تقليل متوسط مدة بقاء المرضى حتى قبل بدء برنامج زراعة الكلى دون تخدير عام.
تعافى ستاكهاوس تعافيًا ممتازًا، واصفًا أنه يستطيع المشي، وجز العشب في حديقة منزله، وإعداد قاربه لرحلة صيد لطالما انتظر القيام بها بعد شفائه. كان شفاؤه أسرع من شفاء تريواندا ابنته البالغة من العمر 45 عامًا، التي كانت تحت التخدير العام.
قالت تريواندا: «إنها مجرد هدية يمكنك تقديمها للشخص في هذه المرحلة، فقط التفكير في الحالة التي كان سيصبح عليها لولا هذا التداخل، ليست جيّدة بتاتًا. أنت تعيد حياةً كاملة لشخص ما».
أشاد كريستوفر سونينداي، مدير مركز زراعة الأعضاء في جامعة ميشيغان هيلث، بفريق نورث وسترن ميديسين على ابتكاراتهم المهمة، وقال لوكالة فرانس برس: «لقد ثبتَ أن الحد من التعرُّض للتخدير العام يسرِّع الشفاء في جميع التخصُّصات الجراحية، وأنا متأكِّد من أنَّ الفائدة قد تتحقق في زراعة الكلى أيضًا».
لكن التجربة فقط ستحدِّد مدى إمكانيّة تطبيق هذه الإجراءات على نطاق واسع، بما في ذلك ما إذا كانت ستشمل المرضى الذين يعانون من أمراض كامنة مثل السمنة أو أمراض القلب.
اقرأ أيضًا:
لا مزيد من غسيل الكلى، لقد طور العلماء الكلية الاصطناعية
ترجمة: لطف الله رفول
تدقيق: ألاء ديب