على مرّ السنين، أدهشتنا الأعداد الأوليّة، حيّرتنا، وأثارت إعجابنا.
تُعتبر غالبًا كالأساس المتين للرياضيّات، ولكن أحد أهم خصائصها المدهشة أنها تتولّد عشوائيًا؛ ولهذا فقد عكف الرياضيون لزمنٍ طويل على إيجاد أكبر عددٍ أوليّ جديد (أكبر عدد وُجد حتى الآن يتألف من 23,249,425 خانة).
أعطِ إنسانًا شيئًا يبدو عشوائيًا تمامًا، ولن يستطيع إيقاف نفسه عن التفكير أن هناك معنى أو نمطًا خفيًا يكمن في هذا الشيء.
هذا ليس مدعاة للضحك، على العكس، فقد شكّلت عشوائيّة الأعداد الأوليّة أساسًا لشكلٍ تشفيريّ يُدعى خوارزمية RSA.
يدّعي فريقٌ من الكيميائيين أنهم وجدوا نمطًا فريدًا من نوعه مخفيًا في توزيع الأعداد الأوليّة، وذلك عندما تُفكر في الأعداد الأوليّة ككيانٍ ماديّ.
بدلًا من النظر إلى الأعداد الأوليّة من وجهة نظرٍ رياضيّة صرفة، فقد نظر عالم الكيمياء سالفاتوري توركاتو إلى الأعداد الأوليّة كما لو كانت ذرات صغيرة داخل بلورة.
طريقة دراستنا للذرات داخل البلورات هي بتعريضها للأشعة السينيّة ورؤية الأشعة كيف تتبعثر؛ عمليةٌ معروفةٌ بانحراف الأشعة السينيّة.
تُنتج المواد المختلفة أنماطًا مختلفة، السوائل على سبيل المثال، تمتلك ذرات تهتزّ في كل الاتجاهات ما يمنع تشكّل بناءٍ معين لها، فتتبعثر الأشعة السينيّة مشكّلةً نمط انحرافٍ غير معيّن.
من الناحية الأخرى، تمتلك البلورات بنيّةً صلبة من الذرات، وتُنتج نمط انحرافٍ منتظمًا مع قممٍ واضحة؛ معروفة بـ «قمم براج» والتي سُمّيت على اسم الفيزيائيين الأب والابن ويليام ولورانس براج.
بناءً على هذا المبدأ، فإذا كانت الأعداد الأوليّة جزءًا من بنية مادية فستتصرّف كسائلٍ غير منتظم.
لكن عندما شكّل توركاتو فريقًا مع اثنين من علماء الأعداد، وبنى هذا الفريق نموذجًا حاسوبيًا من شأنه أن يماثل نموذجًا نظريًا من الأشعة السينيّة مقابل مليون أو أكثر من الأعداد الأوليّة، فقد وجدوا شيئًا مثيرًا للاهتمام، لقد أنتجت الأعداد الأوليّة نمط انحراف مشابهًا للبلورة.
ولعلّ الأكثر إثارة للاهتمام هو حقيقة أن النمط الذي رأوه لا يشبه أيَّ نمطٍ بلوريّ آخر رأوه حتى الآن.
وهذا ما دعوه بـ «أشباه البلورات»، وهي المواد التي لها بعض خصائص البلورات، ولكنها مرتّبة بطريقة غير متبلورة.
يُخبر توركاتو ناتالي ولشوفر مراسلة مجلة Quanta: «تفرض الأعداد الأوليّة نموذجًا جديدًا لتوزّع الجزيئات يشبه أشباه البلورات، ولكنه لا شبه البلورات» في إشارةٍ منه إلى «مجموعة جديدةٍ من التراكيب»، وذلك عندما يُنظر إلى الأعداد الأوليّة من وجهة نظرٍ فيزيائيّة.
هذا ليس بالكَشف الكبير الذي يشير إلى بعض القوانين الأساسية للكون، ولا يعني أنّ على خبراء التشفير أن يأخذوه على محمل الجد.
كتب الثلاثي في ورقتهم البحثيّة: «تُنتج صيغتنا هذه خوارزميّة من شأنها تمكين الشخص من إعادة التنبؤ (إعادة هيكلة) بالأعداد الأوليّة بدقةٍ عالية».
الرياضيات ليست ثوريّة بنفسها، فهي مبنيّة على عملياتٍ مؤسّسة بشكلٍ جيد، هناك أيضًا أنماط أخرى تم اكتشافها بين مجموعة من الأعداد الأوليّة والتي جذبت الانتباه خلال السنوات الماضية.
لكنها مميزة؛ لأنها ألهمت الباحثين تأسيس فرعٍ جديدٍ من الأبحاث وأقامت صلة الوصل بين علم المواد والرياضيات (خصوصًا بين الأعداد الأوليّة والبلورات).
يشرح هنري كوهن من قسم الأبحاث بمايكروسوفت في محاضرة له بجامعة برنستون عن هذا الاكتشاف فيقول: «إنها وجهة نظرٍ جديدة وجيدة بخصوص هذه المعلومات، فهي تفتح آفاقًا جديدة بين علم المواد ونظرية التشتّت».
مهّد هذا العمل لتحقيقاتٍ أوسع يمكن أن تكشف أشياء مثيرة للاهتمام، ليس فقط عن المجموعة الكبيرة للأعداد الأوليّة ولكن أيضًا حول إمكانية تموضع أي مجموعة من الجسيمات.
- ترجمة: مازن سفّان.
- تدقيق: تسنيم المنجّد.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر