عند التفكير في نشأة الكون، فإن أحد أهم الأسئلة التي تواجهنا تختص بولادة النجوم الأولى. من المعتقد أن النجوم بدأت في التشكل بعد 100 مليون عام من الانفجار العظيم، ولقد رأينا بعض النجوم العتيقة، ولكن العمليات التي شكلتها من عناصر الكون الأساسية هي لغز كبير.
أعطتنا للتو سحابة غازية في الكون البعيد دليلًا كبيرًا.
إنها بعيدة جدًا لدرجة أن ضوءها استغرق 13 مليار عام ليصل إلينا، ما يعني أننا نرى السحابة كما كانت عندما كان عمر الكون 850 مليون عام، وهذا لمحة من عمره الحالي.
هذه السحابة تبدو مشابهةً لنظيراتها الحديثة المحتوية على عناصر تكونت داخل النجوم واندفعت للخارج في سلسلة من الانفجارات عند موت هذه النجوم.
ما يدل على وجود نجوم تكونت وماتت منذ 13 مليار عام، ليس جيلًا واحدًا فقط، فبناءً على الوفرة الكيميائية في تلك السحابة الغازية العتيقة، وجب على جيلين على الأقل من النجوم أن يتكونا ويموتا لإنتاج البصمة الكيميائية التي نراها.
كان عالم الفضاء بمعهد ماكس بلانك للفلك، إدواردو بانادوس، وزملاؤه ينظرون لبعض الكوازارات البعيدة -وهي مجرات ذات أنوية مشعة ونشطة جدًا-
حين لاحظوا شيئًا غريبًا عن ضوء كوازار يدعى P183+05، على بعد حوالي 13 مليار سنة ضوئية، وقرروا أخذ نظرة أقرب، ولم يستغرق الفريق الكثير حتى أدركوا أن الأثر الغريب في الضوء يرجع لسحابة من الغبار والغاز بالقرب من الكوازار، والتي عبرها تمت تصفية جزء من ضوء الكوازار.
ولأن الأطوال الموجية المختلفة للضوء تُحجب بواسطة العناصر المختلفة، يمكننا استنتاج بعض مكونات السحابة.
قال عالم الفلك بمعهد كارنيجي للعلوم، مايكل راوخ: «بعد اقتناعنا بأننا ننظر لغاز أصلي بعمر 850 مليون عام فقط بعد الانفجار العظيم، بدأنا نتساءل عن احتمالية احتفاظ هذا النظام ببصمات أو آثار كيميائية أُنتجت بواسطة الجيل الأول من النجوم».
في بداية الكون، لم يوجد الكثير من التنوع، وبعد الانفجار العظيم ملأ الهيدروجين والهيليوم معظم الكون.
بدأت عناصر أُخرى في التكون بعد ظهور النجوم الأولى.
دمجت النجوم في لُبها الهيدروجين في الهيليوم، ثم الهيليوم في الكربون، وهكذا، وتستطيع النجوم الهائلة دمج النواة وتكوين العناصر المختلفة وصولًا للحديد، وعند وصول هذه النجوم لنهاية حياتها تنفجر (تتحول إلى مستعر أعظم-Supernova)، وتستطيع ظروف الانفجار الشديدة تكوين العناصر الثقيلة.
تذهب تلك العناصر للأجيال الجديدة من النجوم، ولهذا، كلما زادت المعادن في النجم، كان أصغر في السن. وتلك البصمات أو الآثار يمكنها إخبارنا بعمر الغاز الواقع بين النجوم أي في الوسط النجمي.
لنعد الآن لتلك السحابة الغازية العتيقة.
يعتبر العثور على الآثار الكيميائية للجيل الأول من النجوم –ويدعى Population III – في علم الكون بمثابة ربح اليانصيب، واعتقد الفريق أن هذه السحابة ربما تحتوي علي تلك الآثار، ولذلك حللوا المعادن والوفرة الكيميائية في السحابة بناءً على الأطياف المنفصلة عن ضوء الكوازار.
وكما ظن العلماء، احتوت السحابة على نسبة قليلة من المعادن متكافئة مع عمرها، ولكن لم تعطنا الوفرة الكيميائية النسبية أي دليل على وجود آثار جيل النجوم الأول.
من المذهل وجود شبه كبير بين السحابة ونظيراتها حديثة العهد الغنية بمكونات المستعرات العظمى من النوع Ia، وهذا يعني وجود جيل آخر من النجوم يفصل بين السحابة والجيل الأول، وأيضًا هذا النوع من المستعرات العظمى يستغرق حوالي مليار عام، بمعنى أن لدينا تعارضًا. فكيف يمكن نشأة جيلين من النجوم أحدهما يستغرق مليار عام في مدة قصيرة نسبيًا مثل 850 مليون عام!
هذا يضع قواعد مختلفة لنشأة النجوم الأولى، ويوجد دليل آخر يقترح أن بدايات الكون كانت سريعة وقبل أوانها، مثل وجود بعض الثقوب السوداء الهائلة التي اعتقدنا بعدم إمكانية تكونها بهذه السرعة.
إذا صحت هذه النظرية، فستجب علينا إعادة تصميم نماذجنا الكونية. في حين آخر، يستمر الفريق بالعمل على إيجاد أدلة أُخرى.
قال بانادوس: «من المثير للحماس أنه باستطاعتنا قياس نسب المعادن والوفرة الكيميائية في التاريخ الباكر للكون، ولكن إذا أردنا تحديد آثار وبصمات النجوم الأولى، يجب علينا التحقيق في تاريخ الكون السحيق»، وأضاف: «أنا متفائل أننا سنجد سحابات غازية أبعد، والتي يمكنها مساعدتنا على فهم كيفية نشأة النجوم الأولى».
اقرأ أيضًا:
ما هي النجوم الزائفة أو الكوازرات ؟
متى بدأت النجوم بالتكون في الكون ؟
ترجمة: عمرو خلف
تدقيق: حسام التهامي