يرجع تاريخ بعض أشهر رسومات الكهوف في العالم إلى عشرات ألوف السنين. ومع أن نظرتنا إلى سكان ذلك الزمن تقلل من شأنهم باعتبارهم «بدائيين» أو «رجال كهوف»، لكن العديد من هذه الرسومات يظهر إبداعًا خلاقًا ومهارة مثيرة للإعجاب.
لا نملك نظريات مؤكدة تخبرنا بهدف رسومات الكهوف العتيقة. فهل حاول سكان ما قبل التاريخ أن يعبروا عن أنفسهم فنيًا؟ أم أنهم أرادوا خلق سجل تاريخي تطّلع عليه أجيال المستقبل؟ أو أنهم قد حاولوا أن يتواصلوا مع آخرين ممن قد يتخذوا هذه الكهوف مأوى لهم؟
ما زالت رسومات كهوف عديدة في حالة جيدة، بسبب البيئة الحافظة تحت الأرض. ويشمل ذلك رسومات كهف «دي لاس مانوس» في الأرجنتين (الظاهر في الصورة)، لكن للأسف، توجب إغلاق بعض الكهوف الشهيرة أمام الجمهور، لأن أعداد الزائرين الكبيرة أثرت على بيئتها الداخلية مسببة نمو العفن أو بهت الرسومات.
من رسومات الكهوف الخلابة التي توفر لزائريها الفرصة لخوض تجربة تصلهم بماضي الإنسانية السحيق، تلك الموجودة في المواقع العشرة الآتية:
من الكهوف المدهشة برسوماتها: كهف لاسكو
من أكثر رسومات الكهوف سحرًا وإدهاشًا تلك الموجودة في كهف لاسكو بجنوب غربي فرنسا، مع أنها ليست الأقدم في العالم. تصور هذه الرسومات التي رُسمت قبل 17 ألف سنة، حيوانات كبيرة كالثيران والخيول، عاشت في هذا الجزء من أوروبا إبان العصر الحجري القديم.
اكتشف هذه الرسومات مجموعة من المراهقين عام 1940، واعتبرت منظمة اليونيسكو الكهف موقع تراث عالمي سنة 1979 م. أُغلق كهف لاسكو أمام الجمهور بسبب تعرض رسوماته للبهت، إضافة إلى اكتشاف العفن في الكهف.
حاليًا، على الراغبين بزيارته الاكتفاء برؤية نسخة مماثلة تقع على بعد 200 مترًا من الكهف الأصلي هي «لاسكو 2». هذا وتتواصل الجهود الجبارة لحماية الرسومات الأصلية من المزيد من البهت.
من الكهوف في الوطن العربي: كهف السباحين
يستطيع السياح رؤية رسومات الكهوف الأصلية في موقع شهير آخر هو «كهف السباحين». وفيه تصور الرسومات أشخاصًا يسبحون مع أنه يقع في آخر مكان تتوقع فيه وجود مثل هذا النشاط: الصحراء الكبرى بمصر!
ويرى بعض العلماء أن بحيرة أو نهرًا كبيرًا كان موجودًا هناك في الماضي السحيق، قبل أن تتصحر المنطقة.
قد يكون الكهف مألوفًا لكثيرين، إذ إنه صُوِّر في فلم «ذا إنكلش بايشنت» (المريض الإنكليزي). هذا وقد تعرضت أجزاء من الكهف للضرر على أيدي الزوار، لكن السلطات المحلية بذلت مجهودًا لتدريب المرشدين السياحيين بهدف منع الناس من إلحاق ضرر أكبر بالموقع.
زوار الكهف قليلون لبعده وانقطاعه، وما الكهف إلا واحد من مواقع عديدة في المنطقة تحتوي على رسومات عتيقة.
من أقدم الكهوف: كهف ألتميرا
تمتد الرسومات على طول هذا الكهف الواقع على بعد نحو 30 كيلومترًا من مدينة سانتاندير بشمالي إسبانيا. ويرى العلماء أن اللوحات الممتدة لكيلومتر كامل قد رُسمت على مدار 20 ألف سنة، ويقترح بعضهم أن من رسم أقدم الصور هو إنسان النياندرتال.
يبدو أن الكهف كان مغلقًا بسبب انهيار صخري، فحُفظت الرسومات جيدًا حتى اكتشافها في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وقد استغرق الأمر عقودًا طوالًا لإقناع المشككين بأصالة هذه الرسومات؛ لأنهم رأوا أن الإنسان القديم أقل مهارة من أن يرسم مثلها.
أخذت رسومات ألتميرا بالبهت بسبب ثنائي أكسيد الكربون الخارج من أنفاس الزوار. فنُقلت زيارات معظمهم إلى نسخة مماثلة من الكهف حتى سمح القائمون عليه مؤخرًا بدخول عدد محدود من الزوار، رغم مخاوف بعض الخبراء بأن حتى هذه الزيارات الأسبوعية المحدودة قد تُدمِّر اللوحات.
فنون الصخور في متنزه كاكادو الوطني
يحتوي متنزه كاكادو الوطني في إقليم شمالي أستراليا قليل السكان على بعض أفضل ما تبقى من فنون الصخور التي صنعها سكان أستراليا الأصليون. وتقع الرسومات تحت صخور متدلية في الموضع الذي اتخذه هؤلاء السكان ملجأ لهم. ويُعتقد أن عمر بعض هذه الرسومات يبلغ 20 ألف عام.
تحكي هذه الصور تاريخ حياة البشر في أستراليا بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وصولًا إلى أول التقاء لهم بالمستوطنين والمستكشفين الأجانب. وبالنسبة لكثير من هؤلاء الفنانين القدامى، كان فعل الرسم نفسه أكثر أهمية من الصورة الناتجة عنه. ولذلك غُطيت بعض أقدم الرسومات في المتنزه برسومات أحدث منها.
كهف ماغورا (ماجورا) ببلغاريا
يحتوي هذا الكهف على رسومات تعود إلى 8000-10000 عام. ويُظن أنها تمثل الاحتفالات والأحداث والآلهة المهمة الفريدة في بلاد البلقان القديمة.
وهناك أيضًا ما يدل على وجود تقويم شمسي، يُعد من أقدم ما اكتُشف من التقاويم. وبعد دراسة الصور، اكتشف العلماء أنها رُسمت باستعمال مخلفات الخفافيش.
باستطاعة الزوار حاليًا أن يطلعوا على بعض هذه الصور في الكهف. لكن عليهم أن يحجزوا جولة سياحية بقيادة مرشد، وأن يدفعوا مزيدًا من المال لرؤية الغرف المزينة بهذه الرسومات.
من أكثر الكهوف إثارة للاهتمام: كهف دي لاس مانوس
يحتوي هذا الكهف الواقع في باتاغونيا الأرجنتينية، على بعض أكثر رسومات ما قبل التاريخ إثارة للاهتمام. معنى اسم الكهف هو «كهف الكفوف»، لأنه يصور عددًا من الأكف البشرية التي طُبعت بواسطة رش المساحيق حولها على جدار صخرة. مع أنه يحتوي على رسومات أخرى أيضًا، معظمها تمثل عمليات الصيد والحيوانات البرية.
يرجع تاريخ طبعات الأكف والصور الأخرى إلى أكثر من 9 آلاف عام. وأغلب الطبعات هي للكف الأيسر، ما قد يدل على أن الرسامين قد طبعوا أكفهم بأنفسهم مستعملين نوعًا من أنواع أنابيب الطلاء التي حملوها بيدهم اليمنى. إذ رشوا الدهان من هذه الأداة على أكفهم اليسرى وحولها.
ولحسن الحظ، تتوفر جولات سياحية بقيادة مرشد لأي زائر يرغب برؤية ما في الكهف.
ملاجئ بيمبتكا الصخرية
تقع ملاجئ بيمبتكا الصخرية في ولاية مادهيا براديش الهندية. وتحتوي على بعض أقدم رسومات الكهوف في جنوب آسيا. حُفظت هذه الرسومات جيدًا عبر السنين، حتى أن العلماء يقدرون عمر أقدمها بنحو 30 ألف سنة. لكن بعض هذه الصور أحدث كثيرًا من ذلك، إذ رُسم أجددها إبان العصور الوسطى.
إن وجود أعمال فنية تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الوسطى في مكان واحد، هو أمر نادر فعلًا. وقد ضُمت الملاجئ لقائمة التراث العالمي، وهي مفتوحة أمام الجمهور يوميًا.
من أقدم الكهوف: كهف بيتاكير
يثير هذا الكهف الواقع في جزيرة سلاوسي الأندونيسية الكثير من الاهتمام، لأن تقدير عمر رسوماته حسب تقنية التأريخ بالكربون المُستخدَمة حديثًا، يرجعها إلى 40 ألف عام. إن كان هذا التقدير صحيحًا، فذلك يعني أن فناني بيتاكير قد سبقوا فناني أوروبا في عمل رسوماتهم!
تصور رسومات الكهف طبعات أكف، تشبه تلك الموجودة في الأرجنتين. إضافة إلى تصويرها الحيوانات. وباستطاعة الجمهور أن يزوروا الكهف إن انضموا لجولة سياحية، تشمل أيضًا تشكيلات صخرية أخرى مثيرة للاهتمام تنتشر في المنطقة المحيطة بكهف بيتاكير.
رسومات بيدرا فورادا بالبرازيل
اكتُشف ما يقارب 100 رسم في منطقة بيدرا فورادا في شمال شرقي البرازيل. ويدور الجدل بين العلماء حول هذه المواقع، لاعتقاد البعض أن البشر قد سكنوا هناك قبل أن يصل ما يسمى بقبيلة كلوفيس (الأمريكيون القدماء)، بينما يرى معظم خبراء ما قبل التاريخ أن كلوفيس كانوا أول من استوطن الأمريكيتين.
هناك مئات المواقع الأثرية في منطقة بيدرا فورادا، وتشكل جزءًا من متنزه سيرا دا كابيفارا الوطني. منها أكثر من 150 موقعًا تتضمن مواقع لفنون الصخور، متاحة لزيارة الجمهور.
من الكهوف والصخريات في الوطن العربي: لاس غيل
منذ وقت طويل، عرف السكان المحليون هذه الصور المرسومة على جدران الصخور خارج هرجيسا عاصمة أرض الصومال (صوماليلاند) ذات الحكم الذاتي. لكن العالم لم يلحظها حتى بدأ الآثاريون الفرنسيون بدراستها في مطلع القرن الحادي والعشرين.
تتميز هذه الرسومات بوضوحها، نتيجةً للطقس الجاف.
مع أن عمرها يُقدَّر بنحو 5000-11000 عام، ويظهر فيها البشر والحيوانات. تقع أرض الصومال في شمال دولة الصومال غير المستقرة، وهي آمنة نسبيًا إن رغبت بزيارتها، مع أن بنيتها السياحية ما زالت في بداية مرحلة النمو.
اقرأ أيضًا:
بماذا تخبرنا الرسوم في الكهوف عن الحياة ما قبل التاريخ
ما سر ولع رسامي العصر الحجري بالخيول، حتى قبل ترويضها بآلاف السنين؟
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: نغم رابي